البحث
رحمة رسول الله بالعالمين وبركته على كل من التصق به
فرسول الله أرسله ربنا تبارك وتعالى رحمة للعالمين، لإخراجهم من ظلمات الشرك والأوثان إلى نور التوحيد والشرع القويم، لإخراجهم من غضب الله عز وجل وسخطه وعظيم عقابه إلى الفوز برضا الله تبارك وتعالى وجنته وحسن جزائه تبارك وتعالى.
ولقد جاهد جهادًا طويلًا واصطبر صبرًا جميلًا طوال فترة رسالته إلى أن سطع نور التوحيد في كافة أنحاء الأرض التي نحيا عليها.
قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: ١٠٧].
ولنتأمل في أثر بركة رسول الله على كل من التصق به بسبب من الأسباب:
أ- كفار مكة:
كان أهل مكة يعبدون الأوثان من دون الله سبحانه وتعالى، فحاول أبرهة الأشرم هدم بيت الله الحرام- الكعبة- ومعه فيله وجيشه، وكان ذلك في العام الذي ولد فيه رسول الله ، ولم يكن لأهل مكة طاقة بمحاربة جيش أبرهة، ولكن الله سبحانه وتعالى أرسل عليهم طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول، فولوا مدبرين مهزومين تتساقط جلودهم أمام أعينهم عقوبة وخزيًا لهم في الدنيا، إضافة إلى جزائهم في الآخرة، وكان ذلك في اليوم الذي ولد فيه رسول الله .
فلم يشأ الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد r أن يخرج عبدًا أسيرًا في أيدي أبرهة وجيشه، وكان من الممكن ذلك إذا نجح أبرهة وجيشه في هدم الكعبة، ومن ثم أسر أهل مكة جميعًا، ولكن أنى لهم ذلك فالله خير حافظًا لرسوله r وهو خير الناصرين؟
وكما ذكرنا أن ذلك كان في العام الذي ولد فيه خاتم المرسلين محمد r.
فببركة رسول الله r نجا أهل مكة جميعًا من جيش أبرهة ومن الوقوع في أسرهم، فكم بلغت بركة رسول الله r على أهل مكة مع أنهم كانوا عبادًا للأوثان.
ب- اسم رسول الله وأسماء بعض من التصق به بسبب من الأسباب: فإذا تأملنا فيها وزدنا إمعان النظر فيها نجد أنها أسماء من المبشرات ليست من المنفرات.
1- ولنبدأ باسم رسول الله محمد، المصدر: حمد، من الحمد، فرسول الله محمود في الأرض ومحمود في السماء، وقد سمي رسول الله بهذا الاسم دون غيره من الأسماء مع أن هذا الاسم لم يكن منتشرًا بين أسماء العرب، ولكن لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، فقد سُمي بهذا الاسم دون غيره من الأسماء بإرادة ومشيئة وحكمة من الله سبحانه وتعالى.
2- والد رسول الله كان اسمه عبد الله وليس عبد العزى أو غير ذلك من الأصنام والأوثان.
3- والدة رسول الله كان اسمها آمنة من الأمن وليست كأسماء غيرها من النساء والتي قد تكون منفرة غير مبشرة.
4- القابلة التي قامت بتوليد السيدة آمنة في حملها برسول الله كان اسمها الشفاء.
5- أول من أرضعت رسول الله بعد أمه كان اسمها ثويبة من الثواب وأعتقها أبو لهب عم رسول الله عندما بشرته بمولد محمد رسول الله .
6- كان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم من البدو بعيدًا عن أمراض الحواضر لتقوى أجسامهم وتشتد أعصابهم ويتقنوا اللسان العربي في مهدهم، فكان اسم المرضعة التي أرضعت رسول الله حليمة السعدية من الحلم والسعادة، ولقد رأت من بركة رسول الله ما سوف نذكره بإيجاز بعد ذلك.
7- خادمة رسول الله كان اسمها بركة- أم أيمن- من البركة ومن اليُمن.
8- كان مولد رسول الله في شهر ربيع الأول، وهو يعتبر أعدل وأفضل شهور العام.
9- بعد هجرة رسول الله إلى يثرب سُميت بالمدينة المنورة، فسبحان الله العظيم الحكيم الذي اصطفى رسوله خاتم المرسلين محمد من خلقه وعباده واصطفى له اسمه وأسماء كل من التصق به بسبب من الأسباب.
