1. المقالات
  2. الجزء الثاني_زاد المعاد
  3. فصل في غزوة بدر الكبرى

فصل في غزوة بدر الكبرى

4522 2007/11/26 2024/10/07

 
فصل في غزوة بدر الكبرى


فلما كان في رمضان من هذه السنة بلغ رسول الله خبر العير المقبلة من الشام لقريش صحبة أبي سفيان وهي العير التي خرجوا في طلبها لما خرجت من مكة وكانوا نحو أربعين رجلا وفيها أموال عظيمة لقريش فندب رسول الله الناس للخروج إليها وأمر من كان ظهره حاضرا بالنهوض ولم يحتفل لها احتفالا بليغا لأنه خرج مسرعا في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان فرس للزبير بن العوام وفرس للمقداد بن الأسود الكندي وكان معهم سبعون بعيرا يعتقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد فكان رسول الله وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرا وزيد بن حارثه وابنه وكبشه موالي رسول الله يعتقبون بعيرا وأبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا واستخلف على المدينة وعلى الصلاة ابن أم مكتوم فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة بن عبد المنذر واستعمله على المدينة ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير والراية الواحدة إلى علي بن أبي طالب والأخرى التي للأنصار إلى سعد بن معاذ وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة وسار فلما قرب من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهني وعدي بن أبي الزغباء إلى بدر يتجسسان أخبار العير وأما أبو سفيان فإنه بلغه مخرج رسول الله وقصده إياه فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة مستصرخا لقريش بالنفير إلى عيرهم ليمنعوه من محمد وأصحابه وبلغ الصريخ أهل مكة فنهضوا مسرعين وأوعبوا في الخروج فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب فإنه عوض عنه رجلا كان له عليه دين وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي فلم يخرج معهم منهم أحد وخرجوا من ديارهم كما قال تعالى ( بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله ) ( الأنفال 47 )

 

وأقبلوا كما قال رسول الله بحدهم وحديدهم تحاده وتحاد رسوله وجاؤوا على حرد قادرين وعلى حمية وغضب وحنق على رسول الله وأصحابه لما يريدون من أخذ عيرهم وقتل من فيها وقد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي والعير التي كانت معه فجمعهم الله على غير ميعاد كما قال الله تعالى ( ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ) (الأنفال 42 ) ولما بلغ رسول الله خروج قريش استشار أصحابه فتكلم المهاجرون فأحسنوا ثم استشارهم ثانيا فتكلم المهاجرون فأحسنوا ثم استشارهم ثالثا ففهمت الأنصار أنه يعينهم فبادر سعد بن معاذ فقال يا رسول الله كأنك تعرض بنا وكان إنما يعينهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود في ديارهم فلما عزم على الخروج استشارهم ليعلم ما عندهم فقال له سعد لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقا عليها أن لا ينصروك إلا في ديارها وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم فاظعن حيث شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر خضناه معك وقال له المقداد لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك فأشرق وجه رسول الله وسر بما سمع من أصحابه وقال سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين وإني قد رأيت مصارع القوم فسار رسول الله إلى بدر وخفض أبو سفيان فلحق فساحل البحر ولما رأى أنه قد نجا وأحرز العير كتب إلى قريش أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم فأتاهم الخبر وهم بالجحفة فهموا بالرجوع فقال أبو جهل والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم بها ونطعم من حضرنا من العرب وتخافنا العرب بعد ذلك فأشار الأخنس ابن شريق عليهم بالرجوع فعصوه فرجع هو وبنو زهرة فلم يشهد بدرا زهري فاغتبطت بنو زهرة بعد برأي الأخنس فلم يزل فيهم مطاعا معظما وأرادت بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم أبو جهل وقال لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع فساروا وسار رسول الله حتى نزل عشيا أدنى ماء من مياه بدر فقال أشيروا علي في المنزل فقال الحباب بن المنذر يا رسول الله أنا عالم بها وبقلبها إن رأيت أن نسير إلى قلب قد عرفناها فهي كثيرة الماء عذبة فننزل عليها ونسبق القوم إليها ونغور ما سواها من المياه وسار المشركون سراعا يريدون الماء وبعث عليا وسعدا والزبير إلى بدر يلتمسون الخبر فقدموا بعبدين لقريش ورسول الله قائم يصلي فسألهما أصحابه من أنتما قالا نحن سقاة لقريش فكره ذلك أصحابه وودوا لو كانا لعير أبي سفيان فلما سلم رسول الله قال لهما أخبراني أين قريش قالا وراء هذا الكثيب فقال كم القوم فقالا لا علم لنا فقال كم ينحرون كل يوم فقالا يوما عشرا ويوما تسعا فقال رسول الله القوم ما بين تسعمائة إلى الألف

