البحث
خيرية خلق الحياء
"خيرية خلق الحياء"
عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ" (2).
وفي رواية "الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ" (3).
- قوله: "الْحَيَاءُ" الحياء من الحياة ومنه (الحياء) للمطر لكن هو مقصور (4).
وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك من لوازم الحياء.
وفي الشرع: خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق (5).
قال الجنيد: الحياء رؤية الآلاء، ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء (6).
والحياء قد يكون غريزة، وقد يكون تخلقاً (مكتسب) ولكن استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية. فعلى ذلك كان الحياء من الإيمان كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ" (1).
والحياء إن كان باعثاً على فعل الطاعات، وحاجزاً عن فعل المعصية كان خلقاً وسجية، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ" (2) وفي هذا قولان:
أحدهما: أنه تهديد. ومعناه الخبر، أي من لم يستح صنع ما شاء.
والثاني: أنه أمر إباحة، أي أنظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله، فإن كان مما لا يستحيا منه فافعله، والأول أصح، وهو قول الأكثرين (3).
وفي الترمذي مرفوعاً "اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ" قَالوا: إِنَّا نَسْتَحِي يا رسول الله. "لَيْسَ ذَلِكم وَلَكِنْ مَنْ اسْتَحَى مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظْ الرَّأْسَ وَمَا وَعى وَلْيَحْفَظْ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَلْيَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ" (4).
وليس من الحياء والاستحياء، الامتناع عن قول الحق أو فعل الخير وإنكار المنكر أو الإخلال ببعض الحقوق وغير الحقوق وغير ذلك مما هو معروف، بل هو عجز مهانة وجبن، وإنما أطلق عليه الحياء لمشابهته الحياء الشرعي (1).
وقد جمع الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بين نوعي الحياء الفطري والمكتسب.
قال القرطبي: (وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جُمع له النوعان - من الحياء المكتسب والغريزي - فكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها (2) وكان في المكتسب في الذروة العليا صلى الله عليه وسلم) (3) .
وقد قسم (الحياء) إلى عشرة أوجه: حياء جناية. وحياء تقصير. وحياء إجلال.. وحياء حشمة. وحياء استصغار للنفس واحتقار لها. وحياء محبة. وحياء عبودية. وحياء شرف وعزة. حياء المستحيي من نفسه (4).
إن المرء إذا تجرد من الحياء الشرعي، يصبح مثل الذي يقف وسط الناس كما ولدته أمه، وليس هناك من حكم عليه أصدق من أنه (معتوه).
وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - كثيراً ما يتمثل ببيت من الشعر يشير إلى ضرورة الحياء في حياة كل إنسان، حيث يكون بمثابة الستر الذي يواري سوأته، ونص البيت:
إني كأني أرى من لا حياء له
ولا أمانة وسط القوم غرياناً
وجاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قول يفيد هذا المعنى من أن الحياء كالثوب الذي يستر صاحبه، فهو يقول: (من كساه ثوبه لم ير الناس عيبه) (1).
- قوله: "لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ" أي: من كان الحياء خُلقه أن الخير يكون فيه أغلب، أو لكونه صار عادة وتخلق به صاحبه يكون سبباً لجلب الخير إليه فيكون منه الخير بالذات والسبب (2).
وخلاصة القول: إن خلق الحياء دلالة على اعتدال الأخلاق ورمز لصفاء القلب ونقاء الضمير، فإذا تحلى المسلم بهذا الخلق صحت سريرته وعلانيته وعامل الخلق بما يرضاه مولاه.
وكذلك المسلم الحيي لا يقبل إلا الحلال من كل شيء في المطعم والمشرب والملبس والمسكن وغير ذلك.
ولا يخفى ما لهذه الأمور من خير يعود على الفرد والأمة الإسلامية بالعدل والأمن، وهذا مصدقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ" (3).
المراجع
- رواه البخاري، برقم (5766)، ومسلم برقم (37).
- رواه مسلم برقم (61).
- انظر: ابن منظور، لسان العرب (2/ 1075 - 1083).
- ابن حجر الباري، (1/ 52).
- ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين، (2/ 249).
- رواه البخاري برقم (9) ومسلم برقم (58).
رواه البخاري برقم (6120).
ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين، (2/ 249).
رواه الترمذي برقم (2458) عن ابن مسعود رضي الله عنه وقال: (هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه) وذكره الحاكم في المستدرك (3/ 323) وصححه ووافقه الذهبي.
- ابن حجر، فتح الباري، (1/ 52). والنووي، شرح صحيح مسلم، (1/ 204) بتصرف.
- هو من طرف حديث أبي سعيد عند البخاري برقم (6119).
- ابن حجر، فتح الباري، (10/ 522 - 523).
- من أراد زيادة البحث في معنى هذه الأقسام فليرجع إلى ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين (2/ 25
- المغربي، الأخلاق والواجبات، ص 73.
- ابن حجر، فتح الباري، (10/ 522- 523).
- سبق تخريجه ص 61.