البحث
الحديث السابع عشر: (استشهاد عبد الله بن حرام)
روى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:
لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: مَا أُرَانِي إِلَّا مَقْتُولًا فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنِّي لاَ أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ، غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فَاقْضِ، وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا، «فَأَصْبَحْنَا، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ»
المعاني:
لَمْ تَطِبْ نَفْسِي: لم ترتح نفسي.
هُنَيَّةً: تصغير هُنا، أي: قريباً.
غَيْرَ أُذُنِهِ: أثر تغير بسيط في أذنه.
الفوائد (25 فائدة):
الفوائد العقائدية:
1. محبة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من النفس والولد، وهو من علامات كمال الإيمان.
2. حب الدين والجهاد في سبيل الله تعالى أشد عند أهل الإيمان الصادق من حب الأولاد ومتاع الحياة الدنيا.
3. إثبات الكرامات للمؤمنين، وهنا كرامتان: شعور عبد الله بدنو أجله فكان أول شهيد في معركة أحد، وعدم أكل الأرض لأجساد شهداء أحد.
*الفوائد الفقهية: -*
1. استحباب الوصية قبل الموت.
2. حب الأبناء والتعلق بهم ليس عذرا لترك الجهاد الواجب.
3. جواز محبة أحد الأبناء محبة زائدة على غيره من اخوته، بشرط أن لا يؤثر ذلك على العدل بين الأبناء.
4. جواز استخراج جثمان الميت ونقله لمصلحة.
5. جواز دفن اثنين في قبر واحد لضرورة، وقد وقع في أُحد دفن ثلاثة في قبر واحد.
6. يجب على الورثة قضاء ديون الميت.
7. "فكان أول قتيل" فيه عدم جواز إطلاق وصف شهيد على القتيل بغير خبر صحيح من الوحي، لأنه من علم الغيب، ولكن نقول نحسبه شهيدا.
الفوائد العامة:
1. من فضائل وكرامات عبد الله بن حرام: توقعه قتله، وعدم أكل الأرض جسده، وتظليله بأجنحة الملائكة، وتكليم الله له بغير واسطة.
2. الوصية بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديم محبته على محبة كل شيء حتى الولد والنفس.
3. حب الآباء للأبناء فطري ويحملهم على الانشغال بهم في حياتهم وبعد موتهم، فيكون منهم الوصية بهم والادخار لهم.
4. إقدام الصحابة وشجاعتهم وخوضهم المعارك رغم أنها مظنة القتل نصرة لدين الله.
5. شدة ما كان عليه الصحابة من الفقر والمعاناة وكثرة العيال.
6. الوصية للابن بحفظ ورعاية أخوته الصغار وقد قام بها جابر رضي الله عنه خير قيام فقد تزوج ثيبا للقيام بشئون أخواته.
7. كان لجابر بن عبد الله تسع أخوات هو أكبرهم ولم يكن له أشقاء ذكور، وكان عمره يومها نحو 19 سنة ولم يكن تزوج.
8. قد يشعر بعض المؤمنين بدنو الأجل وهذا من الكرامات الربانية لأولياءه.
9. غيرة الولد على أبيه ومحبته له، فلم يطق جابر أن يكون أحد مع أبيه في قبره فاستخرجه بعد ستة أشهر ليكون له قبر خاص.
10. كثرة شهداء أحد، وضعف المسلمين بسبب كثرة الجراح، والتعجل للاستعداد لمعركة أخرى وشيكة مع كفار قريش، كانت الضرورة التي أجازت ضم أكثر من شهيد في قبر واحد.
11. قضاء الدَّين عن الميت وخاصة الشهيد، فإن الدَّين لا يغفر له كما روى مسلم "يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ".
12. (فأصبحنا) تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقاتل أعدائه في أول النهار، وكان هذا هو الغالب، فإذا لم يقاتل أول النهار أخَّره إلى ما بعد زوال الشمس.
13. ترابط الأسرة المسلمة وتراحمها فيما بينها كالجسد الواحد، فطرة سليمة ودين نتعبد به.
*الفوائد الحديثية: -*
1. هذا الحديث يعد حديثا نبويا بالرغم من أنه ليس فيه شيء من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه حوى إقراره صلى الله عليه وسلم لاستخراج جثة عبد الله بن حرام وإعادة دفنها في قبر منفصل، فهي سنة تقريرية وليست قولية، وهي أحد فروع الحديث النبوي.
2. جابر بن عبد الله رضي الله عنه أحد السبعة المكثرين من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جاوزت أحاديثهم في الكتب الستة أكثر من ألف حديث لكل منهم.