البحث
حادثة الإسراء والمعراج
كانت الهجرة إلى الحبشة - إذن - برهاناً على القوة التي وصل إليها هؤلاء المهاجرون رجالاً ونساءً.
ولكن عدداً لا بأس به من المؤمنين لم يهاجر، وظل مقيماً في مكة، إما لأنه وجد من يحميه من قرابته، وإما لأنه قد مرن على تحمل الأذى. .
وحدثت في العام العاشر من البعثة حادثة الإسراء والمعراج، ولم يحضر مهاجروا الحبشة حديثه صلى الله عليه وسلم وهو يروي الحادثة. . وإنما حضره الذين لم يهاجروا.
وحدث الرسول صلى الله عليه وسلم بحديثه. . فكذبوه. .
ووصل الخبر إلى أبي بكر فقال: "لئن قال ذلك لقد صدق" قالوا له: فتصدقه؟ قال: "نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة" (1).
وكذلك كان أمر المؤمنين. .
ولكن فئة منهم افتتنت. قال ابن كثير: ". . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فأخبر أنه أسري به فافتتن ناس كثير، كانوا قد صلوا معه" (2) وفي سيرة ابن هشام "فارتد كثير ممن كان أسلم" (3).
إن المعجزات وسيلة للدعوة إلى الإيمان، ولكن معجزة الإسراء كانت وسيلة لتنقية الصف من الضعفاء، وإسقاط الذين هم على حرف. .
ولقد كان هذا الاختيار من حيث مادته في أمر اعتقادي، غير قابل للمساومة فيه، وهو الثقة المطلقة بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصدق إخباره وكل ما يصدر عنه، وهو أمر أساسي تحدثنا عنه تحدثنا عن العقيدة، في شأن التلقي على الرسول الكريم.
إنها قضية ينبغي ألا تساورها الشكوك. وهي قضية عقلية، كما رأينا، في موقف أبي بكر. وهو موقف كل المؤمنين الصادقين. .
ونعتقد أن هؤلاء الذين ارتدوا كانوا حديثي عهد بهذا الدين، لم يمروا بالاختبارات القاسية التي مر بها المؤمنون الصادقون، وقد أثر عليهم ذلك الجو العام من الهرج والمرج الذي قامت له فقريش عند سماعها للخبر. .
ومهما يكن من أمر فقد حصل التمحيص للصف الإسلامي، وسقطت الشوائب وتابع المؤمنون الصادقون سيرتهم برعاية الله تعالى، موقنين بقوله تعالى:
{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ} (1).
وبهذا أثبت الفريق الآخر - الذين ظلوا في مكة - قوتهم بعد أن سقط من سقط. وبهذا وصل الصف المسلم إلى مرتبة التناسق، التي لا بد من الوصول إليها في تكوين القاعدة الصلبة. ذلك ان "الجماعة حين يوجد فيها الأقوياء كل القوة لا يغنيها هذا إذا وجدت اللبنات المخلخلة في الصف بكثرة، ولا بد من التناسق مع اختلاف المستويات" كما يقول سيد رحمه الله (2).
المراجع
- سيرة ابن هشام 1/ 399.
- تفسير ابن كثير في مقدمة سورة الإسراء.
- ج1 ص398.
- سورة النجم: الآيتان 2-3.
- في ظلال القرآن 2/704