1. المقالات
  2. لماذا اعتنقنا الإسلام دينا؟ _ سفر أحمد الحمداني
  3. راقص الباليه الإنكليزي الذي أصبح أُستاذاً بجامعة الأزهر

راقص الباليه الإنكليزي الذي أصبح أُستاذاً بجامعة الأزهر

الكاتب : سفر أحمد الحمداني

إنه السيد عبدالرشيد الأنصاري، ولد في أُسرة إنكليزية ارستقراطية، وتلقى تعليماُ منزلياً، حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وقد عمل في أثناء الحرب على مسرح: ((باسيفيك)).

بعد انتهاء الحرب أصبح ممثلاً مسرحياً عالمياً مشهوراً في أوربا، ثم مرض مرضاً خطيراً طويلاً، إتجه في أثنائه وبعده إلى الشعر والرسم، وقد نجح في هذه الفترة في رسم بعض الشخصيات المشهورة، كما طبعت قصائه الشعرية في كثير من الأقطار الأوربية... وبعد ذلك اتجه إلى دراسة الفلسفة، ثم التصوف، وفي سنة 1960م سافر إلى الهند ليعيش هناك في ديرللرهبان، وبعد تجارب ودراسات دينية عميقة وشاقة؛ إعتنق الدين الإسلامي الحنيف. وعند عودته إلى إنكلترا مرة ثانية أسس مجتمعاً إسلامياً، واعتنقت أُمه الإسلام على يديه، مع عدد ممن هداهم الله معه. وبعد فترة من إسلامه وعمله بالدعوة إلى الله جلَّ وعلا بالحكمة والموعظة الحسنة، فكرفي السفر إلى مصر، بلد الأزهرالشريف، ليدرس الإسلام دراسة علمية سليمة، وفي أثناء وجوده في مصر عمل أُستاذاً للغة الإنكليزية بجامعة الأزهرالشريف، والدراسات العليا به، وبجانب ذلك كان ينشرفي الصحف والمجلات العديد من دراساته، وقصائده الشعرية التي كانت غالباً ما تعبر عن مكنون نفسه ووجدانه، من عشق للإسلام، ورسول الإسلام، سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.

ومن أبرز تلك الموضوعات، فلسفة الطريق – لغة الشوق التي لا يدركها الأ الله – أسراررحلتي مع الحب الإلهي – الشك طريق إلى اليقين – الإنجيل والكنيسة لم يثيرا فيَّ أي الهام.. – الحقيقة غائبة تحت أضواء النون – قبلت نبوة عيسى ولم أقبل الوهيته – أي هذه التراجم أصح؟!

وأيها يكون الأصل؟!

أكثر رجال الغرب لا يفهمون الإسلام، ولو فهموه على حقيقته لانقلبت الموازين – نمو الطائفية كان لعنة على المسلمين بالهند خاصة – لمحات من الصدق– الطريق إلى الله – من أين أبدأ بحثي عن الله؟!

الإسلام وحديث الصدق بعيداً عن ضلالات المبشرين – المدخل إلى حقيقة وجود الله – يجب أن أنجو من الخطر – محمد يأخذ بيدي – الحمد لله أصبحت مسلماً –

1- حقاً ما يقوله: والله لو علم هؤلاء حقيقة الإسلام لأنقلبتِ الموازين، فعلى الدّعاة الصادقين أنْ يعوا كلامه، ويستخدموا الأخلاق الإسلامية الصحيحة مع خصومه

الأنصاري يروي قصة إسلامه

لقد قيل إن كل امرىء عليه أن يجد طريقه إلى الله، ذلك أنه لايوجد بيننا إثنان يسلكان نفس الطريق، هذا حق لا مرآء فيه، بيد أني أُريد أن أُؤكد بأن أُضيف: أن الناس يسلكون طرقهم المختلفة، ولكن تجمعهم في النهاية طريق واحدة. إن عدد الطرق تفضي بنا إلى وفاق، عندما توصل هذه المرحلة إلى أشرف الغايات، الآ وهي الحضرة الإلهية

فإذا اهتدينا إلى الله؛ فإننا واجدون هذه الطريق، والأ فإننا سنضرب على غيرهدى في تيه وأرض موحشة، وهنا تضل الروح في معترك الحياة، وهذا ليس أمراً يسيراً، ذلك أن كثيراً من الناس تستلب قلوبهم لمشقة الطريق؛ ومن ثم فإنه ليس على الإنسان أن يناضل ويغالب مخاوفه، وأسباب فشله فحسب، بل يجب عليه كذلك أن يقاوم شكوك الآخرين وسخريتهم منه، وهؤلاء الذين يقلقهم وضوح الحق، ويكونون من أنفسهم على استحياء، على أن هناك نفراً من ذوي الالباب يشدون أزرالمرء، ويقوِّمون من عزمه على أن يمضي في سبيله مهما كان من أمر...

هذا وإن قهر النفس في سبيل الله أمر فطري لا شعوري، كامن في رغبة لا تتزعزع، وقد تكون هذه الرغبة واهية لدى بعض الناس، قوية عند الآخرين؛ بيد أنها قد تكون قوة متدفقة غلابة عند قلة نادرة، لا يقر لهم قرارحتى يدركوا بغيتهم... كانت حياتي صرعاً مستمراً بين المادية والروحية، وهذا الصراع قادني أحياناً إلى أعجب المواطن وأحمق المواقف، ذلك أن الشد والجذب بين بين الحالتين أدى إلى أن أحيا حياة أدنى ما يقال عنها أنها كانت جد غريبة!!

فقد كنت دائماً أرغب في أن أعيش وأتذوق وأُجرب كل ما في الوجود!! مهما كلفني ذلك غير عابىءٍ بالثمن ما حييت، بيد أني كنت راغباً في الله ومعرفته حق المعرفة؛ ذلك أني قد عرفت بفطرتي أن هذا هو السر الحقيقي في الحياة الذي عاش المرء ينشده خلال القرون الطويلة، وفي آخر المطاف إنتصر الجانب الروحي بعد التضحية والصراع العنيف. وبفضل الله وحده، أقبلت مرحلة من عمري، كان كل همي فيها أن أجد الله، ولو كان ذلك يعني الاذهاب إلى ما وراء الأرض.