 

 فأنزل الله عز وجل في تلك الليلة مطرا واحدا فكان على المشركين وابلا شديدا منعهم من التقدم وكان على المسلمين طلا طهرهم به وأذهب عنهم رجس الشيطان ووطأ به الأرض وصلب به الرمل وثبت الأقدام ومهد به المنزل وربط على قلوبهم فسبق رسول الله وأصحابه إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل وصنعوا الحياض ثم غوروا ما عداها من المياه ونزل رسول الله وأصحابه على الحياض وبني لرسول الله عريش يكون فيها على تل مشرف على المعركة ومشى في موضع المعركة وجعل يشير بيده هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان إن شاء الله فما تعدى أحد منهم موضع إشارته فلما طلع المشركون وتراءى الجمعان قال رسول الله اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها جاءت تحادك وتكذب رسولك وقام ورفع يديه واستنصر ربه وقال اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك فالتزمه الصديق من ورائه وقال يا رسول الله أبشر فوالذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك واستنصر المسلمون الله واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه فأوحى الله إلى ملائكته ( أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) ( الأنفال 12 ) وأوحى الله إلى رسوله ( أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) ( الأنفال 9 ) قرىء بكسر الدال فإن قيل هاهنا ذكر أنه أمدهم بألف وفي ( سورة آل عمران ) قال ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخسمة آلاف من الملائكة مسومين ) ( آل عمران 124 ) فكيف الجمع بينهما قيل قد اختلف في هذا الإمداد الذي بثلاثة آلاف والذي بالخمسة على قولين أحدهما أنه كان يوم أحد وكان إمداد معلقا على شرط فلما فات شرط فات الإمداد وهذا قول الضحاك ومقاتل وإحدى الروايتين عن عكرمة والثاني أنه كان يوم بدر وهذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والرواية الأخرى عن عكرمة اختاره جماعة من المفسرين وحجة هؤلاء أن السياق يدل على ذلك فإنه سبحانه قال ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بل إن تصبروا وتتقوا ) ( آل عمران 123 - 125 ) إلى أن قال وما جعله الله أي هذا الإمداد ( ألا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به )

 

قال هؤلاء فلما استغاثوا أمدهم بتمام ثلاثة آلاف ثم أمدهم بتمام خمسة آلاف لما صبروا واتقوا فكان هذا التدريج ومتابعة الإمداد أحسن موقعا وأقوى لنفوسهم وأسر لها من أن يأتي به مرة واحدة وهو بمنزلة متابعة الوحي ونزوله مرة بعد مرة وقالت الفرقة الأولى القصة في سياق أحد وإنما أدخل ذكر بدر اعتراضا في أثنائها فإنه سبحانه قال ( وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ( آل عمران 121 ) ثم قال ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) ( آل عمران 123 ) فذكرهم نعمته عليهم لما نصرهم ببدر وهم أذلة ثم عاد إلى قصة أحد وأخبر عن قول رسوله لهم ( ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ) ثم وعدهم أنهم إن صبروا واتقوا أمدهم بخمسة آلاف فهذا من قول رسوله والإمداد الذي ببدر من قوله تعالى وهذا بخمسة آلاف وإمداد بدر بألف وهذا معلق على شرط وذلك مطلق والقصة في سورة آل عمران هي قصة أحد مستوفاة مطولة وبدر ذكرت فيها اعتراضا والقصة في سورة الأنفال قصة بدر مستوفاة مطولة فالسياق في آل عمران غير السياق في الأنفال يوضح هذا أن قوله ( ويأتوكم من فورهم هذا ) ( آل عمران 125 ) قد قال مجاهد إنه يوم أحد وهذا يستلزم أن يكون الإمداد المذكور فيه فلا يصح قوله إن الإمداد بهذا العدد كان يوم بدر وإتيانهم من فورهم هذا يوم أحد والله أعلم

 

 

 

