البحث
تسمية الطفل
فإذا ولد المولود فإن من أول الإكرام له، والبربه؛ أن يحليه باسم حسن، وكنية لطيفة، شريفة، فإن للاسم الحسن موقعاً في النفوس مع أول سماعه، وكذلك أمر الله عباده، وأوجب عليهم أن يدعوه بالأسماء الحسنى، فقال: { وَلِلَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف:7/180].
وأمر أن يصفوه بالصفات العلى فقال: { قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيَّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:17/110]. واختار النبي صلى الله عليه وسلم أسماء أولاده اختياراً وآثرها إيثاراً، ونحل محمد ابن الحنفية اسمه بعد ذلك، تشريفاً له، وإجلالاً، وإكراماً، وإفضالاً.
وذلك لما روى أبو يعلى في مسنده (1/259) بسند صحيح عن محمد ابن الحنفية، عن علي رضي الله عنهما: أمخ استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إن ولد له، بعده ولد؛ أن يسميه باسمه؛ ويكنيه بكنيته. قال: فكانت رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: كان اسمه محمد؛ وكنيته أبو القاسم. قال المحقق حسين أسد: ورواه أبو داود، والترمذي، وابن سعد في الطبقات، والحاكم في المستدرك، وصححه، ووافقه الذهبي.
وروى أبو داود، والنسائي عن أبي وهب الجشمي قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ لْأَنْبِيَاءِ وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ.
وروى أبو داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ قَالَ أَبُو دَاوُد ابْنُ أَبِى زَكَرِيَّا لَمْ يُدْرِكْ أَبَا الدَّرْدَاءِ".
وأخرجه ابن حبان في صحيحه، ورجاله ثقات، إلا أن فيه انقطاعاً.
وروى مسلم، وأبو داود، والترمذي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ".
وروى الطبراني عن أبي بسرة مرفوعاً: "خَيرأَسْمَائِكُمْ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ؛ والحَارِث".
وغدا الصحابة يطبقون هذا الحديث، حتى ذكر ابن الصلاح أن من يسمى "عبد الله" من الصحابة نحو (220) نفساً، وقال العراقي: يجتمع من المجموع نحو (300) رجل.
ومن لطيف ما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمي ابن عباس بعبد الله يوم ولد. فعن ابن عباس قال: حدثتني أم الفضا بنت الحارث قالت: بينما أنا مارة؛ والنبي صلى الله عليه وسلم في الحجر، فقال: "يا أم الفضل!" قلت: لبيك يا رسول الله! قال: "إنك حامل بغلام" قلت: كيف، وقد تحالفت قريش لا يولدون النساء؟ قال: "هو ما أقول لك، فإذا وضعتيه؛ فأتني به" فلما وضعته؛ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسماه "عبد الله" ثم قال: "اذهبي به؛ فلتجدنه كيساً" قالت: فأتيت العباس؛ فإخبرته؛ فتبسم؛ ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلاً جميلاً، مديد القامة، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه، فقبل ما بين عينيه؛ وأقعده عن يمينه، ثم قال: "هذا عمي، فمن شاء فليباه بعمه", قال العباس: بعض القول يا رسول الله!، قال: "ولم لا أقول؛ وأنت عمي؛ وبقية آبائي؟! والعم والد".
وروى مسلم وأبو داود عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولد لي الليلة غلام؛ فسميته باسم أبي إبراهيم".
وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: ولد لرجل منا غلام، فسماه القاسم، فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم؛ ولا ننعمك عيناً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: "سَمِّ ابنك عبد الرحمن".
وأخرج أيضاً قال: وُلد لرجل منا غلام فسماه محمداً، فقال له قومه: لا ندعك تسمي باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلق بابنه؛ حامله على ظهره، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! وُلد لي غلام؛ فسميته محمداً، فقال لي قومي: لا ندعك تسمي باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي، فإنما أنا قاسم؛ أقسم بينكم".
ويقرر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمم المؤمنة السابقة، كانت تسمي أبناءها بأسماء أنبيائها، وصالحيها: أخرج مسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: لما قدمت نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرؤون {يَا أُخت هَارون} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سألته عن ذلك فقال: "إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم؛ والصالحين قبلهم" ورواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وغيرهم.
وقد أختار الصحابي الجليل الزبير بن العوام أسماء شهداء الصحابة لأبنائه رجاء أن يسلكوا سلوكهم، فينالوا درجة الشهادة في سبيل الله:
يقول الزبير رضي الله عنه: "إن طلحة بن عبيد الله التميمي يسمى بنيه بأسماء الأنبياء، وقد علم أن لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وإني أسمي بني بأسماء الشهداء؛ لعلهم أن يستشهدوا".
وعلى هذه القاعدة، وذلك المذهب جاءت أسماء بأبنائه، فسمى "عبد الله" بعبد الله بن جحش شهيد غزوة أحد، و "المنذر" بالمنذر بن عمرو الأنصاري من بني ساعدة، و"عروة" بعروة بن مسعود الثقفي، و "حمزة" بحمزة بن عبد المطلب شهيد أحد، و "جعفراً" بجعفر بن أبي طالب شهيد غزوة مؤتة، و "مصعباً" بمصعب بن عمير حامل اللواء وشهيد أحد، و"عبيدة" بعبيدة بن الحارث شهيد غزوة بدر، و"خالداً" بخالد بن سعيد شهيد مرج الصفر، و "عمر" بعمر بن سعيد أخي خالد قتل يوم اليرموك.