البحث
"خيرية الامتناع عن المرور بين يدي المصلي وسترته
الحديث الرابع
"خيرية الامتناع عن المرور بين يدي المصلي وسترته"
عن بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي؟ فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ" قَالَ أَبُو النَّضْرِ لَا أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً (1).
هذا الحديث فيه النهي الأكيد والوعيد الشديد على من يمر بين يدي المصلي وسترته، وهذا عام في كل مصل فرضاَ أو نفلاً سواء كان إماماً أو منفرداً (2).
- قوله: "بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي" أي: أمامه بالقرب منه (3).
وقيل: أي: ما بين موضع جبهته في سجوده وقدميه (4).
وعبر الرسول صلى الله عليه وسلم باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما، واختلف في تحديد ذلك فقيل إذا مر بينه وبين مقدار سجوده، وقيل بينه وبين قدر ثلاثة أذرع، وقيل بينه وبين قدر رمية بحجر (5).
- قوله: "مَاذَا عَلَيْهِ" في رواية "من الإثم" (6).
- قوله: "لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ" يعني: أن المار لو علم مقدار الإثم الذي يلحقه من مروره بين يدي المصلي؛ لاختار أن يقف المدة المذكورة حتى لا يلحقه ذلك الإثم.
قال الكرماني: (جواب "لو" ليس هو المذكور بل التقدير: لو يعلم ما عليه لوقف أربعين، لكان خيراً له) (1).
- قوله: "أَرْبَعِينَ" ذكر الكرماني لتخصيص الأربعين بالذكر حكمتين:
إحداهما: كون الأربعة أصل جميع الأعداد، فلما أريد التكثير ضربت في عشرة.
ثانيهما: كون كمال أطوار الإنسان بأربعين كالنطفة والمضغة والعلقة، وكذا بلوغ الأشد.
قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل غير ذلك (2).
وفي سنن ابن ماجه (3)، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ" لكَانَ أَن يَقف مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْخَطْوَةِ الَّتِي خَطَاهَا". وهذا مشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر لا لخصوص عدد معين (4).
ويحسن بنا هنا أن نذكر بعض الأحكام المتعلقة بالحديث (1):
1- استنبط ابن بطال من قوله "لو يعلم" أن الإثم يختص بمن يعلم بالنهي وارتكبه.
2- ظاهر الحديث أن الوعيد المذكور يختص بمن مر لا بمن وقف عامداً مثلاً: بين يدي المصلي أو قعد أو رقد، ولكن إذا كانت العلة فيه تشويش على المصلي فهو معنى المار.
3- ظاهر الحديث أيضاً عموم النهي في كل مصل، وخصه بعض المالكية بالإمام والمنفرد؛ لأن المأموم لا يضره من مر بين يديه لأن سترة إمامه سترة له إمامه سترة له.
4- السترة تفيد رفع الحرج عن المصلي لا عن المار.
5- ظاهر الحديث يفيد منع المرور مطلقاً ولو لم يجد مسلكاً، بل يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته. ويؤيده قصة أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عندما كان يصلي يوم الجمعة وأمامه شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنْ الْأُولَى فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ فَقَالَ مَا لَكَ وَلِابْنِ أَخِيكَ
يَا أَبَا سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ" (1).
6- حكم المرور بين يدي المصلي عند أهل العلم: اختلف النقل عن أهل العلم في ذلك:
فنقل بعضهم الاتفاق على أنه مكروه، ونقل بعضهم الخلاف فيه، ونقل بعضهم أنه لا يعلم الخلاف في حرمته (2).
ونقل الإمام النووي - رحمه الله - الخلاف في ذلك فقال: (إذا صلى إلى سترة حرم على غيره المرور بينه وبين السترة ولا يحرم وراء السترة. وقال الغزالي: يكره ولا يحرم. والصحيح بل الصواب أنه حرم وبه قطع البغوي والمحقوق) (3).
المراجع
- رواه البخاري برقم (509).
- من أراد زيادة البحث في هذه المسألة فليرجع إلى (إتحاف الأخوة بأحكام السترة) ص 106 وما بعدها.
- المجموع شرح المهذب، (3/ 210).
- المرجع السابق.
- رواه البخاري برقم (488). ومسلم برقم (507).
- انظر: الصنعاني، سبل السلام، (1/ 294).
- ابن حجر، فتح الباري، (1/ 585).
- الصنعاني، سبل السلام، (1/ 294).
- ابن حجر، فتح الباري، (1/ 585).
- المرجع السابق.
- المرجع السابق.
- ابن حجر، فتح الباري، (1/ 585).
- رواه ابن ماجه برقم (946) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته برقم (8459).
- ابن حجر، فتح الباري (1/ 585).