فصل
وبات رسول الله يصلي إلى جذع شجرة هناك كانت ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية فلما أصبحوا أقبلت قريش في كتائبها واصطف الفريقان فمشى حكيم بن حزام وعتبة ابن ربيعة في قريش أن يرجعوا ولا يقاتلوا فأبى ذلك أبو جهل وجرى بينه وبين عتبة كلام أحفظه وأمر أبو جهل أخا عمرو بن الحضرمي أن يطلب دم أخيه عمرو فكشف عن استه وصرخ واعمراه فحمي القوم ونشبت الحرب وعدل رسول الله الصفوف ثم رجع إلى العريش هو وأبو بكر خاصة وقام سعد بن معاذ في قوم من الأنصار على باب العريش يحمون رسول الله وخرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة يطلبون المبارزة فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار عبدالله بن رواحة وعوف ومعوذ ابنا عفراء فقالوا لهم من أنتم فقالوا من الأنصار قالوا أكفاء كرام وإنما نريد بني عمنا فبرز إليهم على وعبيدة بن الحارث وحمزة فقتل على قرنه الوليد وقتل حمزة قرنه الوليد وقتل حمزة قرنه عتبة وقيل عبيدة وقيل شيبة واختلف عبيدة وقرنه ضربتين فكر علي وحمزة على قرن عبيدة فقتلاه واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله فلم يزل ضمنا حتى مات بالصفراء وكان علي يقسم بالله لنزلت هذه الآية فيهم  (هذان خصمان اختصموا في ربهم ) الآية ( الحج 19 ) ثم حمي الوطيس واستدارت رحى الحرب واشتد القتال وأخذ رسول الله في الدعاء والابتهال ومناشدة ربه عز وجل حتى سقط رداؤه عن منكبيه فرده عليه الصديق وقال بعض مناشدتك ربك فإنه منجز لك ما وعدك فأغفى رسول الله إغفاءة واحدة وأخذ القوم النعاس في حال الحرب ثم رفع رسول الله رأسه فقال أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع وجاء النصر وأنزل الله جنده وأيد رسوله والمؤمنين ومنحهم أكتاف المشركين أسرا وقتلا فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين

 

فصل
ولما عزموا على الخروج ذكروا ما بينهم وبين بني كنانة من الحرب فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجي وكان من أشراف بني كنانة فقال لهم لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه فخرجوا والشيطان جار لهم لا يفارقهم فلما تعبؤوا للقتال ورأى عدو الله جند الله قد نزلت من السماء فر ونكص علي عقبيه فقالوا إلى أين يا سراقة ألم تكن قلت إنك جار لنا لا تفارقنا فقال إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب وصدق في قوله إني أرى ما لا ترون وكذب في قوله إني أخاف الله وقيل كان خوفه على نفسه أن يهلك معهم وهذا أظهر ولما رأى المنافقون ومن في قلبه مرض قلة حزب الله وكثرة أعدائه ظنوا أن الغلبة إنما هي بالكثرة وقالوا ( غر هؤلاء دينهم ) ( الأنفال 49 ) فأخبر سبحانه أن النصر بالتوكل عليه لا بالكثرة ولا بالعدد والله عزيز لا يغالب حكيم ينصر الله من يستحق النصر وإن كان ضعيفا فعزته وحكمته أوجبت نصر الفئة المتوكلة عليه ولما دنا العدو وتواجه القوم قام رسول الله في الناس فوعظهم وذكرهم بما لهم في الصبر والثبات من النصر والظفر العاجل وثواب الله الآجل وأخبرهم أن الله قد أوجب الجنة لمن استشهد في سبيله فقام عمير بن الحمام فقال يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض قال نعم قال بخ بخ يا رسول الله قال ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها قال فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل حتى قتل فكان أول قتيل وأخذ رسول الله ملء كفه من الحصباء فرمى بها وجوه العدو فلم تترك رجلا منهم إلا ملأت عينيه وشغلوا بالتراب في أعينهم وشغل المسلمون بقتلهم فأنزل الله في شأن هذه الرمية على رسوله ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) ( الأنفال 17 )

 

 

