البحث
الاكتفاء الذاتي
3- الاكتفاء الذاتي:
اتجهت التربية الاقتصادية بالفرد في هذه المرحلة نحو الاكتفاء الذاتي، الذي نعني به اعتماد الفرد على دخله الخاص، بحيث تكون
مصروفاته في حدود دخله أو أقل من ذلك. الأمر الذي لا يحوجه إلى الاستدانة من الآخرين. وهذه الخطة تعني أن يضغط المرء
مصروفاته إذا كان دخله قليلاً، وأن يعود نفسه الصبر عن كثير من حاجياته. .
وبهذا يسهم كل فرد بشكل مباشر في دعم اقتصاد الأمة، فحيثما يتكفل الفرد بنفسه اقتصادياً يكون قد خطى خطوة عظيمة في أنه قلل عدد
المحتاجين للمساعدة وبهذا تخف الأعباء على الدولة. . وإذا خطى الفرد الخطوة الثانية. وهي المساهمة في تحمل أعباء غيره فهذا يكون إحسانه مضاعفاً.
نلمح هذا الاتجاه من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تقليل المصروفات، بحيث لا يكون عند الإنسان شيء لا يحتاجه عملياً، وهذا ما أرشد إليه الحديث التالي:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَه:
"فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ فِرَاشٌ لامرأته وَفِرَاشٌ لِأَهْلِهِ وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ" (1).
وإذا قسنا على الفراش كل الحاجات الأخرى التي قد يحويها بيت الإنسان أمكننا أن نتفهم كيف أنه يمكن تقليل هذه المصروفات إلى حد كبير.
ونلمح الاتجاه الثاني لتحقيق الاكتفاء الذاتي وهو البعد عن الاستدانة من الآخرين من النص التالي:
عن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ فَقَالُوا:
صَلِّ عَلَيْهَا فَقَالَ: "هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟" قَالُوا" لَا قَالَ: "فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟" قَالُوا: لَا فَصَلَّى عَلَيْهِ.
ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيْهَا قَالَ
"هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟" قِيلَ: نَعَمْ قَالَ "فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟" قَالُوا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَصَلَّى عَلَيْهَا.
ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ فَقَالُوا صَلِّ عَلَيْهَا قَالَ
"هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟" قَالُوا لَا قَالَ "فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟" قَالُوا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ قَالَ "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ".قَالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ) (2).
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ
(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَسْأَلُ هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاءٍ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ وَإِلَّا قَالَ "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ") (3).
ومن الحديثين يتبين أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي على الميت الذي عليه دين ولم يترك وفاء له.
وإذا علمنا كم هو حرص كل صحابي إذا مات أن يصلي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل حرص المسلمين كلهم، تبين لنا هناك إرشاداً نبوياً كريماً غير مباشرة بالابتعاد عن الدين. وهذه قضية كما وضحنا تحتاج إلى اتخاذ العدة لها من صبر أحياناً، وتنازل عن بعض الحاجيات أو الضروريات أحياناً أخرى (4).
بل إنه صلى الله عليه وسلم أراد من بعض أصحابه أن ترتقي هممهم إلى مستوى عال يصل بهم إلى عدم سؤال الناس شيئاً ويدخل ضمن ذلك الدين. ولكن هذا كان لفئة خاصة، لأن هذه القضية إنما تستطيعها القلة من الناس ولنستمع إلى الحديث الشريف في ذلك.
عن عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ قَالَ:
(كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ تِسْعَةً فَقَالَ: "أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَتُطِيعُوا وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً-: وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا قَالَ فَلَقَدْ رأيت بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أحدهم فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا أَنْ يُنَاوِلَهُ إِيَّاهُ) (5).
المراجع
- رواه مسلم برقم 2084.
- رواه البخاري برقم 2289.
- رواه البخاري برقم 2298 ومسلم برقم 1619.
- عدم صلاته صلى الله عليه وسلم على من عليه دين خاصاً بهذه المرحلة التي نتحدث عنها، فلما فتح الله عليه بعد ذلك الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. . كما سوف نتحدث عن ذلك في الباب القادم إن شاء الله تعالى.
- رواه مسلم برقم 1043.