1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. الوضع السياسي والعسكري ( الفصل الاول )

الوضع السياسي والعسكري ( الفصل الاول )

الكاتب : صالح احمد الشامي

يوم الفرقان

وانتهت معركة بدر. .

كان ذلك في يوم الجمعة السابع عشر من رمضان للعام الثاني من الهجرة. ذلكم هو يوم الفرقان.

جيش قوامه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، لم يخرج للقتال، ولم يستعد له، وجد نفسه فجأة في ميدان المعركة.

وجيش خرج قاصداً للقتال، متخذاً له العدة، أهبته على أتمها، قوامه ألف مقاتل.

وما هي إلا ساعة من زمن حتى انتهى كل شيء، وانتصرت القلة، وانهزمت الكثرة هزيمة منكرة..

كيف حدث هذا؟:

سؤال حير المشركين من قريش وغيرها، كما فاجأ اليهود. .

كل المعطيات الحسابية المادية كانت تعطي نتيجة أخرى غير ما حصل. ولذلك أصر أبو جهل على خوض المعركة باعتبارها معركة مضمونة النتيجة. وهذا عمير بن وهب يؤكد هذه النتيجة فالقوم قليلو العدد والعُدد ولكنه يتوقع كثرة القتلى من الجانبين. .

ولهذا لما وصل الخبر إلى قريش لم تصدق. . فقد وقف الحيسمان بن عبدالله الخزاعي، وكان أول من وصل إلى مكة، وقف يعدد القتلى. . حتى ظنه بعضهم قد فقد عقله. .

ولما وصل الخبر إلى المدينة، وقد قدم به زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة، قال كعب بن الأشرف: أحق هذا؟ أترون محمداً قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان؟ فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس، والله لئن كان محمداً أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها.

والذي نريد الحديث عنه هو النتائج التي أسفر عنها هذا اللقاء، وخاصة أنه اللقاء الأول.

الآثار العامة لبدر:

كانت آثار يوم بدر عظيمة بعيدة المدى، حتى لنستطيع القول بأن ما حدث بعدها من أحداث إنما كان من آثارها ومن ذلك:

1- قوة المسلمين: فقد برزت على واقع الأحداث هذه القوة التي لم يكن يحسب لها حساب، والتي عبر عنها أبو جهل بقوله: "إنهم أكلة جزور" وهذا يدل على استهانته بهم على الأقل من الناحية العددية.

2- جرح قريش: وكان الجرح الذي أصاب كبرياء قريش كبيراً جداً، حتى لم يصدقوا الخبر أول الأمر، ثم لما تبين لهم صدقه، وأنه لم يخل بيت من بيوت مكة من إصابة. . ناحت على قتلاها شهراً ثم انتهت حتى لا يشمت محمد صلى الله عليه وسلم على حد زعمها، ولقد مات أبو لهب بعد تأكد الخبر بسبعة أيام كمداُ وغماً، وحلف أبو سفيان ألا يمس رأسه الماء حتى يثأر. .

3- خيبة أمل اليهود: كان اليهود ينتظرون ويتوقعون خبر هزيمة المسلمين، ولما جاء الأمر على غير ما يشتهون، حزنوا، وبدى على وجوههم بعض ما كانت تكنه نفوسهم من الحقد والضغينة والكيد، ولقد رأينا بعض ذلك في كلمة كعب بن الأشرف حين بلغه الخبر. .

4- الإعلام: لقد وصلت أنباء هذا الانتصار إلى كل أرجاء الجزيرة العربية وكان لهذا أثره في إحجام الذين كانوا يفكرون بالنيل من القوة الجديدة، هذا من جانب، ومن جانب آخر فقد بدأت منولة قريش تتزعزع، فها هي قد فشلت في أول لقاء مع عظم حجو قوتها. . ولعل هذا الجرح في نفس قريش كان أكبر من فقدها من فقدته من قتلاها. . ولذا بدأت تفكر بالثأر لاستعادة مكانتها.

آثار بدر بالنسبة للمسلمين:

1- تعد بدر بداية لعهد جديد، فقد كانت فرقاناً بين الحق والباطل، وكانت فرقاناً بين عهدين من تاريخ الحركة الإسلامية، عهد الصبر والمصابرة والتجمع والانتظار، وعهد القوة والحركة والمبادأة والاندفاع، كما يقول سيد قطب رحمه الله (1).