الشك طريق اليقين!!

يقول الأستاذ عبدالرشيدالأنصاري، الشَّك طريق اليقين، ويستدلُّ بقوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَال لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[1].

فيقول: إن هذه الآية الكريمة من أشهر آيات القران الكريم، وأنه لمن المناسب حقاً أن نبدأ بهذه القصة...

لقد كانت هذه الآية موضوعاً لحجة الإسلام الإمام الغزالي: ((مشكاة الأنوار))، ولكن من أين يجب أن أبدأ؟

ولقد كتب: ((لويس كارول)) ذات مرة فقال: ((إن أفضل نقطة للبدء هي البداية ذاتها)) بيد أنه من الصعب أن نجد البداية، في سلسلة متتالية ومتداخلة من الحوادث، نظراً لأن تتابع الأسباب والآثارالمترتبة عليها تعود بالإنسان دائماً خطوة إلى الوراء، فيجد الإنسان نفسه في النهاية كالطفل في رحم أُمه!

وهذا هو أقصى ما يمكن تصوره فيما يختصُّ ببداية أي فرد، فقد وُجهتْ اليَّ كثيرمن الأسئلة من أُناس يدينون بأديان مختلفة، وينتمون إلى جنسياتٍ متعددة، لذلك على كتابة هذه القصة، عسى أن تكون ذات أثر في حياة من يحاولون التقرب إلى الله، والله أسال أن يرعاهم كما رعاني.

المعنى الكامل للحياة!!

أعتقد أن أول مرة استيقظتْ فيها روحي، كانت في إحدى الليالي خلال الحرب العالمية الأخيرة، وكنت إذ ذاك حدثاً محوطاً بكل مشاكل الشباب، وفي تلك الأوقات العصيبة – التي تبدو فيها كل الأشياء المالوفة لنا، والتي نظن أنها مأمونة وسالمة، أسبه بصورة تحطمت على صفحة مرآة مكسورة.. إنني أذكر جيداً الفترة التي وقع فيها ذلك، كنت في لندن حينئذٍ بعد غارة جويو كبيرة، إتخذت لنفسي مأمناً أثناءها، بينما تتساقط قنابل العدو الكثيرة لتنفجر محدثة هزات أرضية عنيفة! بدأ قلبي الآن يستعيد نبضاته الطبيعية، وأن من عاش منكم لحظات خطر كهذه، يدرك الشعور العجيب بالراحة، الذي ينتابه عندما يدرك أنه سليم آمن لفترة قصيرة، يحسبها طويلة، أنه لا يزال حياً، وتوجهت إلى المنزل شاكراً الله، أنظر بتكاسل إلى النجوم التي تملأ السماء المظلمة في هذا الليل الجميل بالوف من الجواهر اللامعة السحرية.

وبينما كنت أنظر إلى هذا المنظر الممتع؛ بدأت أُفكر في هذه الأرض، وكيف هي أحد الكواكب الصغيرة في هذا العالم الواسع، وأن هذه الكواكب هو جزء من نظامنا الشمسي، وأن النظام الشمسي ما هو الأ جزء من مجموعة، وأن هذه المجموعة ما هي الأ واحد من العالم الكبير! بدأتُ أُفكر في قدم هذا المنظر الجميل الذي أُطالعه، وفي مئات السنين التي عرفها، وفجأة أحسست كأني قديم قدم الكون، وأنني ممن لا يمكنه أن يتبين عدد السنين، وبالرغم من أن هذا الجسد الذي يحتويني ما هو الأ نغمة ريح في العواصف الإعصارية للحياة، الأ أن روحي وقدعرفت الملل والضجر في حياة القرون الماضية!!

إذا خطوت نحو الله خطوة خطا نحوك الفاً

وسرعان ما ذهبت قيمة الوقت، وإذا حواسي تدرك كافة الأبعاد، فخلتني أسبح في الفضاء، والمس النجم البعيد في السماء، وأرى سحب الكون وهي تتمدد، لقد عرفت كل شيء، ومع ذلك لم أعرف شيئاً الأ أن الكل أصبح شيئاً واحداً، وبينما أنا أسبح في الفضاء أدركت نغمة الحياة الأبدية في كل مكان، وكان الكل حياة، والحياة هي الله!! ولقد بأت الحياة المعتادة تثوب إلى نفسي في لطف ورقة، بيد أنها كانت مشوبة بشيء من الغرابة، وقد حاولت أن أعرف كنه هذه الغرابة. وفي محاولتي هذه بدأقلبي يسمع صدى الإجابة من وحي النجوم..(الله) وملأت هذه الكلمة الفريدة العالم، وكأنها تسبيح الملآئكة يتردد في السماوات، وهنا أشعر كأن قلبي قد عرف ذلك طول حياته، وأن كياني يتجه إلى الله، الذي هو المعنى الكامل للحياة، وعندئذً عرفت أن ثمة الها، وأدركت أنه يتحتم عليَّ أن أمضي اليه، وأن أبحث عن الطريق الذي يقود إلى حضرته، ولما فكرتُ في الأمر أدركت أنه سيعاونني، لأنك إذا خوت خطوة خطا نحوك الفًا[2].