جـ- كان رسول الله مباركًا تظهر بركته على من حوله وسنكتفي بنموذجين اثنين ممن لحقت بركة رسول الله بهما وهما:
1- السيدة حليمة السعدية مرضعة رسول الله r:
لقد رأت السيدة حليمة السعدية من بركة رسول الله ما قصت منه العجب ولنتركها تروي ذلك مفصلًا.
قال ابن إسحاق: كانت حليمة تحدث: أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في تسعة نسوه من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء، قالت: وذلك في سنة شهباء، لم تبق لنا شيئًا. قالت: فخرجت على أتان لي قمراء، معنا شارف لنا، والله ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا من صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت عليَّ أتاني تلك، فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفًا وعجفًا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله ، فتأباه إذا قيل لها: إنه يتيم. وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي.
فكنا نقول يتيم: وما عسى أن تصنع أمه وجدُّه، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعًا غيري.
فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي، ولم آخذ مرضعًا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم، فلآخذنه. قال: لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.
قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا لأني لم أجد غيره. قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب، وشرب معه أخوه حتى روي- المقصود بأخيه: أي ابن السيدة حليمة، فهو أخوه إذًا من الرضاعة- ثم نام وما كنا ننام معه قبل ذلك.
وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، فحلب منها ما شرب، وشربت معه حتى انتهينا ريًّا وشبعًا، فبتنا بخير ليلة.
قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة. قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك.
قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتاني وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حُمُرِهم حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب ويحك أربعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجتِ عليها؟
فأقول لهن: بلى والله، إنها لهي هي. فيقلن: والله إن لها شأنًا. قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها فكانت غنمي تروح على حين قدمنا به معنا شباعًا لبنًا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن وما يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما نبض بقطرة لبن وتروح غنمي شبعًا لبنًا.
فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا، قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته.
فكلمنا أمه وقلت لها: لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة. قالت: فلم نزل به حتى ردته معنا. [الرحيق المختوم: لصفي الرحمن المباركفوري]، [ابن هشام 1/162، 163، 164].
2- أم معبد الخزاعية:
ولنذكر بإيجاز أثر بركة رسول الله r عليها عندما مر بخيمتها أثناء الهجرة: مر رسول الله ومن معه أثناء هجرته بخيمة أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة، ثم تطعم وتسقي من مر بها، فسألاها، هل عندها من شيء؟
فقالت: والله لو كان عندنا ما أعوذكم القرى، والشاة عازب، وكانت سنة شهباء، فنظر رسول الله إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: ((ما هذه الشاة يا أم معبد؟)) قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم. فقال: ((هل بها من لبن؟)) قالت: هي أجهد من ذلك. فقال: ((أتأذنين لي أن أحلبها؟)) قالت: نعم بأبي وأمي وإن رأيت بها حلبًا فاحلبها، فمسح رسول الله r بيده ضرعها، وسمى الله ودعا، فتفاجت عليه ودرت، فدعا بإناء لها يربض الرهط، فحلب فيه حتى علته الرغوة، فسقاها، فشربت حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب وحلب فيه ثانية حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها وارتحلوا.([1])
فما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق عنزًا عجافًا يتساوكن هزالًا، فلما رأى اللبن عجب فقال: من أين لك هذا، والشاة عازب ولا حلوبة في البيت؟
فقالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك -لما رأته من بركته - كان من حديثه كيت وكيت، ومن حاله كذا وكذا.([2])
قال: إني والله أراه صاحب قريش الذي تطلبه، صِفِيهِ لي يا أم معبد. فوصفته r بصفاته الرائعة بكلام رائع، كأن السامع ينظر إليه وهو أمامه.([3])
فقال أبو معبد: والله هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا، لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلًا، وأصبح صوت بمكة عاليًا يسمعونه ولا يرون القائل:([4])
جزى الله رب العرش خير جزائه |
|
رفيقين حلا خيمتى أم معبد |
هما نزلا بالبر وارتحلا به |
|
وأفلح من أمسى رفيق محمد |
فيا لقصي ما زوى الله عنكم |
|
به من فعال لا يحاذي وسؤدد |
ليهن بني كعب مكان فتاتهم |
|
ومقعدها للمؤمنين بمرصد |
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها |
|
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد |
وغير ذلك الكثير والكثير من النماذج والمعجزات التي تُدلل على بركة رسول الله، ولا عجب، فمحمد هو خاتم الأنبياء المرسلين.