البحث
خيرية الرباط والغدوة والروحة في سبيل الله
"خيرية الرباط والغدوة والروحة في سبيل الله"
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" (1).
وفي رواية عَنْ سَهْلِ وفي رواية عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ: النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الرَّوْحَةُ وَالْغَدْوَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" (2).
قوله: "الرَّوْحَةُ" هي: المرة الواحدة من الرواح وهي: الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها.
قوله: "الْغَدْوَةُ" هي: المرة الواحدة من الغدو وهي الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه (1).
والواو هنا في قوله: "الرَّوْحَةُ وَالْغَدْوَةُ" للتقسيم لا للشك.
ومعناها: أن الروحة يحصب بها الثواب، وكذلك الغدوة.
قال النووي: (والظاهر أنه لا يختص ذلك بالغدو والرواح من بلدته، بل يحصل هذا الثوب بكل غدوة أو روحة في طريقة للغزو. وكذ غدوة وروحة في مواضع القتال، لأن الجميع يسمى غدوة وروحة في سبيل الله) (2).
قوله: "خير من الدنيا وما فيها" قال ابن دقيق العيد: يحتمل وجهين.
أحدهما: أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس، تحقيقاً له في النفس لكون الدنيا محسوسة في النفس مستعظمة في الطباع، فلذلك وقعت المفاضلة بها، وإلا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة.
والثاني: أن المراد أن هذا القدر من الثواب الذي يحصل لمن لو حولت له الدنيا كلها لأنفقها في سبيل الله تعالى (3).
فيكون معنى الحديث: إن فضل الغدوة والروحة في سبيل الله وثوابهما خير من نعيم الدنيا كلها ولو ملكها إنسان وتصور تنعمه بها كلها، لأنه زائد ونعيم الآخرة باق.
قال: القاضي عياض: (قيل في معناه ومعنى نظائره من تمثيل أمور الآخرة وثوابها بأمور الدنيا، إنها خير من الدنيا وما فيها لو ملكها إنسان وملك جميع ما فيها وأنفقه في أمور الآخرة) (1).
ويشترك في هذا الأجر المرابط في سبيل الله، وهو الذي يلازم تغر العدو، كما أخبر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا" (2) الحديث.
بل إن المرابط في سبيل الله يأمن فتنة القبر، قال صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا المُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ" (3).
وكذلك رباط يوم وليلة أفضل من صيام وقيام شهر بأكمله، فإذا مات المسلم في حال المرابطة استمر ثواب العمل الذي يعمله إلى يوم الدين. فقد جاء في الحديث:
"رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ" (4).
إن أجر الشهيد لا يوازيه أجر آجر، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
"أَنَّ الله تَعَالَى أَعد فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ لِلْمُجَاهِدِينَ، وكل مِنْهَا تَعلُو الأُخرى بما بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" فقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" (1).
والمجاهد في سبيل الله حقاً تحرم عليه النار، ففي الحديث:
"عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (2)
.
المراجع
- رواه البخاري برقم (2639) ومسلم برقم (1880).
- رواه البخاري برقم (2641) ومسلم برقم (1881).
- ابن حجر، فتح الباري (6/ 14).
- والنووي، شرح صحيح مسلم (13/ 35).
- شرح صحيح مسلم (13/ 25).
- االنووي، شرح صحيح مسلم، (13/26).
- رواه البخاري برقم(2635).
- رواه الترمذي برقم (1621) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم (4562)
- رواه مسلم برقم (1931).