الإنجيل والكنيسة لم يثيرا فيَّ أي الهام لي

لعل هذا هو النحو الذي بدأت عليه الرحلة، فقد كانت غريبة حقاً ومثيرةً للعجب، لأني على وجه الخصوص لم أكن شخصاً متديناً.كل ما كنت أفعله هو الذهاب إلى الكنيسة.وبصراحة، فقد برمتُ بالإنجيل والكنيسة، ذلك أني لم أجد فيها ما يثير فيَّ الهاماً ما، بل وجدتهما يثيران الحيرة، ويستعصيان على الفهم، وفي الحق لقد كنت أجد دوافع ذهنية في تلك الكتب، مثل ((She)) (هي) لسير يدرهاجارد، أكثر مما كنت أجد في ((أنت وأنت)) التي تلقى على منبرالوعظ ومع ذلك وبعد تجربتي في تلك الليلة، وبعقل إزداد نضجاً بمرورالزمن،بدأت في دراسة الأديان المعاصرة في محاولة للوصول إلى بعض ما يرشدني إلى الطريق الديني السليم للحياة، ومن ثم إلى الله، وقرأت بحماس كل ما وجدته عن الفلسفة والدين، وحضرت محاضرات كثيرة، وتحدثت مع أشخاص ذوي معرفة، ورجال دين يدينون بمختلف الديانات وصوفية، ورجال يبحثون عما أبحث ومضيت أبحث وأجد الكثير، ولكن لم أعثر أبداً على ما أنشده وهو الحقيقة بأكملها. كل ما وجدته كان كثيراً من التفاهات من الكلام الطويل المُمِل، والفكرالساذج الذي لا صلة له بدور الإنسان الأساسي في الحياة، ومنح الكثيرمنهم عقل راحة معينة بشرط أن أتنازل عن بحثي المُلِحّ، ولم يمكنني ذلك لأني أردت أن أكون صادقاً مع نفسي، فهناك أشياء معينة لا يمكن المساومة فيها.

ويجب أن لا تكون هناك ظلال تشوب عقل المرء، وإنما يجب أن يغمره ضوء الحقيقة والصدق.

الحقيقة غائبة تحت أضواء لندن!!

وبعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها، لم يكن زواجي الذي أعقبها، أو بالأحرى الزواج الغريب، ولم تكن الحياة المحمومة التي عشتها في عالم الفنون، هما الدافع لطموحي الروحي.

وكان من المستحيل البحث عن الحقيقة بين أضواء لندن، وعلى الرغم من ذلك وجدت مصادفة أضواء هنا وهناك حيث كنت أتوقعها، وأصبحت حياتي الغارقة في الملذات سريعة وزاخرة – في ظاهرها – بكثيرمن الحفلات والغرام الحافل بأحاديث الحب غيرالطبيعي، ولأن زوجي مادي كانت ترمز إلى ما فيَّ من مادية، وقد أشارت مرة في ملاحظة تافهة بعد لحظة نادرة أمضيتها متأملاً إلى أنها عندما تنظر إلى عيني ترتعش خوفاً من المجهول الذي تراه فيهما.

كانت زوجتي إمرأة جميلة، ولكن ينقصها الإهتمام بالعالم الآخر الذي يحوطنا، مثل كثير من الناس، وعندما انفصلنا أخيراً أصبحت حياتي – خلال فترة أعدها غريبة – أكثر تهيجاً ومليئة بالفساد، حتى أشرفت أخيراً على شفا الهاوية!وأصبحت الحياة بلا معنى.. وبالإنتحار محتوماً[3] ، ووجدت نفسي في الفراغ المظلم محوطاً بنفوس عقيمة.

سرُّ الطريق إلى الله!!

يبدو أنّ كل من يخوض تجارة مروعة من نوع نادر حتى ينضج، وتطرح أرواحنا السلاسل التي تقيدها وتعوق حركتها، وبعد ذلك سقطتُ طريح الفراش لمدة سنة، وعندما استعدت نشاطي ودعتُ حياة الفساد هذه، لأهب نفسي للعمل الإجتماعي، لعلي أكون نافعاً في هذه الدنيا، وراجياً أن أجد الله في خدمتي للآخرين، لقد كان عملاً شاقاً جداً، ووجدتُ نفسي في بعض الأحيان أؤدي أحقر الأعمال، وفي أحيان أُخرى كنت أجدني ممسكاً بيد محتضر، أُساعده وهو يجود بروحه، ومثل كثيرين سبقوني وجدتُ أني بمساعدة الآخرين أُساعد نفسي أيضاً، وشعرت بتغييرفي داخلي، كما تغيرت نظرتي للعالم المحيط بي، وأنا أنظر إليه من جديد، واكتأب قلبي لما تراه عيناي، وبدا أن عالم الروح قد اختفى بتفجيرالقنبلة الذرية...

قبلت نبوة عيسى... ولم أقبل الوهيته!!

كانت أول لمحة عثرت عليها في المسيحية، ولأنني ولدتُ بهذا الدين كان من الطبيعي أن أبدأ بدراسته، وعندما قمتُ بذلك أدركت حقيقة الحب الإلهي الذي لا يمكن تجنبه، أن الله هو الحب، ولهذا يجب أن يحبنا، يحب مخلوقاته التي وهبها الحياة، إنني أعتبرالمسيح عليه السلام رجلاً عظيماً ونبيلاً، ولكنني لم أستطع قبول الوهيته التي يعتمد عليها الكيان الكلي للمسيحية، في أنه الله المتجسِّد[4] ، وتضحيته بنفسه بأنْ يُصلب تكفيراًعن خطيئة إرتكبتها مخلوقاته في جنة عدن المفقودة من فترة طويلة! أوليس الله هو الغفور؟! وأنه على كل شيء قدير؟! إن تجريد مثل هذا الشيء لم يعن شيئاً لي[5] ، ومما ثبط من عزمي أيضاً أنني وجدت المسيحية قد استوعبت العديد من الشعائر الوثنية في كفاحها لتبقى، وأن فريزر في كتابه ((الغصن الذهبي)) وآخرين يقدمن لنا براهين جلية على ذلك، وعلى الرغم من أن بعض هذه الشعائر تدعو إلى الإحساس بالجمال، الأ أنها تخلو من المعنى الحقيقي عن العقدة الخالصة للإنسان، ويصدق هذا على الأديان الأخرى، حيث نبذت شعائرها عبادة الله الخالصة التي بها يقبل الإنسان على خالقه في صمت وصدق.

أي هذه التراجم أصح؟؟ أيها يكون الأصل؟!

