البحث
شواهد تشهد لرسول الله بالرسالة
الشاهد الأول: العقيدة التي جاء بها المصطفى محمد
ولكي تتجلى لنا وتتضح أهمية العقيدة التي جاء بها رسول الله محمد نلاحظ ما يلي:
يقول صاحب الظلال(رحمه الله):لقد شاءت حكمة الله عز وجل أن تكون قضية العقيدة هي القضية التي تتصدى لها الدعوة منذ اليوم الأول للرسالة، وأن يبدأ رسول الله أولى خطواته في الدعوة بدعوة الناس أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن يمضي في دعوته يُعرف الناس بربهم الحق، ويُعَبِّدَهم له دون سواه.
ويُدلل على ذلك:
أ- قد كانت بلاد الشام كلها في الشمال خاضعة للروم يحكمها أمراء من العرب من قبل الروم، وبلاد اليمن كلها في الجنوب خاضعة للفرس يحكمها أمراء من العرب من قبل الفرس، وليس في أيدي العرب إلا الحجاز ونجد، وما إليها من الصحاري القاحلة التي تتناثر فيها الراحات الخصبة هنا وهناك.
وكان في استطاعة محمد وهو الصادق الأمين الذي حَكَّمَهُ أشرافُ قريش قبل ذلك في وضع الحجر الأسود، وارتضوا حكمه منذ خمسة عشر عامًا، وهو في الذؤابة من بني هاشم أعلى قريش نسبًا أن يثيرها قومية عربية تستهدف تجميع قبائل العرب التي أكلتها الثائرات ومزقتها النزاعات، وتوجيهها وجهة قومية لاستخلاص أرضها المغتصبة من الإمبراطوريات المستعمرة (الرومان في الشمال والفرس في الجنوب) وإعلاء راية العربية والعروبة، وإنشاء وحدة قوية في كل أرجاء الجزيرة.
ولو دعا يومها رسول الله هذه الدعوة لاستجابت له العرب قاطبة - على الأرجح- بدلًا من أن يعاني ثلاثة عشر عامًا في اتجاه معارض لتصحيح عقيدة العرب، ومن ثم غيرهم، والناس أجمعين.
وربما قيل: إن محمدًا كان خليقًا بعد أن تستجيب له العرب هذه الاستجابة، وبعد أن يولوه فيهم القيادة والسيادة، وبعد استجماع السلطان في يديه، والمجد فوق مفرقه، أن يستخدم هذا كله في إقرار عقيدة التوحيد التي بعثه بها ربه، ولكن الله سبحانه وتعالى -وهو العليم الحكيم- لم يوجه رسول الله هذا التوجيه، إنما وجهه إلى أن يصدع بلا إله إلا الله، وأن يحتمل هو والقلة التي تستجيب لكل هذا العناء، لماذا؟
إن الله سبحانه وتعالى لا يريد أن يعنت رسوله والمؤمنين معه، إنما هو سبحانه وتعالى يعلم أن ليس هذا هو الطريق.
ليس الطريق أن تخلص الأرض من يد سلطان روماني أو سلطان فارسي إلى سلطان عربي، فحسب.
إن الأرض لله ويجب أن تخلص لله، ولا تخلص لله إلا أن ترتفع عليها راية «لا إله إلا الله » فلا سلطان لأحد على أحد إلا الله؛ لأن السلطان كله لله، ولا شريعة إلا من الله، ولأن الجنسية التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس تحت راية «لا إله إلا الله».
فهذا هو سلمان الفارسي؛ نسبة إلى الفرس، وهذا هو صهيب الرومي؛ نسبة إلى الروم، وهذا هو بلال الحبشي؛ نسبة إلى بلاد الحبشة، ولكنهم من أصحاب رسول الله .