1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. تربية العطاء

تربية العطاء

الكاتب : صالح أحمد الشامي

4- تربية العطاء:

جاء في الحديث الشريف عن عبدالله بن عمر، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ:

"الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ" (1).

وقد سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم جهده في سبيل أن تكون كل يد مؤمنة هي العليا، وذلك بالتنفير من المسألة، والحث على الصدقة، مهما كانت هذه الصدقة قليلة، ففي حديث عدي بن حاتم،  

قال:  سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

"مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنْ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ" (2).

وأن يكون المسلم من المساهمين في دفع الصدقة فذلك يعني أنه في الجانب الإيجابي من المجتمع مهما قل عطاؤه، وذلك ما يسعى إليه المنهج الإسلامي.

ويرتفع المستوى الاقتصادي للمجتمع بمقدار ما يكثر فيه المعطون، وبمقدار ما يقل فيه الآخذون. .

ولقد آتت هذه التربية ثمارها، حتى بلغت حداً غير متصور إلا في المجتمع الإسلامي.

عندما تطلب منك الصدقة وليس عندك شيء فكيف تشارك؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه كما هو معلوم.

ولكن الصحابة وجدوا لذلك مخرجاً، ولندع أبا مسعود الأنصاري يحدثنا عن ذلك:

قال أبو مسعود: (كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ فَيُحَامِلُ (3) فَيُصِيبُ الْمُدَّ) (4). .

يقول أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه، إنه كثيراً ما يأمر صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فلا يكون في ملك بعضهم ما يتصدق به، فيذهب إلى السوق فيحمل للناس أمتعتهم مقابل أجر. . وقد يكون هذا الأجر مداً من تمر أو شعير. . فيأتي فيتصدق به.

وبهذا المسلك تحول الإنسان الذي لا يملك شيئاً إلى عضو فعال إيجابي في هذا المجتمع.

وبهذه التربية فتح الباب أمام كل إنسان أن يكون معطاء، يمثل اليد العليا التي تكلم عنها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية النسائي: ينطلق إلى السوق فيحمل على ظهره (5).

يحصل هذا في الوقت الذي كان العربي فيه يأنف أن يكون صاحب صنعة فضلاً عن أن يقوم بعملية الحمل التي هي مهنة الأرقاء والعبيد يومئذ، أليس هذا تغيراً جذرياً في بنية المجتمع؟! إنه الإسلام.

وأما تتمة الحديث "وإن لبعضهم لمائة ألف" وفي رواية النسائي: وما كان له يومئذ درهم. . لتبين كيف أن هذا الجيل وحده استطاع بفضل الإسلام أن ينتقل تلك النقلة البعيدة في كل الميادين، والميدان الاقتصادي هو آخرها فالذي كان يحمل على ظهره ليتصدق بأجرته يمتلك يوم حدث هذه الحديث مائة ألف.


تلك هي معالم التربية الاقتصادية التي نشأ عليها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في هذه المرحلة العصيبة من عمر الدعوة. . وهي المعالم التي لا بد من سلوكها إذا أريد للمسلمين أن يأخذوا دورهم مرة أخرى.

المراجع

  1. رواه مسلم برقم 1033.
  2. رواه مسلم برقم 1016.
  3. المحاملة: تكون بين اثنين، يكون الحمل من أحدهما والأجرة من الآخر.
  4. رواه البخاري برقم 2273، 1417 ومسلم في الزكاة برقم 72.
  5. فتح الباري 4/ 450.


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day