وعندما درست الكتاب المقدس، وأحطت علماً بكثير من الترجمات التي تمت، والتعليلات اليسيرة أحياناً في معاني كلمات هامة، والتي لا يمكن يجنبها غالباً عندما نترجم من لغة إلى أُخرى، بالرغم من حسن المقصد، ومن سعة علم المترجم... وهكذا بدأت المشكلة: أي هذه التراجم أصح؟! وأيها يكون الأصل؟!

إن مخطوطات البحر الميت التي اكتشفت حديثاً والتي تحتوي على نصوص النبيين ((أشعيا وحبقوق)) تلقي ضوءاً جديداً قيماً على كتاب العهد القديم، لأن ما بقي من مخطوطاته العبرية والآرامية واليونانية والسويانية واللآتينية ترجع إلى زمن متأخر. والعهد الجديد مبني على ترجمات من المخطوطات اليونانية والعبرية والآتينية، وصدرت أخيراً في أمريكا ترجمة هامة للإنجيل، أخذت من ترجمة الملك ((جيمس)) في عام 1611، ونقحت طبقاً للمعلومات الحديثة للغات الأصلية التي كتبت بها تلك المخطوطات القديمة. ورثت المسيحية كثيراً من الديانة اليهودية، لأنها كانت الأمم التي أنجبتها – كان المسيح يهودياً ثار ضد تعاليم الكهنة المعوجة، وجاهد للرجوع إلى عقيدة موسى والأنبياء الخالصة، ولأنه كان صوفياً فإن كلماته قد أسيء فهمها غالباً، وكذلك معجزاته، والتوراة وهي كتاب اليهود المقدس، ويعرفها المسيحيون بالعهد باسم القديم.

ومن المثير، أن أول ما سمع عن اليهود، كان أثناء حكم أول ملك عرف بعبادة الكائن الأعلى، ((الشمس)) وهو المتصرف المصري المشهور ((أخناتون)) فرعون المملكة الجديدة، الذي حكم مصر مع زوجته الجميلة ((نفر تيتي)) وتصف الواح تل العمارنة التي يرجع تاريخها إلى حوالي 1300قبل الميلاد – كيف غزت القبائل العبرية الكنعانيين والفلسطينيين الذين استنجدوا بفرعون لمقاومتهم، ووجدت لمحة أُخرى من الصدق بين المخطوطات القديمة، فالتلمود يقول: ((التوراة مصدرحياة لمن يدرسها)) والإسلام ثالث الأديان السماوية، ولسوء الحظ أن لا يفهم الكثيرون ذلك في الغرب، باستثناء قلة من المستشرقين، ووجدت؟ أن الترجمة الإنكليزية للقرآن والكتب الأخرى عن الإسلام عادة ما تعطي صورة شاملة لخليط من العقائد المسيحية واليهودية، مع جمال الماضي الأسطوري، بينما يظن أوساط الناس أن المسلم شخص غير أخلاقي، يعيش في عالم الف ليلة وليلة، وعلى الرغم من ذلك نجد لمحة صدق أخرى هنا مع ما تحتويه هذه الكتب من تشويه، ولقد رفضت قبول هذه الصورة عن دين يتبعه الملايين، وكلما تعمقت في قرآءة الإسلام كنت أزداد إقناعاً به، لأن الدين الذي يمكِّن قبائل بدوية في قلب الصحراء العربية من سيادة وحكم نصف العالم في ذلك الوقت، في أقل من مائة عام لابد أن يقوم على الصدق والالهام، من الواضح عندئذً أن محمداً عليه الصلاة والسلام صفي من أصفياء الله.

نمو الطائفية... كان لعنة على الهند!!

وجدت في الديانة الهندوكية لمحة صدق أُخرى، ذلك أن كاتبي الفيدا كانوا أصلاً غزاة من القطر الشمالي، وراء جبال الهملايا، فهؤلاء الغزاة الآريون ومن جاؤا قبلهم في عام 3000 قبل الميلاد، كانوا يمارسون طقوساً دينية، تشبه من بعض اللوحات عبادة الأقطار التي يضمها الهلال الخصيب؛ كما جلبوا معهم ثقافة مماثلة دامت حتى فتح المسلمون الهند سنة 700 ميلادية... ونظرة الهندوكية إلى الكون معقدة، بل تتعدد فيها الإلهة وتؤمن بالتناسخ...

ولقد ساعد هذا الطالع على نمو الطائفية التي كانت لعنة على الهند، بيد أنها بدأت الآن تتحرر من ربقة الإعتقاد في التناسخ الذي يعنى بها أن الإنسان قد قدر عليه أن يرث حياة سابقه، وقد وجدت مغزى عظيماً في روحانية الهند وكتبها المقدسة، فإن(الأوبانيشاد) تزخر بالحكمة: أنت الإله خالد، جلي، ومن الضياء الذهبي، بأعماق كل قلب تتجلى لمن يبحثون عنك.

وبالرغم من ان الهندوكية مثل غيرها من الديانات الأرضية قد صرفت عن العقيدة الأصلية ومن ناحية أُخرى فإن المعروف عن متعة الحياة هو إنكار للذات وبعد عن الأنانية، وليس إنكار الذات للحياة، وأن الهدف من العمل وإنكار الذات هو معرفة أعماق النفس في داخل المرء، وعرفت براهما من خارجه، ويتحقق من هاتين المعرفتين تطابقهما، فإن النفس هي براهما وبراهما هو كل شيء.

الطريق إلى الله!!

وأن هذه الأديان قامت منذ فترة سحيقة في مهد الإنسان، وهو الشرق الأوسط، وأنني يجب أن أذهب هناك، لعلي أجد الإجابة عما أبحث.

وجدت تلك الحقائق في كل شيء قرأته، وفي الناس الذين تحدثت معهم، وفي الأقطار التي زرتها، وانتهيت إلى أنني يجب أن أترك الضلال الذي يعيش فيه الغرب إلى روحانيات الشرق، إذا قدر لي أن أعثر على الحقيقة وترددت في اتخاذ مثل هذا القرارالهام، لأنه يعني أن أترك كل ما عرفته وفهمته، عالمي الخاص إلى شيء غريب ومختلف عما تعودته، وبعد فترة مليئة بالشك والبحث عن الروح؛ قررت أن أُودِّع أصدقائي وأسرتي (الذين كانت مواقفهم تجاهي بين أن يظنوا بي الجنون، وبين عدم تصديق ما اعتزمت عليه) لأبدأ في أهم رحلة في حياتي، ونذرت الأ تنتهي هذه الرحلة الأ بعد أن أجد علة وجودي الحقيقية... الطريق إلى الله.

