البحث
نفقة أهل الصفة
نفقة أهل الصفة:
تبين لنا ان أهل الصفة بيسوا أناساً ثابتين لا يتغيرون، وأن المكث في الصفة إنما هو وضع اضطراري يلجأ إليه من ربه حاجة.
وبناء على ذلك، لم يكن هناك مورد ثابت ينفق عليهم منه، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يؤمن ذلك بوسائل مختلفة. .
وهذا أبو هريرة يبين لنا بعض ذلك فيقول: (وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا عَلَى أَحَدٍ إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا) (1).
وعن بشير بن الخصاصية قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام ثم قال لي: "ما أسمك؟" قلت: نذير، قال: "بل أنت بشير"، فأنزلني بالصفة فكان إذا أتته هدية أشركنا فيها، وإذا أتته صدقة صرفها إلينا) (2).
وقد يلجأ صلى الله عليه وسلم بعض الأحيان إلى توزيعهم على أصحابه، ففي حديث عبدالرحمن بن أَبِي بَكْرٍ (أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ. . ) (3).
وعن يعيش بن طخفة بن قيس الغفاري قال: (عَنْ يَعِيشَ بْنِ طِخْفَةَ بْنِ قَيْسٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ كَانَ أَبِي مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْقَلِبُ بِالرَّجُلِ وَالرَّجُلُ بِالرَّجُلَيْنِ حَتَّى بَقِيتُ خَامِسَ خَمْسَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلِقُوا فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ إِلَى بَيْتِ عَائِشَةَ.. ) (4).
وكان أصحاب حقول النخيل يساهمون في ذلك، فكان الرجل منهم يأتي بالقنو القنوين. . يضع ذلك في المسجد عند أهل الصفة. . ولما كان بعضهم يأتي بالقنو فيه الشيص والحشف. .
أنزل الله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة: 267]
فكانوا بعد ذلك لا يأتي الواحد منهم إلا بصالح ما عنده (1).
وكان صلى الله عليه وسلم يطلب من الناس أن يوجهوا صدقاتهم إليهم. فقد جاء في المسند أن فاطمة لما ولدت حسناً، طلب منها صلى الله عليه وسلم أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره من فضة على أهل الصفة. . (2).
وقد كان صلى الله عليه وسلم يقدم حاجتهم على غيرها مما يطلب منه، فقد أتى بسبي مرة فأتته فاطمة رضي الله عنه تسأله خادماً، فكان جوابه - كما في المسند عند الإمام أحمد -: "وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُم وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تَطْوَ بُطُونُهُمْ لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنِّي أَبِيعُهُمْ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ" (3).
وربما كان حال أصحاب الصفة في بعض الأوقات أحسن منها في أوقات أخرى، فذلك تابع للجو الاقتصادي العام الذي يكون في المدينة، ولذا فقد يسوء حالهم في حالات الشدة، وهذا ما وصفته بعض الأحاديث. ومنها:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ) (4).
وإذا علمنا أن أبا هريرة إنما كان وصوله إلى المدين بعد العام السابع من الهجرة، تبين لنا أن هذا الضيق قد استمر حتى وقت متأخر.
عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى بِالنَّاسِ يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْخَصَاصَةِ وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ حَتَّى يَقُولَ الْأَعْرَابُ هَؤُلَاءِ مَجَانِينُ. .) (1).
المراجع
- رواه البخاري برقم 6452.
- أخرجه ابن عساكر، كما في حياة الصحابة للكاندهولي 1/ 80.
- رواه البخاري برقم 3581 ومسلم برقم 2057.
- المسند 3/ 429.
- رواه الترمذي في كتاب تفسير القرآن.
- المسند 6/ 390 - 391.
- عن فتح الباري 6/ 216، وأصل الحديث في البخاري برقم 3113.
- رواه البخاري برقم 444