1. المقالات
  2. كنز القلوب في زمن اكتناز الجيوب
  3. وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم

وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم

الكاتب : دريد إبراهيم الموصلي
8 2025/12/15 2025/12/15

حين يُعلّمك النبي ﷺ كيف ترفع يديك... لا لتطلب، بل لتُسلِّم.

بعد أن علّمك النبي ﷺ أن تثبت، وترشد، وتشكر، وتعبد، وتطهّر قلبك ولسانك... ينقلك هنا إلى المقام الأعلى: التسليم المطلق لله.
فكلّ ما قبل هذا الدعاء تربيةٌ للإرادة، وأمّا هذه الجملة فهي تربيةٌ للتفويض.

المال في ظاهره رزق، لكن في باطنه امتحان:


● قد يكون الغنى فتنةً تُطغيك،
● وقد يكون الفقر محنةً تُزكّيك.
● وما بين الوجهين، يقف المؤمن حائرًا: لا يدري أين الخير له.
فجاء هذا الدعاء كـ عقد أمانٍ مع الله:
"يا رب، أنت تعلم وأنا لا أعلم، فاختر لي بعلمك، لا برغبتي، ووجّهني إلى الخير الذي يخفى عليّ، واصرف عني الشرّ الذي يلبس ثوب المنفعة".
هذه الجملة تسحبك من منطق السوق إلى منطق السماء.
ففي الأسواق يُقاس الخير بالربح،
لكن عند الله يُقاس الخير بما يُصلح القلب.
كم من مالٍ ازداد به صاحبه فازداد بُعدًا،
وكم من خسارةٍ فتحت له باب توبةٍ لا يُقدّر بثمن.
لذلك قال بعض السلف: "ربّ نعمةٍ أنعمها الله على عبدٍ كانت سببَ هلاكه، وربّ بلاءٍ أنزله الله به فكان باب نجاته".

سرّ العبودية في هذا الدعاء:

هذا الدعاء يربّيك على أن تقول:
"اللهم لا تجعلني أختار لنفسي بعينٍ قصيرةٍ، بل اختر لي بنور حكمتك وعلمك".
فأنت لا تسأل "الخير الذي تريده"، بل "الخير الذي يعلمه الله عنك" وهذا أسمى مقامات الدعاء، حين يتحوّل من طلبٍ إلى ثقة، ومن رغبةٍ إلى تسليم.

العلاقة بالاكتناز:

الاكتناز ثمرةُ خوفٍ من الغيب، وهذا الدعاء يقتل ذلك الخوف في مهده.
لأنك حين تؤمن أن الله يعلم الخير والشرّ عنك أكثر مما تعلمه أنت، تتحرّر من عبودية "الضمانات" و"الاحتياطات" المادية، وتدخل في راحة من يعلم أن التقدير بيد الحكيم، لا بيد السوق.

تطبيقات عملية اليوم:

حين تفكّر في استثمارٍ أو مشروعٍ جديد، قل: "اللهم إن كان خيرًا لي فقدّره ويسّره، وإن كان شرًّا فاصرفه عنّي".
عند فقدان فرصةٍ أو خسارةٍ مالية، ذكّر نفسك: "ربّي يعلم الشرّ الذي كنتُ سأدخله لو ربحت".
حين تنفتح أمامك الأبواب، لا تدخلها فورًا، بل سلِ الله أن يريك حقيقتها.
حين تتأخر الأرزاق، قل: "اللهم لا تُعطني ما أريده إذا كان سيحرمني ما أحتاجه".
اجعل هذا الدعاء قاعدة حياتك: "خير ما يعلم الله لي، لا ما أظنّه أنا خيرًا".
من فوّضَ علمَه إلى علم الله، استراح من قلق الغيب، لأن ما اختاره الله لك، خيرٌ مما كنتَ ستحرص عليه بنفسك.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day