فقد صبر المسلمون على انتفاش الباطل طويلاً، وذاقوا مرارة ذلك على مدى سنوات غير قليلة وكان يوم بدر يوماً فاصلاً، كان إيذاناً بانتهاء تلك الفترة ليبدأ عهد جديد يحتاج إلى نوع آخر من الصبر والمصابرة في ميادين القتال وغيرها.

2- وبدأ واقع جديد تغيرت فيه الموازين، فقد رأى المسلمون من خلال الواقع العملي أن القوة المادية والعددية وحدها ليست هي عوامل النصر، وأن هناك عوامل غير منظورة، تلك هي الإيمان والآثار العديدة المترتبة عليه والمنبثة في شتى جوانب النفس الإنسانية.

3- السلطة الكاملة: كانت بيعة العقبة الثانية تنص على أن الأنصار يمنعون الرسول صلى الله عليه وسلم مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم. ولم يكن فيها أن يخرج بهم إلى عدو.



وقد كانت جميع السرايا قبل بدر وكذلك الغزوات قاصرة على المهاجرين، كما رأينا، فلما كانت الدعوة إلى بدر كانت على عجل فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لَنَا طَلِبَةً فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: "لَا، مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا" (1).

وهكذا كانت الدعوة عامة لمن كان حاضراً من المهاجرين والأنصار، وكان الخروج من أجل العير، ثم تغير الموقف وأصبح المسلمون أمام النفير. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا ترى الأنصار وجوب مناصرته خارج المدينة. . فقال: "أشيروا علي أيها الناس. ."، فلما كرر قوله، قال سعد بن معاذ:

- والله لكانك تريدنا يا رسول الله.

- قال: "أجل".

- قال: (قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا وموايثقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوناً غداً، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر على بركة الله).

فسر صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ما سمع منه. .


لم تكن كلمات سعد بن معاذ موافقة على الاشتراك في المعركة وحسب، وإنما كانت تعبيراً عن حقيقة مهمة، وهي أن الأنصار في إيمانهم مثلهم مثل المهاجرين، لا يحده اتفاق أو معاهدة، وإنما هو التصديق المطلق والطاعة لله ولرسوله، ويستطيع صلى الله عليه وسلم أن يأمر - بعد الآن - بما أراد دون حساب لما قد تفسر به بعض نصوص البيعة، فقد تجاوز الأنصار هذه الحاجز. . فهو الإيمان غير المشروط.

وهكذا توثق الرسول صلى الله عليه وسلم من استكمال سلطته، لا فرق بين الأنصار والمهاجرين وكان هذا أيضاً بداية عهد جديد في ميدان الجهاد. .

إن الانتصار في بدر، لا يعني اطمئنان المسلمين إلى قوتهم وعدم المبالاة، فقد فتح هذا النصر الأعين عليهم، من قريش وغيرها على أخذ الحيطة والاستعداد للقائهم في المرات القادمة، ولذلك كان على المسلمين أن يكونوا على بصيرة من أمرهم، وأن يكون استعدادهم تاماً لكل طارئ يستجد على الساحة.

ولهذا كانت عيون المسلمين مبثوثة في كل مكان تستطلع الأخبار.

- وبلغه صلى الله عليه وسلم تجمع بني سليم وغطفان على ماء يقال له الكدر، يريدون المدينة فخرج في مائتي رجل فباغتهم. . وهربوا تاركين نعمهم.

- ثم بلغه تجمع بني ثعلبة وبني محارب بقيادة دعثور بن الحارث، فخرج إليهم في أربعمائة وخمسين رجلاً. . فهربوا. . وأقام صلى الله عليه وسلم ينجد شهر صفر كله. .

- ثم بلغه تجمع بني سليم. . فخرج في ثلاثمائة رجل حتى بلغ بحران. فوجدهم قد تفرقوا.

- ونقض بنو قينقاع من اليهود العهد، وانتقصوا المسلمين، وحاول صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم فكان أن أغلظوا الجواب وقالوا: يا محمد، إنك ترى أنا كقومك؟ لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس. .

فحاصرهم صلى الله عليه وسلم في حصنهم خمس عشرة ليلة. . ثم أجلاهم عن المدينة. وهكذا كان على المسلمين أن يكونوا حذرين مما يحاك لهم، فقد تطلعت إليهم الأعين حسداً وحنقاً وكيداً، وأصبحوا محط الأنظار بغياً وعدواناً.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day