 وقد ظن طائفة أن الآية دلت على نفي الفعل عن العبد وإثباته لله وأنه هو الفاعل حقيقة وهذا غلط منهم من وجوه عديدة مذكورة في غير هذا الموضع ومعنى الآية أن الله سبحانه أثبت لرسوله له ابتداء الرمي ونفى عنه الإيصال الذي لم يحصل برميتة فالرمي يراد به الحذف والإيصال فأثبت لنبيه الحذف ونفى عنه الإيصال وكانت الملائكة يومئذ تبادر المسلمين إلى قتل أعدائهم قال ابن عباس بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس فوقه يقول أقدم جيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة وقال أبو داود المازني إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيرا فقال العباس إن هذا والله ما أسرني لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق ما أراه في القوم فقال الأنصاري أنا أسرته يا رسول الله فقال اسكت فقد أيدك الله بملك كريم وأسر من بني عبد المطلب ثلاثة العباس وعقيل ونوفل بن الحارث وذكر الطبراني في معجمه الكبير عن رفاعة بن رافع قال لما رأى إبليس ما تفعل الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفق أن يخلص القتل إليه فتشبث به الحارث بن هشام وهو يظنه سراقة بن مالك فوكز في صدر الحارث فألقاه ثم خرج هاربا حتى ألقى نفسه في البحر ورفع يديه وقال اللهم إني أسألك نظرتك إياي وخاف أن يخلص إليه القتل فأقبل أبو جهل بن هشام فقال يا معشر الناس لا يهزمنكم خذلان سراقة إياكم فإنه كان على ميعاد من محمد ولا يهولنكم قتل عتبة وشيبة والوليد فإنهم قد عجلوا فواللات والعزى لا نرجع حتى نقرنهم بالحبال ولا ألفين رجلا منكم قتل رجلا منهم ولكن خذوهم أخذا حتى نعرفهم سوء صنيعهم واستفتح أبو جهل في ذلك اليوم فقال اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم فأنزل الله عز وجل ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) ( الأنفال 19 ) ولما وضع المسلمون أيديهم في العدو يقتلون ويأسرون وسعد بن معاذ واقف على باب الخيمة التي فيها رسول الله وهي العريش متوشحا بالسيف في ناس من الأنصار رأى رسول الله في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس فقال رسول الله كأنك تكره ما يصنع الناس قال أجل والله كانت أول وقعة أوقعها الله بالمشركين وكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال ولما بردت الحرب وولى القوم منهزمين قال رسول الله من ينظر لنا ما صنع أبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد وأخذ بلحيته فقال أنت أبو جهل فقال لمن الدائرة اليوم فقال لله ولرسوله وهل أخزاك الله يا عدو الله فقال وهل فرق رجل قتله قومه فقتله عبد الله ثم أتى النبي فقال قتلته فقال الله الذي لا إله إلا هو فرددها ثلاثا ثم قال الله أكبر الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده انطلق أرنيه فانطلقنا فأريته إياه فقال هذا فرعون هذه الأمة وأسر عبد الرحمن بن عوف أمية بن خلف وابنه عليا فأبصره بلال وكان أمية يعذبه بمكة فقال رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت أن نجا ثم استوخى جماعة من الأنصار واشتد عبد الرحمن بهما يحرزهما منهم فأدركوهم فشغلهم عن أمية بابنه ففرغوا منه ثم لحقوهما فقال له عبد الرحمن ابرك فبرك فألقى نفسه عليه فضربوه بالسيوف من تحته حتى قتلوه وأصاب بعض السيوف رجل عبد الرحمن بن عوف قال له أمية قبل ذلك من الرجل المعلم في صدره بريشة نعامة فقال ذلك حمزة بن عبد المطلب فقال ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل وكان مع عبد الرحمن أدراع قد استلبها فلما رآه أمية قال له أنا خير لك من هذه الأدراع فألقاها وأخذه فلما قتله الأنصار كان يقول يرحم الله بلالا فجعني بأدراعي وبأسيري

 

 


وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن فأعطاه النبي جذلا من حطب فقال دونك هذا فلما أخذه عكاشة وهزه عاد في يده سيفا طويلا شديدا أبيض فلم يزل عنده يقاتل به حتى قتل في الردة أيام أبي بكر ولقي الزبير عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج في السلاح لا يرى منه إلا الحدق فحمل عليه الزبير بحربته فطعنه في عينه فمات فوضع رجله على الحربة ثم تمطى فكان الجهد أن نزعها وقد انثنى طرفاها قال عروة فسأله إياها رسول الله فأعطاه إياها قبض رسول الله أخذها ثم طلبها أبو بكر فأعطاه إياها فلما قبض أبو بكر سأله إياها عمر فأعطاه إياها فلما قبض عمر أخذها ثم طلبها عثمان فأعطاه إياها فلما قبض عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبد الله بن الزبير وكانت عنده حتى قتل وقال رفاعة بن رافع رميت بسهم يوم بدر ففقئت عيني فبصق فيها رسول الله ودعا لى فما آذاني منها شيء ولما انقضت الحرب أقبل رسول الله حتى وقف على القتلى فقال بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وخذلتموني ونصرني الناس وأخرجتموني وآواني الناس ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قلب بدر فطرحوا فيه ثم وقف عليهم فقال يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا فلان ويا فلان هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا فقال والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون الجواب ثم أقام رسول الله بالعرصة ثلاثا وكان إذا ظهر على قوم أقام بعرصتهم ثلاثا ثم ارتحل مؤيدا منصورا قرير العين بنصر الله له ومعه الأسارى والمغانم فلما كان بالصفراء قسم الغنائم وضرب عنق النضر بن الحارث بن كلدة ثم لما نزل بعرق الظبية ضرب عنق عقبة بن أبي معيط ودخل النبي المدينة مؤيدا مظفرا منصورا قد خافه كل عدو له بالمدينة وحولها فأسلم بشر كثير من أهل المدينة وحينئذ دخل عبد الله بن أبي المنافق وأصحابه في الإسلام ظاهرا وجملة من حضر بدرا من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المهاجرين ستة وثمانون ومن الأوس أحد وستون ومن الخزرج مائة وسبعون وإنما قل عدد الأوس عن الخزرج وإن كانوا أشد منهم وأقوى شوكة وأصبر عند اللقاء لأن منازلهم كانت في عوالي المدينة وجاء النفير بغتة وقال النبي لا يتبعنا إلا من كان ظهره حاضرا فاستأذنه رجال ظهورهم في علو المدينة أن يستأني بهم حتى يذهبوا إلى ظهورهم فأبى ولم يكن عزمهم على اللقاء ولا أعدوا له عدته ولا تأهبوا له أهبته ولكن جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد واستشهد من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وستة من الخزرج واثنان من الأوس وفرغ رسول الله من شأن بدر والأسارى في شوال

 

 


   فصل


ثم نهض بنفسه صلوات الله وسلامه عليه بعد فراغه بسبعة أيام إلى غزو بني سليم واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة وقيل ابن أم مكتوم فبلغ ماء يقال له الكدر فأقام عليه ثلاثا ثم انصرف ولم يلق كيدا

 


فصل


ولما رجع فل المشركين إلى مكة موتورين محزونين نذر أبو سفيان أن لا يمس رأسه ماء حتى يغزو رسول الله فخرج في مائتي راكب حتى أتى العريض في طرف المدينة وبات ليلة واحدة عند سلام ابن مشكم اليهودي فسقاه الخمر وبطن له من خبر الناس فلما أصبح قطع أصوارا من النخل وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له ثم كر راجعا ونذر به رسول الله فخرج في طلبه فبلغ قرقرة الكدر وفاته أبو سفيان وطرح الكفار سويقا كثيرا من أزوادهم يتخففون به فأخذها المسلمون فسميت غزوة السويق وكان ذلك بعد بدر بشهرين


فأقام رسول الله بالمدينة بقية ذي الحجة ثم غزا نجدا يريد غطفان واستعمل على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه فأقام هناك صفرا كله من السنة الثالثة ثم انصرف ولم يلق حربا

 

 

فصل
فأقام بالمدينة ربيعا الأول ثم خرج يريد قريشا واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم فبلغ بحران معدنا بالحجاز من ناحية الفرع ولم يلق حربا فأقام هنالك ربيعا الآخر وجمادى الأولى ثم انصرف إلى المدينة

 


فصل


ثم غزا بني قينقاع وكانوا من يهود المدينة فنقضوا عهده فحاصرهم خمسة عشر ليلة حتى نزلوا على حكمه فشفع فيهم عبد الله بن أبي وألح عليه فأطلقهم له وهم قوم عبد الله بن سلام وكانوا سبعمائة مقاتل وكانوا صاغة وتجارا


 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day