البحث
خيرية الكسب وعمل اليد
"خيرية الكسب وعمل اليد"
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَيْرُ الْكَسْبِ كَسْبُ يَدِ الْعَامِلِ إِذَا نَصَحَ" (1).
حث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على العمل، ورغب في العمل اليدوي وأنه أطيب الكسب، لما فيه من صدق التوكل على الله - سبحانه وتعالى - والنفع العام للآدمي وللدواب.
قال ابن حجر: (وفوق ذلك من عمل اليد ما يكسب من أموال الكفار بالجهاد، وهو مكسب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو أشرف المكاسب لما فيه من إعلاء لكلمة الله - تعالى - وخذلان كلمة أعدائه والنفع المتعدي) (2).
- قوله: "كَسْبُ يَدِ الْعَامِلِ إِذَا نَصَحَ" يتحقق خير المكسب باليد بشرطين هما (3):
1- إذا نصح العامل في هذا العمل.
2- أن لا يعتقد العامل أن الرزق من الكسب، بل من الله تعالى بهذه الواسطة.
بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل خير الطعام ما كان من كسب اليد، فقال: صلى الله عليه وسلم: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَام - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ" (1).
والحكمة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خص داود - عليه السلام - بالذكر في هذا الحديث أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة؛ لأنه خليفة في الأرض كما أخبر الله تعالى، وإنما ابتغى الأكل عن طريق الأفضل، لهذا أورد النبي صلى الله عليه وسلم قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد (2).
والمراد بالخيرية في هذا الحديث: ما يستلزم العمل باليد من الغنى عن الناس (185)، كما ثبت في الحديث عن سهل بن سعد قال: جاء جبريل - عليه السلام - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقة واعمل ما شئت فإنك مجزي به، ثم قال: يا محمد شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس" (3).
ومما جعل عمل اليد من أفضل المكاسب أنه سنة الأنبياء عليهم السلام - فقد ورد أن آدم كان حراثاً، ونوح كان نجاراً، وإدريس كان خياطاً، وموسى كان راعيا (4). وأفضل الخلق زاول العمل باليد، كما رعى الغنم عليه وعلى جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
ومع هذا فقد أمرنا بالاقتداء بهم، والسير على نهجهم قال الله تعالى:
{فَبِهُدَٰهُمُ ٱقْتَدِهْ ۗ } [الأنعام: 90] الآية
.
المراجع
- رواه الإمام أحمد برقم (8386).
- وصححه الباري في صحيح الجامع برقم (3283).
- فتح الباري (4/ 304). المرجع السابق.
- رواه البخاري برقم (2072).
- ابن حجر فتح الباري (4/ 206).
- ذكره الحاكم في المستدرك (4/ 324). وقال: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
- المرجع السابق.