1. المقالات
  2. من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
  3. الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ

الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ

الكاتب : الدكتور محمد بكر إسماعيل
1806 2019/07/22 2024/04/16
المقال مترجم الى : English हिन्दी اردو

 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ". 
هذه الوصية حكمة بالغة، ونصح رشيد، وقاعدة من أهم القواعد التي تبنى عليها العلاقات الشخصية والصلات الاجتماعية، وهي – كما ترى – قليلة الألفاظ، حافلة بالمعاني الإنسانية، التي يدركها العقل السليم ويرتضيها، ولا يشك في بنفعها وبعد أغوارها في أعماق الخير وأجواء التعاون البناء في ظل الخُلُق الفاضل والسلوك النبيل.
 
وهذه الوصية إنما ينتفع بها من ملك عقلاً مدركاً لأبعاد الأمور وعواقبها، وقلباً نقياً، يرى بنور الله ما لا يراه الناظرون بأبصارهم.
 
إنها وصية أصقلتها التجارب، وأوحت بها العبقرية المحمدية على هذا النحو، الذي، الذي يعد من جوامع كلمه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –.
 
وإن شئت قلت: إنها وحي من السماء، أجراه الله على لسانه الذي تعطر بعطره الأنام.
 
وهذه الوصية – كما ترى أيها القاريء الكريم – مؤلفة من جملتين – إحداهما خبرية، والأخرى طلبية، مبنية عليها، مستمدة منها، مقرونة بها بالفاء الواقعة في جواب شرط مقدر، فكأنه قيل: الرجل على دين خليله، فمن عرف ذلك وأيقن به فليختر بالنظر الدقيق من يصحبه ويماشيه.
وبعد هذه المقدمة نشرع في بيان ما اشتمله هذا الحديث من اللطائف والحكم، والعظات والعبر فتقول:
"الرَّجُلُ" في الحديث لفظ بمعنى: المرء، فيشمل بعمومه الذكر والأنثى.
 
وفي رواية: "المرء عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ". والمعنى واحد، ولكن لفظ الرجل أبلغ بالنسبة لهذه الوصية؛ فإن الرجل من اتصف بالرجولة والفحولة.
 
والرجولة: قوة جسمية وعقلية، وشجاعة أدبية، وشهامة ومروءة إنسانية، وسلوك معتدل، وتجاوب وجداني مع الناس، واتجاه حميد في معالجة الأمور على ضوء ما جاءت به شريعة الإسلام، يفهم هذا كله وما في معناه من قوله تعالى في الثناء على عمار بيوته:
{ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } (سورة النور: 37).
 
ومن قوله تعالى في الثناء على المجاهدين في سبيله: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } (سورة الأحزاب: 23).
 
وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ" معناه: أنه يتأثر بأحواله وأقواله وأفعاله، حتى يجد نفسه قد سلك مسلكه باختياره تارة ومن غير شعور تارة أخرى، وربما صار نسخة منه في العادات والمعاملات، كما يوحي به الحرف "عَلَى"، فهو هنا للتمكن والاستعلاء.
 
فإذا صحب الرجل رجلاً مدة طويلة وكان أقل منه عقلاً وعلماً وخبرة تمكن من خُلُق صاحبه، وتمكن خلق صاحبه منه، واستعلى كل منهما على الآخر متى كان أقوى منه مادياً ومعنوياً.
 
ونستطيع أن نقول: إن المؤثر منهما استعلى على صاحبه، فأسره بقوة التأُثير، فكان معه إمعة، يأمر بأمره وينتهي بنهيه، ويمشي معه كما يمشي الخادم خلف مخدومه.
 
والمتأثر يسير على نهجه، فيستعلى بهذا التقليد – في زعمه – على أقرانه فيقول في نفسه أو يصرح لهم: أنه بصحبته لفلان صار أرفع منهم شأناً وأعلى منهم منزلة وأقدر على تحقيق المآرب منهم، إلى آخر ما هنالك من الدعاوي.
وقد تكون صحبته لفلان هذا وبالاً عليه في الدنيا والآخرة.
 
وقد جرت العادة أن قرين السوء يكون في الغالب أشد تأثيراً على قرينه الصالح؛ لأن الشيطان مع قرين السوء دائماً، بالإضافة إلى ما يملكه قرين السوء من المغريات والمفسدات.
 
فالشاب الذي يصحب من يشرب الدخان سرعان ما يحاكيه في ذلك, بينما لا يستطيع المقلع عن شرب الدخان أن يحمله على تركه.
 