إن اتخاذ هذا القرار الفذ، سيؤدي إلى حوادث غير طبيعية، ولكنني وصلت إلى نقطة لا معدل عنها، أما أن استمر أو تخمد النار المشتعلة بدخل نفسي تدريجياً، وهذا سيكون خطيئة حقيقية، لأنني بذلك أكون قد أنكرت وجود الله.

 وأعلم الآن أنني إذا كانت قد بقيت؛ فإن روحي لم تكن لتكفَّ عن الصراع الآن وبفضل الله تستقر روحي بين يديه.

 من أين أبدأ بحثي عن الله؟!

لقد كان ذلك في ليلة من شتاء عام 1960، حينما غادرت انكلتراعلى ظهر باخرةٍ صغيرةٍ لكي أكتشف العوالم المجهولة، ليس من الناحية المادية فحسب، بل ومن الناحية الروحية أيضاً.

وعندما أخذت الباخرة تشق طريقها ببطء خلال الآفاق الباردة الشاسعة من ظلام المحيط، وقفت على ظهر السفينة فشهدتُ خيوطاُ من الضوء على الشاطىء الساكن، ثم أخذت تتلاشى واحدة بعد الأُخرى حتى لم يبق الأ رذاذ من مياه البحر التي كانت تتناثر على وجهي، وحينئذ بدأتُ أشعر قليلاً بالوحدة والخوف من المهمة التي أمامي، وتضرعت إلى الله قائلاً: ها أنذا ياالهي، خذ بيدي، فقد خطوت خطوة في الظلام بحثاً عنك، وإني لفي حاجة إلى عونك ومساعدتك، لقد تركت كل شيء وليس معي شيء ما، وأنا الآن بين يديك، فاشملني اللهم برعايتك، واهدني اليك ياحبيبي ويامعبودي... وعندما دعوت الله بدأت أشعر ببطء بأقوى شعور في نفسي بأني مصيب فيما أنا قادم عليه، وتلاشت مخوفي عندما رحب قلبي بوجود الله فيه، ولقد كانت السفينة تسير ببطء مريح ولم يكن عليها سوى مسافر واحد غيري، ووفقاً لبرنامج الباخرة ستقف في عدة موانىء في رحلتها البطيئة إلى الشرق، ولهذا كان لدي متسع من الوقت وقليل من المغريات، واعتدت أن أمعن عدة ساعات إلى البحر المتغير وأُفكر ثم أُفكر، وأنا سعيد وراضٍ بالقرار الذي إتخذته، ولقد كانت رحلتي ممتعة وهادئة.

ولقد كانت هناك لحظة لا تنسى خاج ميناء (جنوا) وذلك في عصر أحد الأيام، فبالرغم من أن اليوم كان جميلاً، كان البحر هائجاً والريح عاصفة والأمواج متلاطمة، مما ملأ الجو بضباب من مياه البحر، وظهر قوس قزح حيث تناثرت أشعة الشمس، فبدت جميع الالوان الطيف الشمي الجميلة فوق البحر، وكان ذلك بلا شك مبعث سرور كبير لي: (منظر من الجنة خلق بأمر من الله، لإدخال السرور على الإنسان الفاني)، وفي ذلك الوقت لم أكن على بينة من أمري، ولم أعرف من أين يجب أن أبدأ بحثي عن الله، ولذلك تركت نفسي بين يديه.

أول لقاء ببعض علماء الإسلام..

وكان ما في الأمرأني تلقيت بعد مغادرتي انكلترا دعوة للإقامة في أحد الأديرة بالهند، ولقد تلقيت هذه الدعوة بمزيد من السرور، وأخذتها على أن هذه هي النقطة التي يجب أن أبدأ منها البحث... وبينما أنا في طريقي إلى ذلك الدير، مكثت في مدينة (كراتشي) بعض الوقت، ومن العجيب أني وصلتُ إلى تلك المدينة في شهر رمضان المعظم، وظننت أني سالتقي ببعض علماء المسلمين الذين سوف يحدثونني عن الإسلام.

وعقب وصولي إلى تلك المدينة أخذت أتجول أثناء الحرِّ الشديد، وإذا بي المح فجأة القبة القرنفلية الجميلة لمسجدها، تكاد تختفي وراء المباني القديمة المحيط بها، وبنظرة فاحصة من خلال البوابة الحديدية الأنيقة الصنع، الموجودة في مدخل المسجد، شهدت نافورات المياه وسط صحن المسجد الفسيح، والمياه تتدفق منها.

وشاهدت كذلك أُناساً كثيرين وهم يمرون في صحن المسجد بتؤدة، كما رأيت رجالاً آخرين، وقد افترشوا البساط الأخضرمن الحشائش الندية.لقد خلب ذلك كله مجامع شعوري، وجعلني أشعر بأنني لابد لي من الدخول إلى المسجد، وفعلا دخلت بعد أن ترددت قليلاً في ذلك، وكنت منتظراً تماماً أن مجموعة من الناس سوف تهجم عليَّ لتطردني من المكان، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ففيما عدا بعض نظرات غريبة وجهت اليَّ، سرت في طريقي إلى المسجد، دون أن يعترضني أحد أو يكلمني، وسرت نحو السلم الذي يؤدي المسجد، ثم سالت أحد الموجودين: هل أستطيع دخول المسجد؟ فأجاب مبتسماً ((أجل)) ولكن يجب أن تخلع حذاءك أولاً من فضلك، وحينئذٍ ولأول مرة دخلت مسجداً، لقد كان كبيراً وواسعاً، ولم يكن به مذابح أو أصنام أو رسوم أو صور، وأنه كان عبارة عن باحة كبيرة واسعة مفتوحة حليت جدرانها وسقفها بزخارف مركبة، وهنا وهناك جلست جماعات من الرجال يتحدثون على البساط الناعم.

