البحث
العزيمة على الرُّشد الطريق بين العلم والتطبيق
بعد أن يسأل العبدُ ربَّه الثبات، يأتي السؤال الأعظم: الثبات على ماذا؟
فيجيبه النبي ﷺ: "على الرشد"
فالثبات بلا رشادٍ عناد، والرشد بلا عزيمةٍ أمنية.
لهذا جاء الجمع بينهما؛ لأن الحقَّ لا يُثمر إلا حين يقترن وضوحُ الطريق بجرأة السير فيه.
◄ الرشد هو أن تُبصر وجهَ الله في الطريق، والعزيمة هي أن تمشي إليه ولو وحدك.
◄ الرشد هو أن تعرف الحق، والعزيمة هي أن تدفع ثمنه.
◄ الرشد هو البصيرة، والعزيمة هي الوقود.
فما أكثر من يُبصر الطريق ثم يقف عند عتبته خائفًا من كلفة القرار!
كم من مؤمنٍ اليوم يعرف الصواب لكنه لا يجرؤ عليه؛
يراهن على التأجيل، يختبئ خلف الأعذار، يُقنع نفسه بعباراتٍ براقة مثل: "الأمور نسبية"، "النية طيبة"، "الضرورة تبيح"، بينما هو يذوب ببطءٍ في وحل التنازالت.
العزيمة على الرشد هي أن تظلّ تختار الله وإن خسرت العالم.
أن تقول "لا" حين يكون "نعم" أسهل.
أن تضحّي بالربح المشبوه، لتربح طهارة ضميرك.
أن تمشي على مهلٍ في طريقٍ نظيف، بدل أن تركض في طريقٍ ملوّث.
هي قوّة القلب التي تجعل الطاعة قرارًا لا مزاجًا، وتحوّل المعرفة إلى ممارسةٍ يوميةٍ لا إلى ترفٍ فكريٍّ عابر.
في زمنٍ يُسوَّق فيه الحرام بثوب "الذكاء المالي"،
ويُزيَّن فيه الطمع باسم "الطموح"،
ويُغلف فيه الغش بـ "الدهاء التجاري"،
يحتاج العبد إلى عزيمةٍ تُبقيه راشدًا حين يختلط الرشد بالربح.
العزيمة هنا ليست قسوة، بل قوة رحيمة:
1- قوةُ من يرفض الظلم لأنه يعرف أن الرزق بيد الله،
2- قوةُ من يغضّ بصره لأنه يرى بعين الإيمان ما لا تراه العيون،
3- قوةُ من يُغلق أبواب الشُّبهة ليُبقي قلبه مفتوحًا للنور.
صيغتها في الواقع:
1- أن تملك الشجاعة لتقول: "لا أحتاج هذا إن لم يُرضِ الله".
2- أن تُقاوم غواية الشراء حين يشتعل الإعلانات حولك.
3- أن تُنفق بعقل لا بعاطفة، وبقلبٍ شاكر لا بخوفٍ من الفقد.
4- أن تُؤدّي حقّ الله في مالك فورًا، كأنك تؤدي حقّ الحياة فيك.
5- أن تبقى راشدًا في زمن الموجات، موقنًا أن من استقام على الرشد رزقه الله بغير حساب.
العزيمة على الرشد هي أن تختار الصواب حين يكون الخطأ مربحًا، وأن تظلّ مستقيمًا في طريقٍ خالٍ من التصفيق... لأن الله وحده يراك.