وهكذا قل في كل قرين معه شيطانه ومغرياته يقترن بآخر سليم القلب حسن الخُلُق، لا خبرة بمواطن الشر ومكامنها. ولذا قال الحكماء: من جالس العلماء وقر، ومن جالس السفهاء حُقر.
 
وقال أبو العتاهية:
    اختر صديقك واصطفيه تفاخراً            إن القـريــن إلى المقــارن ينـسب
    واحــذر مصاحبـة اللئيــم فإنه              يعدى كما يُعدى الصحيح الأجرب.
 
وقال آخر:
    إذا كنت في قـوم فصاحب خيارهم         ولا تصحب الردي فتردى مع الردي
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه        فكــل قـــريــن بــالمقـــارن يــقتـــدى
 
ودين المرء معناه في الحديث: اتجاهه ومنهجه، ومذهبه وطريقته، وعادته وسلوكه، وعقيدته وما إلى ذلك مما يتميز به.
 
وهذا كقوله تعالى حكاية عن يوسف – عليه السلام - : { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ } (آية: 76). أي في حكمه وقانونه، الذي يطبقه في بلاده.
 
فالدين لفظ يطلق على العقيدة، ويطلق على الجزاء، وعلى الخُلُق والعادة.
 
وعلى ذلك ينبغي أن نفهم أن الرجل إذا قال لأخيه: "يلعن دينك" في حالة الغضب لا نحكم عليه بالردة ونجري عليه أحكامها: من فراق زوجته وغير ذلك؛ فإنه في الغالب لا يلعن دين الإسلام، ولكن يلعن طريقة صاحبه في المعاملة.
 
ولنا أن نسأله بعد ذهاب غضبه: ماذا أردت بكلمة الدين؟ هل أردت أن تلعن الإسلام؟، فإنه في الأغلب الأعم يقول لك: كلا، ما أردت أبداً أن أسب الإسلام، حاشا لله، إنما أردت أن أسب فلاناً على سوء معاملته لي وعدوانه عَلَيَّ ونح لك، فكيف نحكم عليه بالردة.
إن الحكم عليه بالردة في هذه الحالة هوس فكري، وخطأ شنيع بكل المقاييس.
 
ولهذا موطن آخر، يكون الكلام فيه أوفى وأتم.
والخليل في اللغة: هو من كانت بينك وبينه خلة، أي: محبة وحسن صحبة.
 
وقد يكون للمرء أكثر من خليل يؤاخيه ويماشيه، ويصحبه في حله وترحاله ويكون له كظله، وتتعمق الصلة بينهما حتى يكونا كرجل واحد.
 
والخُلَّةُ خلتان: خلة تقوم على التقوى، وخلة تقوم على الهوى الجامح والتيار المنحرف.
 
أما الأولى: فإنا لا تنقطع في الدنيا ولا في الآخرة.
وأما الثانية: فإنها إن ظلت موصولة في الدنيا فلا بقاء لها في الآخرة، بل تنقلب وبالاً على أصحابها.
 
فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
 
قال تعالى: { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } (سورة الزخرف: 67).
 
وقد قال الله عن المتقين في الجنة: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } (سورة الحجر: 47).
إذا عرفت هذا، أدركت بحق قيمة هذه الوصية، وفهمت أبعادها: وهي قوله: "فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ".
 
والنظر معناه: البحث الدقيق المتأني عن الصديق المطاوع، الذي يصدقك الود في حديثه وأخباره وسائر أعماله، ويؤثرك على نفسه، أو يحبك كما يحب نفسه، أو يعينك في أمور دينك ودنياك بقدر طاقته، وتألفه ويألفك.
 
والصدقة إنما تقوم على العدل والفضل، والحلم والعفو، والإخلاص والمعروف والتقوى، والحب والتفاهم والاتفاق في العقيدة والأخلاق.
 
فمن قصر في أصل من هذه الأصول، فليس بصديق، ولكن يطلق عليه وصف آخر أقل منه، كالرفيق والزميل والصاحب ونحو ذلك.
 
يقول عَلي – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ –:
إن أخاك الحـق مـن كان معك              ومن يضر نفسه ليجمعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك              شـتت فيـه شمله ليجمـعك
 
وهذان البيتان يعبران عن أخوة لم تعرف إلا في عصر الإسلام الأول، وبين قوم من أجلاء الصحابة، كالأنصار والمهاجرين الأول، كما سيأني بيانه في الحديث الآتي، وبالله التوفيق.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day