1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. الوضع الاقتصادي

الوضع الاقتصادي

الكاتب : صالح أحمد الشامي

الفصل الرابع

 (الوضع الاقتصادي     ( المرحلة الثانية


تعد الحالة الاقتصادية للمدينة في هذه المرحلة حالة ضيق بدأ ينفرج شيئاُ فشيئاً في آخرها.

فعلى الرغم مما بذله الأنصار، وهو شيء كبير، فقد كان حجم الهجرة أكبر من إمكاناتهم، وهذا ما دعى إلى إنشاء الصفة، كما أن الحروب والغزوات المتلاحقة والتي تحتاج إلى بذل مالي، كانت بدورها عاملاً من عوامل الضيق.

ولعل هذا يفسر لنا موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من وفد مزينة. كما ورد ذلك عند ابن سعد، قال: كان أول من وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضر أربعمائة من مزينة، وذلك في رجب سنة خمس، فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة في دارهم، وقال: "أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى أموالكم". فرجعوا إلى بلادهم (1).

فقد كان الوضع الاقتصادي في المدينة يومها لا يتحمل هذا العدد، ولذا ردهم إلى بلادهم. . واحتسب لهم أجرهم بنيتهم وعزمهم على الهجرة.

ليسوا عالة:رأينا في الفصل السابق رأي المنافقين في المهاجرين، وقول عبدالله بن أبي: لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم. فهل كان المهاجرون عالة على الأنصار إلى هذه الدرجة التي يتخيلها ابن أبي؟

تحدثنا فيما سبق أن كثيراً من المهاجرين جلبوا معهم أموالهم، وأن كثيراً منهم كان غنياً بعمله كما فعل عبدالرحمن بن عوف. . وقد ساهم هؤلاء الأغنياء من المهاجرين بدور فعال في تحمل جزء كبير من نفقات إخوانهم.

وقد رأينا في فصل سابق كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يوزع أهل الصفة حين يكثرون في أوقات الأزمات، كان أبو بكر وعمر وعثمان. . ومن كان على شاكلتهم يقومون بتحمل العبء الأكبر. .

بل إن القادر منهم كان يتحمل نفقات أقربائه الضعفاء، يدلنا على ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه كان قد أجرى نفقة دائمة على مسطح بن أثاثة، وكان ابن خالته، فلما اشترك في حديث الإفك حلف الصديق أن لا ينفعه أبداً،

فأنزل الله تعالى:

{وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوٓا أُولِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينَ وَٱلْمُهَٰجِرِينَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوٓا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (1).

سورة النور الأية 22

عندها قال أبو بكر: بلى والله إنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا. .

على أن المهاجر كان حين يصل إلى المدينة يحاول أن يفتش عن عمل، وألا يكون عالة على غيره فطبيعة الإسلام تأبى ذلك، وهذا ما حصل لكثير من المهاجرين ونضرب مثالاً على ذلك:

جاء سلمة بن الأكوع إلى المدينة مهاجراً في السنة الرابعة للهجرة، فعمل عند طلحة بن عبيد الله، أسقي فرسه، وأحسه، وأخدمه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجراً إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. . " (2)..

بل لقد عمل المهاجرون في الزراعة، فها هو الزبير يعمل في الأرض التي أقطعه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير ويقول بالسقاية وغيرها، وتقوم زوجه أسماء بنت أبي بكر الصديق بنقل النوى على رأسها من هذه الأرض وهي على ثلثي فرسخ من بيتها (3). .

هذا على الرغم من انتقاص العرب يومئذ للزارعة وخاصة أهل مكة (4).

وقد جاء أبو موسى الأشعري يوماً فاستأذن على عمر ثلاثاً، ثم انصرف، فطلبه عمر بعد ذلك. . فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: إنا كنا نؤمر بهذا. . فقال عمر: خفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألهاني عنه الصفق في الأسواق (5).

وهكذا كان العمل يشغلهم بعض الأحيان حتى تخفى على بعضهم الأحكام الجزئية التي يتعامل بها يومياً.

وكان كل منهم يعمل وفق طاقته. فهذا صحابي فقير لا يحد أجر الدكان التي يعمل فيها فيستأذن أسماء بنت أبي بكر في أن يبيع في ظل دارها فتأذن له (6).. 

 وقد سبق أن لخص لنا أبو هريرة الحركة الدائمة في الأسواق من قبل المهاجرين بقوله: (إن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق) (7).

 نسوق هذا كله لا لنرد على المنافقين، وإنما لنبين أن المهاجرين لم يلقوا بثقلهم كله على إخوانهم من الأنصار وقد أخذوا دورهم في ميادين العمل.

مراجع                                                                                                                                                                        

  1.  طبقات ابن سعد 1/ 291.
  2. رواه مسلم برقم 1807.
  3. انظر البخاري رقم 2360 ومسلماً برقم 2357، وأما عمل أسماء وحملها النوى ففي البخاري برقم 5224 وعند مسلم برقم 2182.
  4. قال أبو جهل حين قتل: فلو غير أكار قتلني. كما رواه مسلم برقم 1800. والاكار: المزارع.
  5. رواه البخاري برقم 2062 ومسلم في كتاب الاستئذان برقم 36.
  6. رواه مسلم في كتاب السلام برقم 35
  7. رواه البخاري برقم 2350 ومسلم برقم 2492


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day