ولقد كان ذلك كله ممتعاً ومثيراً حقاً، وسالت الشخص الذي تحدثت إليه آنفاً والذي تفضل مشكوراً أن يكون مرشداً لي عما إذا كان هناك من يمكن أن أتناقش معه في الدين الإسلامي، فرحب مسروراً بطلبي.. وقال: أنه سيأخذني إلى رجل مشهور بقيم المدينة.

الدكتور الأنصاري وأول حديث عن نبي الإسلام..

وتثاقلت في الخروج من هذا المسجد الذي أدخل عليَّ سروراً عظيماً، ثم أخذ رفيقي بيدي، وهرول بي خلال شوارع ضيقةٍ مزدحمةٍ إلى منزل قديم جداً، فدخلنا وصعدنا سلماً خشبياً مهتزاً يعلوه التراب إلى الطابق العلوي..

ثم قدمني إلى الرجل الذي قدر له أن يؤدي دوراًهاماً في حياتي الآ وهو الدكتور الأنصاري القادري، وهو يحظى بشخصية جذابة محببة ويسعد الإنسان في حضرته كأنه سحر يجذبني اليه، وقد بدا لي وأنا قادم من فوري من الغرب كأنه شخصية إنجيلية من العهد الماضي، وذلك نظراً لأثوابه الفضفاضة، وشعره الطويل الأسود، وذهنه الوقاد، وكذا لحيته الطويلة السوداء، وخلقه الوديع، الأ أن لغته الإنكليزية الممتازة تربطه بالحاضر... ولما أُخبر بسبب حضوري اليه، قام اليَّ وحياني تحية حارة، واعتذرلعدم إمكانه تقديم شيءٍ من المرطبات اليَّ، لأننا كنا في ذاك في شهررمضان، وكان القوم صائمين، ولكنه دعاني للعودة لتناول طعام الإفطار معه بعد غروب الشمس، وانتهاء فترة الصوم اليومية، ولقد قبلت ذلك بكل سرور؛ وقبل انتهائنا من طعام الإفطار في المساء، كنا قد تعمَّقنا كثيراً في مناقشاتٍ طويلةٍ عن الإسلام، لقد كانت بداية وتاريخاً، ولقد كانت مبادىء ومعتقدات وقصصاً عن سيرة قائد هذا الدين وزعيمه محمد r...

إستغرقنا في الحديث حتى ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، وفعلنا ذلك في الليلة التالية والتي بعدها، وطالما كان يشاركنا أبناؤه وأصدقاؤه في الحديث، ونحن جلوس على الوسائد الأرضية، حيث نواجه بعضنا بعضاً، وأتذكر أنه قال لي حينذاك: (لماذا لا تناقش وتسالني أكثر من ذلك؟) بيد أن ذلك لم يكن في استطاعتي، لأنَّه عندما كان يتكلم كان كأنما يصغي إلى صوتي الخفي، ولقد كان هذا اللقاء تجربةً بديعةً ورائعةً بالنسبةِ اليّ، وكان كلما تحدث اليَّ كانت كلماته لالئ من الحقيقة التي كانت مختلفة منذ أمدٍ بعيد في ذهني، والتي لو أمسكت بها لكانت بمثابةِ حلقةٍ لا تنفصم بيني وبين الله، وهذا هو ما حدث لي بفضل الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

الإسلام.. وحديث الصدق بعيداً عن ضلالات المبشرين

ولقد أوضح في كلمات من الحق، كيف؟! ولماذا قام خاتم الأنبياء والمرسلين محمد r ينشرالإسلام منذ 14 قرناً في الجزيرة العربية لا على أنه دين جديد، ولكن على أنه تأكيد لجميع الأديان السماوية السابقة التي أنزلها الله الواحد الأحد، الذي نركع له ونطأ برؤسنا الأرض خشية له ورغبة فيه، وتعبداً له؟!.

ولقد ذكر لي ما عاناه الرسول العظيم، وكيف انتصرفي النهاية، وعاش حتى رأى الإسلام ديناً راسخاً يدين له جميع العرب... وشرح لي كذلك القران المحتوي على كلمات الله الموحاة إلى سيدنا محمد والتي لم تتغيرأو تتبدل منذ نزوله في أي معنىً من المعاني، وهي كلمات الله الحقيقية...

ولقد كان لي المامٌ بكثيرٍمن الأمورالتي تحدث عنها، ولكن كلماته الخاصة أضافت معاني جديدة، والقت الكثير من نورالإيمان ونورالحق على تلك الأمور، وعلى كثيرمن المعلومات المضلَّلة الملتوية التي سمعناها من قبل عن الإسلام، وبدأت أفهم كثيراً من الضلالات التي تنشرعن الإسلام في الغرب، كلما تجاذبنا الحديث معاً، وكلما حدثني حديثا منطقياً قائماً على الحقائق فيما يختص بالرسالة الإسلامية التي يعتنقها 750 مليوناً من البشر في شتى أنحاء المعمورة...

ولقد شرح لي أركان الإسلام، الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج وأركان الإيمان الستة...

المدخل إلى حقيقة وجود الله..

وبعد: فهذه باختصارهي عمدة الإسلام التي أصبحت أفهمها حقَّ فهمها، والتي صارت فيما بعد هي عمدة حياتي، وتتركز فيها قوة الإنسان المسلم،

لأنها إذا فهمت جيداً وطبقت تطبيقاً صحيحاً تصبح سبيلاً إلى الجنة...

كل هذه الأمور أساسيات الإسلام، وبعض حقائق أُخرى جعلتني أقتنع اقتناعاً جازماً بسهولتها وصفائها، وأنها تتمشى مع العقل والمنطق السليم، وأكدت لي صدق الدين الإسلامي، وأوضحت لي المدخل إلى حقيقة وجود الله. وقد أجابت على كل استفساراتي وأسئلتي، تلك الإستفسارات والأسئلة التي وجهتها إلى كثير من رجال الديانات الأُخرى عدة سنوات، دون أن أحظى بجواب شافٍ، وأكثر من ذلك كله، أنها لم تتطلب مني نوعاً ما من الضمانات أو المصالحة، وذلك أن الدين الإسلامي في مجموعه دين متكامل، وديانة حقيقية (ولا يسمح بالحل الوسط).

