البحث
صدقه وأمانته قبل بعثته
ومن دلائل نبوته صدقه وأمانته قبل بعثته وبعدها
ومن براهين صدق رسالته
وصدق ما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى
أ- ما كان من حادثة الإفك حين رمى أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية في شأن السيدة عائشة زوجة رسول الله وأحب نسائه إليه.
ولكي يتجلى لنا عظم هذا الموقف العصيب لرسول الله وزوجته السيدة عائشة ولأهل الإيمان نذكر جزءًا مما رواه البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة.
تقول السيدة عائشة بعدما أخبرت بقول أهل الإفك وخوضهم في عرضها رضي الله عنها وقد كانت مريضة آنذاك: فازددت مرضًا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله r فسلم ثم قال: ((كيف تيكم؟)) فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله r فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه ماذا يتحدث الناس به؟ فقالت: أي بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت: فقلت: سبحان الله أوقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي. [رواه البخاري ومسلم من حديث طويل].
وكاد فريقان من المؤمنين أن يقتتلا- الأوس والخزرج- بعدما ارتفعت أصواتهما ورسول الله r قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا وامتلأ رسول الله همًّا وحزنًا بعدما أوذي في أهله من قبل أهل الإفك والبهتان.
وقد لبث رسول الله شهرًا لا يوحى إليه في شأن زوجته السيدة عائشة شيء إلى أن أنزل الله سبحانه وتعالى براءة زوجته السيدة عائشة من فوق سبع سموات صيانة لعرض رسول الله.
وما ينبغي أن نلقي عليه الضوء في هذه الحادثة فيكون برهانًا على صدق رسالة رسول الله وصدقه فيما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى هو:
تأخر نزول الوحي ببراءة السيدة عائشة، فلقد لبث رسول الله شهرًا لا يوحى إليه في شأن السيدة عائشة شيء، على الرغم مما لاقاه رسول الله والسيدة عائشة من عناء وشدة وكرب وهم وحزن عميق من افتراءات وكذب المنافقين، ومما لا شك فيه أن هذا كله بلاء وامتحان واختبار من الله عز وجل.
ونتساءل، ما الذي منع رسول الله r من أن يعجل بإخباره ببراءة زوجته السيدة عائشة مع شدة ما لاقاه هو وزوجته والمؤمنون من الافتراءات والأكاذيب التي زوجها المنافقون؟
وما الذي اضطره إلى أن ينتظر كل هذه المدة- شهرًا أو أكثر- دون أن يخبر ببراءة زوجته السيدة عائشة؟ وعلام يدل ذلك؟
لا شيء إلا أنه لا ينطق عن الهوى، فلا يبلغ إلا ما أمره به ربه عز وجل في الوقت الذي يشاؤه ويختاره سبحانه وتعالى، فلو لم يكن رسول من عند الله لأخبر ببراءة زوجته من أول يوم شاعت فيه تلك الافتراءات؛ صيانة وحفظًا لزوجه وعرضه.
ولو لم يكن رسول من عند الله لأخبر بجزاء وعقوبة لكل من خاض بأدنى قول في حق زوجه حمية من أول يوم أشيعت فيه تلك الافتراءات، ولكنه r الذي لا ينطق عن الهوى هو الصادق المصدوق في كل ما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى.
وكل هذا يدلل على أن محمدًا r هو رسول الله حقًا وصدقًا.
ب- ومن براهين صدق رسالته وصدق ما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى هذه الآية الكريمة التي عاتبه فيها ربه سبحانه وتعالى عتابًا حسنًا جميلًا حيث كان النداء بالعفو قبل المعاتبة.
قال الله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) [التوبة: ٤٣]. وهذه الآية الكريمة نزلت في أناس قالوا:
استأذنوا رسول الله r فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا ولهذا قال الله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) أي في إبداء الأعذار (وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ)
أي: هلا تركتهم لما استأذنوك فلم تأذن لأحد منهم في القعود لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب، فإنهم كانوا مصرين على القعود عن الغزو وإن لم تأذن لهم فيه.
ونتساءل، ما الذي جعل محمدًا r يخبر بهذه الآية الكريمة التي فيها معاتبته من ربه سبحانه وتعالى، وما الذي اضطره إلى ذلك؟ وعلام يدل كل هذا؟
لا شيء إلا أنه r هو الصادق المصدوق الذي لا ينطبق عن الهوى يبلغ كل ما أوحاه إليه ربه فلا يكتم منه شيئًا.
وكل هذا يدل على أن محمدًا r هو رسول الله حقًا وصدقًا.
ج- ومن براهين صدق رسالة رسول الله r وصدق ما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى هذه الآيات الكريمات التي عاتبه فيها ربه سبحانه وتعالى:
قال الله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى* أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى* فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى* وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى* وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى* وَهُوَ يَخْشَى* فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) [عبس: ١ – ١٠].
في هذه الآيات الكريمات ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله كان يخاطب أحد عظماء قريش وقد طمع في إسلامه، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم وكان ممن أسلم قديمًا، فجعل يسأل رسول الله في شيء ويلح عليه، وود النبي أن لو كف ساعته تلك؛ ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعًا ورغبة في هدايته، وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الآخر.
ومن هنا أمر الله تعالى رسوله أن لا يخص بالإنذار أحدًا، بل يساوي بين الشريف والضعيف والغني والفقير والسادة والعبيد والرجال والنساء والكبار والصغار، ثم الله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
ونتساءل، كما تساءلنا من قبل ما الذي جعل محمدًا يخبر ويبلغ هذه الآيات الكريمات التي فيها عتابه من ربه سبحانه وتعالى؟ وما الذي اضطره إلى ذلك؟
ولم لم يكتمها؟ وعلام يدل ذلك؟
فيكون الجواب القاطع الفاصل: لا شيء إلا أن محمدًا r هو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى يبلغ كل ما أوحاه إليه ربه فلا يكتم منه شيئًا.
وكل هذا يدل على أنه هو رسول الله حقًا وصدقًا وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وبجانب ما ذكرناه الكثير والكثير من براهين رسالة هذا الرسول الصادق الأمين خاتم الأنبياء والمرسلين.
* * *
* * *