البحث
قدوة في كلامه وسكوته وضحكه وبكائه:
كان إذا تكلم؛ تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد، ليس بهذ مسرع لا يحفظ، ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام، بل هديه فيه أكمل الهدي.
وكان كثيراً ما يعيد الكلام ثلاثاً ليعقل عنه، وكان إذا سلم سلم ثلاثاً.
وكان طويل السكوت، لا يتكلم بشيء في غير حاجة، ويتكلم بجوامع الكلام، فصل لا فضول، ولا تقصير، وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كره الشيء؛ عرف في وجهه.
وكان جل ضحكه التبسم بل، كله التبسم، فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه.
وكان يضحك مما يضحك منه، وهو مما يتعجب من مثله، ويستغرب وقوعه ويستندر.
وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فكان من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق، ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا، ويسمع لصدره أزيز.
وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفاً على أمته وشفقة عليها، وتارة من خشية الله، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال، مصاحب للخوف، والخشية،
ولما مات ابنه إبراهيم؛ دمعت عيناه وبكى رحمه له، وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض.
وبكى لما قرآ عليه ابن مسعود سورة النساء.
وبكى لما مات عثمان بن مظعون، وبكى لما كسفت الشمس، وصلى صلاة الكسوف، وجعل يبكي في صلاته، وجعل ينفع
وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته، وكان يبكي أحياناً في صلاة الليل.