1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. مفهوم المساواة

مفهوم المساواة

الكاتب : صالح أحمد الشامي

مفهوم "المساواة"

أوجدت الجاهليات حواجز وفواصل بين الناس، من الدم والنسب، والأرض والقوم، والعشيرة، واللون واللغة والجنس والعنصر، والحرفة والغنى والفقر. . ووصلت هذه الفواصل في بعض الأحيان إلى أن يكون بعضهم أرباباً لبعض. . 

وجاء الإسلام منذ البدء ليقرر أن الناس جميعاً ينبغي أن يخضعوا لله تعالى، وأن ينفذوا أوامره. . وبهذا المعنى هم سواء، لا فرق بين غني وفقير ولا بين ذكر وأنثى، ولا بين عبد وحر، ولا بين أبيض وأسود. . وتذوب هنا الأجناس والأوطان والألوان واللغات.. وسائر هذه الحواجز المصطنعة.

قد يتسابق الناس ويرتفع بعضهم على بعض. . ولكن بالعمل الصالح وبالتقوى.. وهذا الارتفاع يظل رصيداً في الحياة الآخرة، أما في الحياة الدنيا فالناس يسواء. .

وهكذا عاش المسلمون الأوائل في ظل هذه التربية يلتقي بلال وأبو بكر وعمار وصهيب وعلي وعثمان. . على صعيد واحد. لا يشعر أحدهم أن له الفضل على الآخرين. 

هذه المفاهيم لم يكن من السهل على غير المؤمنين أن يرتقوا إلى فهمها، ذلك أن الإيمان إنما هو نقطة تحول في حياة الإنسان من حيث الفكر والسلوك والعمل ومن حيث النظر إلى الموازين والقيم. .

كان الصحابة يجلسون إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحرم، وذلك بعد أن تجاوزوا مرحلة الاستخفاء. . وحدث أن كان حوله مرة بلال وابن مسعود وغيرهما. . فمر عليه أشراف قريش، ورغبوا في الاستماع إليه ولكنهم أنفوا أن يجلسوا مع هؤلاء. . فطلبوا منه أن يبعد عنه هؤلاء إذ جلسوا إليه. . ورغب الرسول صلى الله عليه وسلم في إيمانهم وغلب على ظنه أن ذلك ربما كان الوسيلة إليه. . وكلم الآيات الكريمة نزلت لتصحح الاجتهاد الذي ذهب إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وما كان ينبغي من ورائه إلا نصرة الدعوة وكسب عناصر جديدة. . ونزل قوله تعالى:

{وَلَا تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ } (1).

كان هذا في مكة والدعوة أحوج ما تكون إلى الأنصار والأتباع. ولكن القيم التي جاء بها الإسلام لا ينبغي أن تخدش من أجل أحد مهما كان شأنه. والإسلام لا يدخل إليه إلا من باب الخضوع الكامل لمفاهيمه. . وإلا لم يكن إسلاماً. . 

وتتدخل الآيات الكريمة مرة أخرى لتؤكد هذا المعنى في قصة عبدالله بن أم مكتوم. . فنزل قوله تعالى:

{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ أَن جَآءَهُ ٱلْأَعْمَىٰ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ} (2).

وهكذا يتقرر في نفوس المؤمنين أن قيم الأرض وموازينها لا مكان لها في ميزان الله تعالى. .

وبهذا استأصل الإسلام من نفوس أفراده كل الجراثيم الخبيثة من الكبر والتعالي على الناس، فطهر هذه النفوس وزكاها، واستقرت قيمه الخالدة في دنيا المؤمنين.

المراجع

  1. سورة الأنعام: الآية 52.
  2.  سورة عبس. الآيات الأولى من السورة. وارجع إلى تفسيرها في الظلال، فهو كلام نفيس لا تجده في غيره.
المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day