البحث
اليهود
اليهود:
كان اليهود أحق الناس بالمسارعة إلى الإسلام، فهم أصحاب كتاب وهم الذين كانوا يتوعدون الأوس والخزرج ببعثة النبي الكريم والإيمان به.
ولكنهم كانوا يتوقعون أن يكون هذا الرسول منهم، فلما بُعث صلى الله عليه وسلم وكان من العرب، نصبوا له العداوة بغياً وحسداً.
وذلك لما وصل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ودعاهم إلى الإسلام لم يستجيبوا إلا ما كان من عبدالله بن سلام.
ورى البخاري عن أنس: (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ لَا يَعْلَمُها إِلَّا نَبِيٌّ فَلما أجابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي فَجَاءَتْ الْيَهُودُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ قَالُوا خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَالُوا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ قَالَ هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) (1).
وفي رواية عنده عن أنس أيضاً: (.. فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَيْلَكُمْ اتَّقُوا اللَّهَ فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ فَأَسْلِمُوا قَالُوا مَا نَعْلَمُهُ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ قَالَ فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَالُوا ذَاكَ سَيِّدُنَا . .) (2).
وهكذا بدأ جحودهم من الأيام الأولى للهجرة. وبدأ معه انحرافهم في سلوكهم تجاه المسلمين، وقد نزلت آيات كثيرة من سورة البقرة - وهي السورة الأولى نزولاً في المدينة - تبين انحرافهم وعصيانهم وتذكر بسوء أخلاقهم وطواياهم. .
ولما نزلت الآيات الكريمة بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، كانت لهم صولات وجولات في محاولة بلبلة أفكار المسلمين. . وقد أشارت آيات سورة البقرة إلى ذلك:
قال تعالى: {سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ} (3).
ولقد عز عليهم أن يروا الأوس والخزرج وقد أصبحوا يداً واحدة، جمعهم الإسلام على أخوة الإيمان مع إخوانهم المهاجرين، وهم الذين كانوا يثيرون الفتن بين القبيلتين لتضعف قوتهما فتكون لهم الغلبة عليهما.
مر شاس بن قيس وكان شيخاً عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين، على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم، وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً من يهود كان معهم، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا تفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب، وقال أحدهما للآخر: إن شئتم رددناها الآن جذعة، فغضب الفريقان جميعاً وقالوا قد فعلنا، موعدكم الحرة، وتنادوا: السلاح السلاح.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم، فقال: "يا معشر المسلمين، والله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بين قلوبكم".
فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. .(1).
وأنزل الله تعالى في ذلك:
{َٰٓيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ كَٰفِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُۥ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ.. } إلى قوله: وَأُولَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (1).
وهكذا كانوا لا يدعون فرصة تفوتهم يستطيعون فيها الكيد للمؤمنين وإيقاع العداوة بينهم.
المراجع
- رواه البخاري برقم 3938.
- رواه البخاري برقم 3911.
- سورة البقرة: الآية 142.
- سيرة ابن هشام 1/ 555- 557.