البحث
اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ
تحت قسم :
من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
1817
2019/04/21
2024/11/17
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ".
قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: "الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ".
الإسلام يدعو إلى الطهر والنظافة والنزاهة عن كل ما يخل بالمروءة، أو يسوء الناس في مظهره ومخبره، فالطهارة شطر الإيمان، والنظافة برهان على سلامة الفطرة واستقامة الطبع، والنزاهة عن كل ما يعاب به دليل على الخلق الفاضل والسلوك النبيل.
وقد وردت أحاديث كثيرة تحث المسلمين على الطهارة بمعناها الواسع، الذي يشمل بعمومه طهارة الظاهر والباطن، وهذا الحديث واحد منها، يحذر فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – من عمل يخل بالآداب العامة، ويضر بالناس ويمنعهم من مزاولة حقوقهم في السير في الطرقات، والتمتع بالظل ونحوه من المجالس التي لابد لهم منها.
ومعنى قوله – صلى الله عليه وسلم - : "اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ" احذروهما وابتعدوا عن التخلي فيهما.
وقد أبهم المراد بهما أولاً ليسألوه عنهما؛ فيخبرهم بهما.
وذلك أسلوب من أساليب البيان عجيب، وهو ما ينبغي أن يسلكه المعلم مع تلاميذه، جلباً لانتباههم واستحضاراً لعقولهم، وتشويقاً لما يدفع الإجمال ويرفع الإشكال.
وقد سألوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن اللعانين ما هما؟.
فأخبرهم بهما بأسلوب بليغ يحتاج السامع في فهمه إلى تأمل ونظر فيقول: "الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ".
أي هو الذي يتبول ويتبرز في الطريق العام وفي المواضع التي اعتاد الناس الجلوس فيها وهي التي ينتشر فيها الظل – تحت الأشجار – أو تحت الجدران – ونحو ذلك.
(قال أبو سليمان الخطابي: المراد باللعانين، الأمرين الجالبين للعن، الحاملين الناس عليه، والداعيين إليه.
وذلك أن من فعلهما شُتم ولُعِنَ، يعني: عادة الناس لعنه.
فلما صارا سبباً لذلك أضيف اللعن إليهما) أ.هـ.
ويؤخذ من هذا الحديث:
النهي عن المضارة بكافة أنواعها، وما ذكر في الحديث صورة منها.
فكما أنه لا يجوز التخلى في طريق الناس وظلهم لا يجوز إلقاء الحجارة والشوك وقشر الموز وسائر القاذورات والعوائق التي تعوق المرور وتعطل حركة السير وتحرم الناس من الراحة.
ويقاس على ذلك ارتفاع الأصوات في المجالس والطرقات والمنازل والمساجد وغيرها، والتلفظ بالألفاظ النابية التي يخجل من سماعها أهل الحياء والمروءة.
والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، كما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم –.
والإسلام في تشريعاته العامة والخاصة يرد الناس إلى فطرتهم التي فطرهم الله عليها، ويقضي على كل عادة تتنافى مع هذه الفطرة السوية.
فمن عرف هذه التشريعات وتمسك بها نجا من كل عمل يخدش الحياء أو يتنافى مع الطبع السليم.
وذلك لأن الحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو بعد كلمة التوحيد بمنزلة الروح من الجسد؛ فمن لا حياء له لا إيمان له.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا: قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ".
وشعب الإيمان كل لا يتجزأ؛ لأن كل شعبة تتشعب من غيرها، وغيرها يتشعب منها لهذا سميت شعبة.
وتحت كل شعبة خصال من الخير لا تنحصر.
والحياء جماع الفضائل كلها تحت كلمة التوحيد.
وقد روى مسلم في صحيحه عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ"
وفي رواية أخرى عنه أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: "الْحَيَاءُ كُلهُ خَيْر"
نسأل الله الهداية والتوفيق.