البحث
مسارعته إلى ما كان يدعو إليه
مسارعته إلى ما كان يدعو إليه
واشتغال قلبه دومًا بذكر الله ([1])
ولنعد مرة أخرى إلى الرسول r نطالع أخباره وندرس آثاره فسنرى فيها أعظم شاهد على رسالته، وأقوى دليل على نبوته .([2])
إن الرواة ليجمعون على أنه r كان أسرع الناس إلى تنفيذ ما جاء به، أسبقهم إلى التحلي بما رغب فيه، والتخلي عما نفر عنه، ولا عجب!([3])
فقد حفظ r قول الله تعالى فيما أنزل عليه:
(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأنعام: ١٤، ١٥].
نعم، لقد استجاب النبي r لربه، فكان أول منفذ لتعاليمه، وكان إمامًا للمسلمين في جميع أحواله وفي أقواله وأفعاله.([4])
قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: ٢١].
فلقد كان r أشد الناس طاعة لله وأكثرهم ذكرًا له سبحانه وتعالى وأعظمهم خوفًا منه جل شأنه، ولم يكن هذا محض ادعاء، بل كان حقيقة واقعة يلمسها أهله وأصحابه في كل ما بدر منه وصدر عنه r.([5])
وروى أنس أن النبي r قال: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له». [رواه البخاري ومسلم].
وأخرج ابن حبان في صحيحه عن عطاء قال: قلت لعائشة: أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله r؟
قالت: وأي شأنه لم يكن عجبًا.
إنه أتاني ليلة، فدخل معي في لحافي، ثم قال: ذريني أتعبد لربي.
فقام فتوضأ، ثم قام يصلي، فبكى حتى سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة.
فقلت: يا رسول الله ما يبكيك، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟
قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا، ولم لا أفعل؟ وقد أنزل علي في هذه الليلة: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))) [آل عمران: ١٩٠، ١٩١].
ثم قال: ((ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها)).
نعم، لقد كان النبي r لا يغفل عن ذكر الله لحظة، بل كان دائم الذكر له جل شأنه في السر والعلن، في الملأ والخلاء، في اليسر والعسر، في المنشط والمكره، في السفر والحضر، في الليل والنهار، في الصباح والمساء.([6])
وإليك ما ورد في الإصابة ج1، ص 162 ونصه:
(أن النبي r بعث إلى ابن الجلندي ملك عمان، عمرو بن العاص يدعوه إلى الإسلام، فقال:
لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يهجر وأنه يفي بالعهد وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي.
ثم أنشد أبياتًا منها:
أتاني عمرو بالتي ليس بعدها |
|
من الحق شيء والنصيح نصيح |
فقلت له ما زدت أن جئت بالتي |
|
جلندي عمان في عمان يصيح |
فيا عمرو قد أسلمت لله جهرة |
|
ينادي بها في الواديين فصيح |