البحث
وكان صلى الله عليه وسلم يحتمل منهم ما لا يحتمل من غيرهم
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أنه قال:
لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليخ، فقلت: يا رسول الله أتصلي على ابن أبي، وقد قال يوم كذا وكذا: وكذا وكذا! أعدد عليه قوله. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أخر عني يا عمر". فلما أكثرت عليه قال: "إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها". قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انصرف.
فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة:
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٍۢ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُوا وَهُمْ فَٰسِقُونَ}
[التوبة: 84]
قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، والله ورسوله أعلم.
فقد احتمل منه النبي صلى الله عليه وسلم أخذه بثوبه ومخاطبته له في مثل ذلك المقام حتى التفت إليه متبسماً.
فائدة:
قال الخطابي: "إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أبي ما فعل؛ لكمال شفقته على من تعلب بطرف من الدين، ولتطييب قلب ولده عبد الله الرجل الصالح، ولتألف قومه من الخزرج لرياسته فيهم.
فلو لم يجب سؤال ابنه، وترك الصلاة عليه قبل ورود النهي الصريح؛ لكنا سبه على ابتع وعاراً على قومه، فاستعمل أحسن الأمرين في السياسة إلى أن نهي فانتهى.
من فوائد الحديث:
فيه: بيان عظيم مكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد علم ما كان من هذا المنافق من الإيذاء، وقابله بالحسنى، فألبسه قميصه كفناً، وصلى عليه، واستغفر له.
قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍۢ}
[القلم: 4]
وفيه تحريم الصلاة على من مات كافراً، والدعاء له بالمغفرة، والقيام على قبره للدعاء.