البحث
خيرية إغناء الورثة
"خيرية إغناء الورثة"
عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا قَالَ: "يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ" قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ "لَا" قُلْتُ فَالشَّطْرُ قَالَ لَا قُلْتُ الثُّلُثُ؟ قَالَ "فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِى تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ" وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ (1)
- قوله: "وَرَثَتَكَ" عبر صلى الله عليه وسلم بلفظ الورثة، ولم يكن لسعد إلا ابنة واحدة، لكون الوارث حينئذ لمن يتحقق، ولأن سعداً قال ذلك بناء على موته في ذلك المرض وبقائها بعده حتى ترثه، وكان من الجائز أن تموت هي قبله فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بكلام مطابق لكل حالة وهو "وَرَثَتَكَ" ولم يخص بنتاً من غيرها.
وقيل: إنما عبر صلى الله عليه وسلم بالورثة لأنه أطلع على أن سعداً سيعيش ويأتيه أولاد غير البنت المذكورة. وولد له بعد ذلك أربعة بنين، وهم: عامر ومصعب ومحمد وعمر (2).
وقيل: إنه قد كان لسعد وقت الوصية ورثة غير ابنته وهم: أولاد أخيه عتبة بن أبي وقاص منهم هاشم بن عتبة وقد كان موجوداً إذا ذاك (3).
- قوله: "عَالَةً" جمع عائل أي فقراء.
- قوله: "يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ" أي: يسألونهم بأكفهم، يقال: تكفف الناس واستكف إذا بسط كفه للسؤال، أو سأله ما يكف عنه الجوع (1).
- قوله: "وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ" هذا جواب من الرسول صلى الله عليه وسلم فيه بيان العلة من النهي عن الوصية بأكثر من الثلث، كأنه قال: لا تفعل لأنك إن مت تركت ورثتك أغنياء، وإن عشت تصدقت وأنفقت، فالأجر حاصل لك في الحالتين.
- قوله: "وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ" أي: يطيل عمرك، فقد عاش سعد - رضي الله عنه - أزيد من أربعين سنة بل قريب من خمسين فيكون عاش بعد حجة الوداع خمساً وأربعين أو ثمان وأربعين (2).
- قوله: "فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ" أي: ينتفع بك المسلمون بالغنائم مما سيفتح الله على يديك من بلاد الشرك. ويضر بك المشركون الذي يهلكون على يديك.
* من فوائد الحديث:
1- مشروعية زيارة المريض لإمام ممن دونه، وتتأكد باشتداد المرض.
2- وضع اليد على جبهة المريض، ومسح العضو الذي يؤلمه، والدعاء له بطول العمر.
3- إن أعمال البر والطاعة إذا كان منها ما لا يمكن استدراكه، قام غيره في الثواب والأجر مقامه وربما زاد عليه. وذلك أن سعداً خاف أن يموت بالدار التي هاجر منها فيفوت عليه بعض أجر هجرته، فأخبره صلى الله عليه وسلم بأنه إن تخلف عن دار هجرته فعمل عملاً صالحاً من حج أو جهاد أو غير ذلك، كان له به أجر يعوض ما فاته من الجهة الأخرى.
4- الحث على صلة الأرحام والأقارب والشفقة على الورثة، وأن صلة الأقرب أفضل من صلة الأبعد.
5- أن المباح إذا قُصد به وجه الله صار طاعة، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ".
6- الحث على الكسب الحلال من أجل إغناء الورثة عن سؤال الناس بعد موت عائلهم.
7- التأسف على فوت ما يحصل من الثواب.
8- النظر في مصالح الورثة.
9- من ترك مالاً قليلاً فالاختيار له ترك الوصية، أو إبقاء المال للورثة.
المراجع
- رواه البخاري برقم (2591) ومسلم برقم (1628).
- واللفظ للبخاري. ابن حجر، فتح الباري، (5/ 366).
- المرجع السابق.
- المرجع السابق.
- ابن حجر، فتح الباري، (5/ 368)
- ابن حجر، فتح الباري، (5/ 368)