1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. التربية والواقع العملي

التربية والواقع العملي

الكاتب : صالح أحمد الشامي

التربية والواقع العملي:

وانطلاقاً من الآيات الكريمة التي تتابعت في الفترة المكية، ومن خلال الواقع المحيط بالمسلمين في مكة، كانت المعالجة العملية لأوضاع المسلمين المالية والمعاشية. وقد استعانوا على ما أصابهم بالأمور التالية والتي كان بعضها بالمبادرة الشخصية، وكان بعضها الآخر بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك:

1- الصبر: وقد تحدثت في الباب الثاني من هذا القسم عنه باعتباره العدة في أمر التربية بشكل عام، ونلاحظ هنا جانباُ من التطبيق له. .

أخرج أبو نعيم عن سعد بن أبي وقاص قال: (كنا قوماً يصيبنا ظلف العيش بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك ومرنا عليه وصبرنا له، ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خرجت من الليل أبول، وإذا أنا أسمع بقعقعة شيء تحت بولي، فإذا قطعة جلد بعير، فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها، فوضعتها بين حجرين، ثم أستفها (1)، وشربت عليها من الماء، فقويت عليها ثلاثاً) (2).

ولقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه في حصار الشعب، حتى استثار صبرهم حمية بعض القوم من أمثال المطعم بن عدي، وهشام بن عمرو، وزمعة بن الأسود فقاموا بأمر نقض تلك الصحيفة الظالمة.

وهكذا مرن القوم على الصبر - كما قال سعد - فكان وسيلة آتت ثمارها في التغلب على الأزمات.

2- البذل والإنفاق: وما من شك بأن المؤمنين قد ساهموا مساهمة فعالة في البذل والإنفاق، كل بحسبه، تنفيذاً للتوجيهات القرآنية أولاً، وشعوراً بالمسؤولية ثانياً، ولقد رأينا كيف رد عثمان بن مظعون جوار الوليد حتى لا يتميز على إخوانه من المسلمين في الأمن، وإذا كان الأمر قد وصل بالمشاعر إلى هذا المستوى فما نعتقد أن مسلماً يومئذ يقبل من نفسه أن يبيت في حال من الشبع ومسلم آخر بحاجة إلى ما يسد رمقه ثم لا يفعل وهو قادر على ذلك.

ومن الأمثلة التي سجلتها السيرة في ميدان الإنفاق، ما بذله أبو بكر الصديق رضي الله عنه في تحرير الأرقاء المسلمين تخليصاً لهم من العذاب الذي أوقعه سادتهم عليهم. فأعتق بلالاً وعامر بن فهيرة، وأم عبيس، وزنيرة، والنهدية، وبنتها، وجارية بني المؤمل، وأبا فكيهة مولى أمية بن خلف.

وقد أنفق أبو بكر في ذلك أموالاً طائلة مما أضر بماله، وعاتبه في ذلك والده أبو قحافة. .

3- جاء في إحدى روايات إسلام عمر قوله: . . لقيني رجل من قريش فقال: أين تذهب؟ إنك تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك، قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد صبأت، فرجعت مغضباً، وقد كان صلى الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة، فيكونان معه، ويصيبان من طعامه، وقد ضم إلى زوج أختي رجلين. . (1).

ويستوقفنا في هذه الرواية ما ذكره عمر بن الخطاب من ضم الرجل والرجلين إلى الرجل القادر فيكونان معه ويصيبان من طعامه. .

إنه أسلوب من الأساليب في معالجة الأزمة التي كانت محدقة يومئذ، قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتنفيذه للتغلب على وضع محرج.

إن أحد الرجلين الذين ضما إلى سعيد بن زيد هو خباب بن الأرت، وخباب هذا لم يكن قبل إسلامه بحاجة إلى مساعدة أحد، فقد كان يعمل السيوف، والذي يبدو أنه بعد إسلامه أصابه بلاء الجاهلية كما أصاب غيره، فكسدت تجارته، وضيق عليه في مورد رزقه، وقد رأينا كيف امتنع العاص بن وائل عن وفائه دينه. . فكان بحاجة إلى المساعدة فضم إلى سعيد ريثما تمر الأزمة.

وشبيه بهذا قصة خالد بن سعيد حين منعه والده من القوت. .فانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يكرمه ويكون معه (2) وربما ضمه إلى بعض أصحابه كما حدث لخباب. .

4- وهناك عامل آخر كانت تحسب له قريش حسابها عند الضرورة، فإنها كانت تمتنع عن إيذاء بعض المسلمين إذا كان ذلك الإيذاء يهدد مصالحها الاقتصادية، والمثال على ذلك: ما جاء في صحيح مسلم عن قصة إسلام أبي ذر فإنه لما أعلن إسلامه في المسجد الحرام ثار القوم فضربوه. . ولم يستنقذه منهم إلا العباس حين قال لهم: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام    عليهم. . (1).

وبهذه الروح التي مرنت على الصبر، وبتلك النفوس التي لم تدخر وسعاً في البذل والعطاء، وبذلك التعاون الفعال، قطعت الدعوة الطريق في مرحلته الأولى. . فأثبتت نجاحها وثباتها. . وأثبتت أن هذه التربية هي التي تستطيع الوصول إلى غاياتها.

المراجع

  1. سف الدواء، يسفه سفاً، وأسفه أيضاً إذا أخذه غير ملتوت، وكل دواء يؤخذ غير معجون فهو سفوف (مختار الصحاح). 
  2. حلية الأولياء 1/ 93.
  3.  شرح الزرقاني على المواهب 1/ 273، وهو من رواية أسلم عن عمر عند البزار والطبراني وأبي نعيم والبيهقي، ورواه الدارقطني من حديث أنس، وابن عساكر والبيهقي عن ابن عباس وأبو نعيم عن طلحة وعائشة. 
  4. البداية والنهاية 3/ 32.
  5. رواه مسلم برقم 2474.



المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day