وعلى الرغم من أن عقلي قد قبل هذه العقيدة، الأ أن هذا لم يكفي، بل كنت محتجاً إلى إقناع روحي كذلك، لأنه بدون الإثنين معاً لا يكون الإقناع بدين من الأديان حقيقياً وكاملاُ، وكان هذا أمراً هاماً لي، فقد أتيت من بلاد نائية وتعلمت الشيء الكثير إلى حدٍ لا يمكنني معه أن أحصل على الإستقرار النفسي المنشود، الأ بعد تحقيق رغبتي تحقيقاً كاملاً...

وكان ذلك حينئذٍ هو السبب الوحيد الذي أعيش من أجله، وكل ما سوى ذلك زائد كانت أُموراً ثانوية، ولم تكن تعنيني في شيء، وعندما ذكرت ذلك كله لصديقي – وقد فهم كل شيء بالطبع، باركني عندما غادرته مستكملاً رحلتي إلى الهند، وعلى العموم، فقد كان المفروض أننا سنلتقي مرة أُخرى...

ما عشته كان رؤيا!!

وبينما أُمارس حياة التقوى، وهذه الحياة اليسيرة، شعرتُ بحواجزالعالم المادي تنهارمن حولي، وأنا أبتهل إلى الله، وأجلس متأملاً!!

وذات ليلة رأيتُ رؤيا، بعد أن أمضيت فترة طويلة أدعو الله أن يهديتي إلى ما يريدني أن أفعله، ولأني مطلع على التفسيرالنفسي للأحلام، تأكدت أن هذه الرؤيا تجاوز النطاق الدنيوي، لأنها كانت حقيقة، وأنا أُدرك أن ما عشته كان رؤيا... بيد أني كنت واثقاً من أن الله سوف يتولى هدايتي وحمايتي فيها، أنا ذلك المتجول في أرض الله...

الشيخ الشرقاوي... وقصة إعلان إسلامي

وهناك سعدت بمقابلة أول صديق مصري، وهو الأُستاذ أحمد الشرقاوي، الأستاذ بجامعة الأزهر..... وذات يوم بينما نحن في طريقنا إلى المسجد إقترح عليَّ قائلاً: أن هذا الوقت وقت مناسب للإحتفال باعتناق الدين الإسلامي، وعلى هذا، فقد قمت بالنطق بالشهادتين باللغة العربية:

(أشهد أن لا اله الأ الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) أمام كبير القضاة بمدينة مدارس وبحضور جمع غفيرمن الناس، وقد نطقت بالشهادتين باللغة العربية، ثم قرأت الفاتحة، وصرتُ بعد ذلك ((عبدالرشيد الأنصاري المسلم)) وكان قلبي إذ ذاك مليئاً بالفرح والسرور إلى درجة لم أتمكن معها من الكلام، عندما التف الجميع حولي يهنئونني ويرحبون بي في دين الإسلام...

ولقد كانت لحظة من السرور، قلما تمر بحياة الإنسان، ولقد شعرت أن هذا ما كنت أودُّ أنْ أكونه ((إنساناً)).

أسلمتُ.. وأسلمت أُمي معي..

في الواقع لا توجد نهاية ما، وكل ما يستطيعه الإنسان هو أن يضع خاتمة لأحداث معينة... ففي عام 1963م عدت إلى انكلترا من الباكستان لأجد نفسي غريباً في وطني الخاص، فلم أعد بعد رجلاً إنكليزياً، وإنما إنسان قد صار مسلماً، وأرض الله واسعة، وفي أي بلدٍ تظلني سماؤه، وتحملني أرضه، وأصبحتُ أعملُ وأُفكر كمسلم...

ولقد حدث لي الكثير من الأُمرمنذ سافرت من إنكلترا، بحيث أصبح من المتعذر على أن أعود إلى الحياة الغربية مرة أُخرى، ولم يكن الأمر سهلاً بالنسبة اليَّ، وكانت أُذني دائماً تصغي إلى الأذان دعوة الإسلام إلى الصلاة ولكن كلما سمعته كان صوت الخنافس، أو بعض النغمات الغربية لبعض الشبان المراهقين التي تذكرنا بعض أنغام ما قبل التاريخ البالية...

لقد كان كل شيء غريباً محزناً، وعلى كل حال فقد هدّئت أُمي من روعي، وواستني باعتناقها الدين الإسلامي، وأصبح اسمها مريم... وعندما عزمت على العودة إلى الشرق حزنت حزناً شديداً، وأرادت أن تأتي معي إلى الشرق، الأ أنَّ حالتها الصحية جعلت اصطحابها في حكم المستحيل...

لقد عرفت من صميم قلبي أني لم أشعر بالسعادة وأنا بعيد عن إخواني العرب... لذلك تركت إنكلترا مرة أُخرى وعدت إلى الشرق، بيد أني عدت في هذه المرة كما يعود المرء إلى أهله، ولقد كانت زيارة مصر وأراضيها العربية إحدى رغباتي دائماً، ولقد استهواني منذ فترة طويلة تأريخها العظيم، إذ أن ذلك التاريخ يحوي الكثيرمن ماضي الإنسان، والعالم أجمع يعرف الكثيرعن فراعنة مصر، ويعد القطر بأجمعه كنزاً كبيراً، وإن عظمة الأهرامات لمشهورة...

وعندما رأيتها لأول مرة شعرت شعوراً قوياً وإنها لآثارعجيبة هائلة لعصرمضى ولقد أُقيمت بأثقل الأحجاروكأنها بنيت بأخف أنواع الحصى...

