البحث
ما بعد الصلح
ما بعد الصلح
أمر اليهود:
لم يسر اليهود لقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولكنهم لم يكن باستطاعتهم فعل شيء، وسكتوا مدة من الزمن حيث وجدوا في المنافقين الوسيلة لتنفيذ ما يريدون. ولكنهم لم يستطيعوا الصبر طويلاً، فقد نكث بنو قينقاع العهد، ثم تبعهم بنو النضير، الذي سار أشرافهم إلى خيبر، وبهذا أصبحت خيبر المركز اليهودي الأول الذي حمل لواء العداوة للرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن خيبر انطلق الوفد الذي جمع الأحزاب وقادهم إلى المدينة، وحيي بن أخطب هو أحد رؤوس الوفد البارزين، وهو الذي زين لقريظة الخيانة والغدر ونفسه موارد الهلاك.
وبعد قريظة أصبحت خبير مركز الخطر، ولذا كانت تحت رقابة شديدة من قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي شهر شعبان من السنة السادسة للهجرة بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من بني سعد بكر بفدك يريدون أن يمدوا يهود خيبر. . فأرسل إليهن علي بن أبي طالب. . ففرق جمعهم..
وفي شوال من السنة نفسها، أمرت يهود خيبر عليهم أسير بن زارم بعد مقتل رافع بن أبي الحقيق، فسار أسير في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. . فوجه إليه عبدالله بن رواحة في سرية، فقتله وأبطل سمعه.
وكانت النوايا مبيتة لقيام اليهود بهجوم واسع النطاق على المدينة يستعين فيه يهود خيبر بيهود تيماء وفدك ووادي القرى، ولا تستعين بأحد من العرب، اتعاظاً بما حدث في غزوة الخندق (1).
على أن هذا لم يمنع اليهود من توثيق صلتهم بغطفان (2)..
إذن كان صلى الله عليه وسلم على علم بتحركات اليهود الماكرة التي لم تهدأ في يوم من الأيام، وكان أمر قريش يشغله عنهم، أما وقد انتهت حالة الحرب بينه وبين قريش، فلا بد من تصفية الحساب مع خيبر.
لم يطل صلى الله عليه وسلم المكوث في المدينة بعد عودته من الحديبية، فقد أقام بها شهر ذي الحجة، وبعض المحرم، ثم خرج في بقية المحرم قاصداً إلى خيبر (3).
ولم يخرج معه إلا الذين كانوا معه في الحديبية.
وخيبر هي مجموعة حصون متقاربة. . ولم يكن من السهل القضاء على يهود خيبر وقد جمعوا كل قوتهم في هذه الحصون، ولما سمعت قريش والعرب بمسيره وقفوا ينتظرون ما يسفر عنه اللقاء المرتقب، ولقد كان من بعضهم أن راهن على غلب أحد الفريقين.
وبدأ صلى الله عليه وسلم هجومه بحصار حصن ناعم. . ثم ما زالت الحصون تسقط بأيدي المسلمين الواحد به الآخر حتى كان آخرها حصناً الوطيح والسلالم. . وبهذا تم فتح خيبر كاملة.
وبعد انتهاء المعارك، طلب اليهود من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبقيهم ليعملوا في الأرض والنخيل ويكون لهم النصف وللمسلمين النصف فأبقاهم بشرط أن يخرجهم متى أراد.
فدك ووادي القرى وتيماء:
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما آل إليه أمر خيبر، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه فقدمت عليه رسلهم بخيبر، وكانت المصالحة على مثل معاملة أهل خيبر. وكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة لأن لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.
وخرج صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وداي القرى. . فاستقبلهم اليهود بالرمي. فدفع صلى الله عليه وسلم اللواء إلى سعد بن عبادة. . ثم قاتلهم. . حتى نزلوا على ما عامل به أهل خيبر.
فلما بلغ أهل تيماء خبر خيبر وفدك ووداي القرى، صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية، وأقاموا بأيديهم أموالهم (4).
تتابع الغزوات والسرايا:
* وما أن استقر صلى الله عليه وسلم في المدينة حتى بلغه أن بني محارب وبني ثعلبة من غطفان قد جمعوا الجموع يريدون المدينة، فخرج في أربعمائة من أصحابه حتى نزل نخلاً - وهو موضه من نجد من أراضي غطفان - فلقي جمعاً عظيماً، وتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب، وقد أخاف الناس بعضهم بعضاً، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف، ثم انصرف بالناس (5).
* وفي شهر شعبان من سنة سبع للهجرة بعث صلى الله عليه وسلم ثلاث سرايا:
سرية عمر بن الخطاب إلى "تربة" (6) إلى هوازن. .
وسرية أبي بكر الصديق إلى بني كلاب بنج ناحية ضربة.
وسرية بشير بن سعد إلى بني مرة بفدك. .
* وفي شهر رمضان بعص صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة غالب بن عبدالله الليثي إلى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميفعة بناحية نجد. .
* وفي شهر شوال بعث بشير بن سعد في سرية إلى يمن وجبار إلى جمع من غطفان. .
* وفي شهر ذي القعدة كانت عمرة القضاء. .
* وفي شهر ذي الحجة بعث صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة ابن أبي العوجاء إلى بني سليم. .
* وفي شهر صفر من السنة الثامنة للهجرة أرسل سرية بقيادة غالب بن عبدالله الليثي إلى بني الملوح بالكديد.
* وفي صفر أيضاً سرية أخرى بقيادة غالب أيضاً إلى بني مرة بفدك. .
* وفي شهر ربيع الأول بعث سرية مع شجاع بن وهب إلى بني عامر بالسيء (7)..
* وفي الشهر نفسه بعث بسرية مع كعب بن عمير إلى ذات أطلاح وراء وادي القرى. .
* ثم كانت سرية مؤتة في شهر جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة.
* ثم أرسل صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل وراء وادي القرى إلى جمع من قضاعة. . وكانت في جمادى الآخرة.
* وفي شهر شعبان سنة ثمان للهجرة، أرسل صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى خضرة، وهي أرض محارب بنجد. .
وهكذا نجد أن الحركة كانت سديدة وباتجاهات متعددة، الأمر الذي يرمي إلى تأكيد سلطة الإسلام على تلك المناطق، وتأكيد قوته التي ينبغي أن تكون مرهوبة من قبل الجميع حتى لا يطمع طامع. .
المراجع
- كان هذا رأي سلام بن مشكم. الواقدي 2/ 530.
- ما سبق اقتبس من كتاب (من معين السيرة) للمؤلف الطبعة الثالثة ص 374.
- هذا ما جاء في سيرة ابن هشام 2/ 328، وقال ابن سعد: إن خروجه صلى الله عليه وسلم كان في جمادى الأولى سنة سبع للهجرة 2/ 106. والأول أرجح، لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان ليتيح لليهود فرصة التجمع.
- البداية والنهاية 4/ 218.
- هذه الغزوة تسمى غزوة ذات الرقاع، وقد اختلف في وقتها، وذكرتها هنا أخذاً برأي البخاري وابن القيم، وانظر تحقيق ذلك في كتاب (من معين السيرة) للمؤلف.
- وهي على أربع ليال من مكة بطريق صنعاء.
- ماء على ثلاث مراحل من مكة إلى البصرة.