1. المقالات
  2. أربعون حديثاً في الخيرية
  3. خيرية الصدقة عن ظهر غنى

خيرية الصدقة عن ظهر غنى

الكاتب : محمد بن إبراهيم الهزاع
521 2021/01/23 2024/12/18

"خيرية الصدقة عن ظهر غنى"

عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ"

قوله:

"الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى"

جاء تفسيرها في رواية عبدالله بن عمر - رضي الله عنه -: "اليد العليا المنفقة، والسفلى السائلة" (1).

ومنهم من قال: اليد العليا يد المعطي والسفلي يد السائل. وقيل: العليا المتعففة والسفلى السائلة (2). فتكون اليد المنفقة أعلى من السائلة، والمتعففة أعلى من السائلة (3).

وعن عوف بن مالك عن أبيه مرفوعاً (الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى) (4).

قال ابن حجر: (وأما يد الآدمي فهي أربعة: يد المعطي وقد تضافرت الأخبار بأنها عليا، ثانيها: يد السائل، وقد تضافرت الأخبار بأنها السفلى سواء أخذت أم لا، وهذا موافق لكيفية الإعطاء 

والأخذ غالباً، وللمقابلة بين العلو والسفلى المشتق منها. 

وثالثها: يد المتعفف عن الأخذ بغير سؤال، وهذه اختلف فيها فذهب جمع إلى أنها سفلى وهذا بالنظر فيها فذهب جمع إلى أنها سفلى وهذا بالنظر إلى الأمر المحسوس، وأما المعنوي فلا يطرد فقد تكن عليا في بعض الصور، وعليه يُحمل كلام من أطلق كونها عليا) (1).

والمتتبع للأحاديث والآثار يخرج بنتيجة أن أعلى الأيدي، المنفقة، ثم المتعففة عن الأخذ، ثم الآخذة بغير سؤال، وأسفل الأيدي، السائلة، والمانعة والله أعلم (2).

والمراد بالعلو في هذا الحديث هو: علو الفضل والمجد ونيل الثواب من الله تعالى (3).

قوله: "وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" أي: بمن يجب عليك نفقته.

يقال: عال الرجل أهله، إذا مانهم أي: قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة (4).  

وقوله: "وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى" أي: أفضل الصدقة ما بقى صاحبها مستغنيا بما بقى معه. وتقديره: أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يعتمده صاحبها ويستظهر به على مصالحة وحوائجه، وإنما كانت هذه أفضل الصدقة بالنسبة إلى من تصديق بجميع ماله، لأن من تصدق بالجميع يندم غالباً،

أو قد يندم إذا احتاج ويود أنه لم يتصدق بخلاف من بقي بعدها مستغنياً، فإنه لا يندم عليها بل يُسر بها (1).

وقد اختلف في جواز التصدق بجميع المال، قال النووي: (مذهبنا أن التصدق بجميع المال مستحب لمن لا دين عليه، ولا له عيال لا يصبرون، بشرط أن يكون ممن يصبر على الإضافة والفقر، فإن لم تجمع هذه الشروط فهو مكروه) (2).

قوله: "وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ" الاستعفاف: طلب العفاف التعفف، وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس.

وقيل الاستعفاف: الصبر والنزاهة عن الشيء، يقال: عف يعف عفة فهو عفيف.

فيكون المعنى: من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله إياها (3).

قوله: "يُعِفَّهُ اللَّهُ" أي: أنه يجازيه على استعفافه بصيانة وجهه ودفع فاقته (4).

قوله: "وَمَنْ يَسْتَغْنِ" أي: بالله عمن سواه. 

قوله: "يُغْنِهِ اللَّهُ" أي: فإنه يعطيه ما يستغني به عن السؤال ويخلق في قلبه الغنى فإن الغنى غنى النفس (5).

* ما يستفاد من الحديث:

1- الحث على الإنفاق في وجوه الطاعة.

2- فضل الغنى مع القيام بحقوقه على الفقر، لأن العطاء إنما يكون مع الغنى.

3- كراهة السؤال والتنفير منه، إذا لم تدع إليه الحاجة أو يكون في مصالح المسلمين.

4- الابتداء بالأهم فالمهم في الأمور الشرعية.

5- أن أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى.

6- الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك.


المراجع

  1. رواه البخاري برقم (1361) ومسلم برقم (1034) واللفظ للبخاري.
  2. رواه البخاري برقم (1429 ومسلم برقم (1033)
  3. الصنعاني، سبيل السلام، (2/286).
  4. وذهب قوم من المنصوفة: أن اليد الآخذة أفضل من اليد المعطية مطلقاً. قال ابن قتيبة (ما أرى هؤلاء إلا قوماً استطابوا السؤال فهم يحتجون للدناة). ابن حجر، فتح الباري (3/ 2974).
  5. رواه أبو داود برقم (1649)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم (2794).




المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day