الأزهر مركز العلم في مصر

إن لمصرتأريخاً طويلاً لا يتأتي للمرء أن يقصر في معرفته بمجرد وجوده في هذا القطر، ولكن مركزالعلم هو الأزهرالشريف بالقاهرة، وأن هذه الجامعة التي هي أقدم جامعات العالم قد عرفت منذ أكثرمن الف عام على أنها مركز الفكر الإسلامي، وهي مشهورة للدورالذي لعبته في التاريخ الإسلامي منذ أنشأها الفاطميون في عام 970 م، ويفِدُ اليها رجال ونساءٌ من جميع أنحاء العالم الإسلامي ليدرسوا بها، ولقد وفدت اليها أنا كذلك لدراسة اللغة العربية، والدين والفلسفة على علمائها.

إن العلم والمعرفة قوةٌ في حدِّ ذاتهما، ويجب أن يحصل عليهما الإنسان إذا قدر له أن يعيش في هذا العالم الصاخب، وأن الحياة ليست سوى معركة لا تنتهي، حيث يكون الضعيف فيها تحت رحمة القوى القادر، إن العلم هو الذي أعطى الغرب قوته الهائلة، وبينما نرى جزءاً كبيراً مما نتعلمه يأتينا عن طريق الغرب، يجب أن نتذكر دائماً أن ما عندهم قد أُستُمدَّ أُسسه مما منحهم علماء المسلمين منذ قرون مضت، حينما كانت أوربا راكدة في العصورالوسطى المظلمة، وعلى أساس ذلك العلم، وتلك المعرفة التي نهلوها من الجامعات الإسلامية، قامت مدنيتهم الحالية وبلغت شأواً بعيدا...

الغرب مجتمع غير قانع...

وإذا أرادوا أن يتقدموا، فإن عليهم أن يفرقوا بينما يجب أن يتعلموه عن الغرب، وما لا يجب، إذا كان كثيراً من علوم الغرب ضار وخطر، ولقد خسرت الشعوب الغربية الشيء الكثير بقدر ما كسبت خلال نضالها في سبيل التقدم، وأصبح المجتمع الغربي مجتمعاً غيرمتزن وغيرمنسجم مع طبيعة الحياة البشرية... إنه مجتمع مترف ولكنه غير قانع...وفي رأيي أن من الممكن راجع ذلك إلى أربعة أسباب:

1- الثورة الصناعية

2- الحربان العالميتان الأولى والثانية

3- النضال في سبيل المساواة بين الجنسين (الرجل والمرأة).

ولعلَّ أهمها جميعاً:

4- فقدان الثقة في الكنيسة المسيحية، فلعلها حقيقة مؤلمة أن نذكرأن

معظم الناس في أوربا لا يذهبون إلى الكنيسة الا ثلاث مرات في حياتهم، مرة عند التعميد، ومرة ثانية عندما يتزوجون، والمرة الثالثة والأخيرة عندما يموتون

إن الشجرة بدون جذورسرعان ما تسقط، وهكذا الحال بالنسبة إلى كل الحضارات مهما بلغت من التقدم، إذا قامت على رمال من الشك، وعدم الإيمان...

وأما الإسلام فإن له جذوراً مكينة تمتد في أرض الله القوية المتماسكة، وإذا درسنا مبادئه الخالدة فإننا نراه يمتد من هذه الجذور شجرة قوية من الإيمان الخالد القوي العميق المتأصل في قلوبنا. كما أن جماله سوف يبعث فينا الحياة، ثم أن قوته سوف تحمينا، وثمرته هي غذاء لأرواحنا ومنبع لقوتنا. ولهذا السبب فإن كل مسلم في كل قطر يجب أن يدرس دينه ويفهمه حق الفهم، بل يجب أن يدرس كذلك لغة الدين الآ وهي اللغة العربية...

إن اللغة العربية هي جزء لا يتجزأ من تراثنا، كما أنها في نفس الوقت لغة القرآن...

 إنها كذلك لغة مقدسة، والأ لما أنزل الله بها كتابه الكريم إلى العالم..

إن القران واللغة العربية شيئان لا يمكن انفصالهما عن بعضهما لفهم العالم الذي حولنا، وبدراستهم تتلاشى الحواجزبين الشعوب، ويزول الشك، ويعرف بعضنا بعضاً حق المعرفة على أساس من الأخوة والوحدة، وعلى هذا الأساس السليم يمكن بناء صرح شامخ للعلم الإسلامي والحضارة الإسلامية، إن جميع المسلمين لهم عقيدة مشتركة، ولغة مشتركة، وهذا يساويان هدفاً واحداً هو الإسلام.

فإذا عرفنا هدفنا فإننا حينئذً نعرف كيف نحيا حياة كاملة نتمسى مع سنة الله في خلقه، وبذلك نكون قد أرضينا خالقنا[6].

ويمكن للمسلم المعاصر أن يستفيد من تجربة هذا المسلم، لأنه أعطى لنا الخطوط العريضة، والأسس السليمة التي توصلنا إلى مواكبة – أو التفوق - التقدم العلمي الحاصل في الغرب، والذين بنوا علومهم وحضارتهم على أنقاض الحضارة الإسلامية، وهذه الحقيقة لا يستطيع أحد أنكارها...



[1] سورة النور الآية 35.

وكأنه يشير إلى قالحديث القدسي الذي رواه أبوذر الغفاري عن رسول الله r أنه: قال ((يقول الله تبارك وتعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا.ومن تقرب مني ذراعا تقربت باعا. ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة ثم لايشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة)). سنن ابن ماجه 2 / 1255

[2] وكأنه يشير إلى قالحديث القدسي الذي رواه أبوذر الغفاري عن رسول الله r أنه: قال ((يقول الله تبارك وتعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا.ومن تقرب مني ذراعا تقربت باعا. ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة ثم لايشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة)). سنن ابن ماجه 2 / 1255

[3] المسلم يعالج الأزمات النفسية بالذكر والدعاء والتضرع إلى الله تعالى،فيجد ثمرة عملة في قلبة، وذلك قوله تعالى: ﴿الذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ الا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ لقد قرأ ت وأن

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day