1. المقالات
  2. أربعون حديثاً في الخيرية
  3. خيرية حسن الخلق

خيرية حسن الخلق

الكاتب : محمد بن إبراهيم الهزاع
470 2021/01/23 2024/03/28

"خيرية حسن الخلق"

عن عبدالله عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَكَانَ يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا" (2). 

 وفي رواية عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" (3).

قوله: "لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً" قال القاضي: أصل الفحش الزيادة والخروج عن الحد.

قال ابن عرفة: الفواحش عند العرب القبائح.

والمتفحش الذي يتكلف الفحش ويعتمده لفساد حاله، وقد يكون المتفحش هو الذي يأتي الفاحشة (4).

قوله: "إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا".

حسن الخلق: هو اختيار الفضائل وترك الرذائل (1).

وقيل: التخلي عن الرذائل، والتحلي بالفضائل.

وقيل: بذل الندى، وكف الأذى، واحتمال الأذى.

وقيل: بذل الجميل، وكف القبيح (2).

قال الحسن البصري: (حقيقة حسن الخلق بذل المعروف وكف الأذى، وطلاقة الوجه) (3).

وقال القاضي عياض: (هو مخالطة الناس بالجميل والبشر والتودد لهم، والإشفاق عليهم، واحتمالهم، والحلم عنهم، والصبر عليهم في المكاره، وترك الكبر والاستطالة عليهم، ومجانبه الغلط والغضب، والمؤاخذة) (4).

وحسن الخلق يقوم على أربعة أركان، لا يتصور قيام ساقه إلا عليها: الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل.

فالصبر: يحمله على الاحتمال وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم والأناة والرفق وعدم الطيش والعجلة.

والعفة: تحمله على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل وتحمله على الحياء، وهو رأس كل خير، وتمنعه من الفحشاء، والبخل والكذب، والغيبة والنميمة.

والشجاعة: تحمله على عزة النفس، وإيثار معالى الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندى، الذي هو شجاعة النفس وقوتها على إخراج المحبوب ومفارقته. وتحمله على كظم الغيظ والحلم، فإنه بقوة نفسه وشجاعتها يمسك عنائها، ويكبحها بلجامها عن النزع والطيش. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ" (1) وهو حقيقة الشجاعة، وهي ملكة يقتدر بها العبد على قهر خصمه.

والعدل: يحمله على اعتدال أخلاقه، وتوسطه فيها بين طرفي الإفراط  والتفريط.

فيحمله على خُلق الجود والسخاء الذي هو توسط بين الذل والقحة. وعلى خلق الشجاعة الذي هو توسط بين الجبن والتهور. وعلى خُلق الحلم الذي هو توسط بين الغضب والمهانة وسقوط النفس. ومنشأ جميع الأخلاق الفاضلة من هذه الأربعة (2)

واعلم أن أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الخلق الحسن، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ" (1).

بل إن أكثر ما يُدخل الناس الجنة هو حسن الخلق، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: "تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ" وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ: "الْفَمُ وَالْفَرْجُ" (2).

ويدرك المؤمن بحسن خلقه درجة الصائم القائم، كما ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قال: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ" (3).

وأحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقربهم مجلساً إليه يوم القيامة أحاسنهم أخلاقاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ    أَخْلَاقًا" (4).

بل إن حسن الخلق أعظم خصال البر كما أخبر به الصادق المصدوق في قوله صلى الله عليه وسلم: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ" (5).

فقابل البر بالإثم، وأخبر: أن البر حسن الخلق، والإثم: حواز الصدور، وهذا يدل على أن حسن الخلق: هو الدين كله. وهو حقائق الإيمان، وشرائع الإسلام، ولهذا قابله بالإثم (1).

وقد جمع الله لنبيه صلى الله عليه وسلم مكارم الأخلاق في قوله تعالى:

{خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَٰهِلِينَ} [الأعراف: 199]

. قال عبدالله بن الزبير - رضي الله عنهما - أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. وقال مجاهد: يعني خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تخسيس، مثل قبول الأعذار، والعفو والمساهلة، وترك الاستقصاء في البحث، والتفتيش عن حقائق بواطنهم (2).

وحسن الخلق من صفات النبيين والمرسلين وخيار المؤمنين الذين يتصفون في المعاملة والرفق في المحاولة والعدل في الأحكام والبذل في الإحسان وغير ذلك من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى، فقال:

{إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} إلى قوله: {أُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ } [الأنفال: 2 - 4] 

وقال تعالى { ٱلتَّٰٓئِبُونَ ٱلْعَٰبِدُونَ ٱلْحَٰمِدُونَ} إلى قوله {وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112].

وقال:

{قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ} إلى قوله: {أُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ} [المؤمنون: 1- 10] 

وقال {وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى ٱلْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلْجَٰهِلُونَ قَالُوا سَلَٰمًا} [الفرقان: 63] إلى آخر السورة.

فمن أشكل عليه حاله فليعرض نفسه على هذه الآيات فوجود جميعها علامة حسن الخلق، وفقد جميعها علامة سوء الخلق، ووجود بعضها دون بعض يذل على البعض دون البعض، فليشغل بحفظ ما وجده وتحصيل ما فقده (1). 

ولا يظن ظان أن حسن الخلق عبارة عن لين الجانب وترك الفواحش والمعاصي فقط، وأن من فعل ذلك فقد هذب خلقه، بل حسن الخلق ما ذكر من صفات المؤمنين والتخلق بأخلاقهم.


المراجع

  1. رواه البخاري برقم (3366). ومسلم برقم (2321) واللفظ للبخاري.
  2.  رواه الترمذي برقم (1162) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2646)
  3. . انظر: النووي، شرح صحيح مسلم، (13/ 472
  4. ابن حجر فتح الباري (9/ 575).
  5. ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين (2/ 294).
  6. النووي، شرح صحيح مسلم (13/ 472).
  7. المرجع السابق
  8. رواه البخاري برقم (5763) ومسلم (2609).
  9. ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين، (2/ 294).
    1. رواه الترمذي برقم (2003). وقال: (هذا حديث حسن صحيح)
  10. رواه الترمذي برقم (2004). وقال: (هذا حديث صحيح غريب).
  11. رواه الترمذي برقم (201) وقال: (حسن غريب من هذا الوجه).
  12. رواه مسلم برقم (2553).
  13. ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين (2/ 292).
  14. ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين (2/ 290).


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day