1. المقالات
  2. تدبر حديثًا
  3. الحديث السابع والعشرون: (أتشفع في حد من حدود الله)

الحديث السابع والعشرون: (أتشفع في حد من حدود الله)

تحت قسم : تدبر حديثًا
2755 2020/09/02 2020/09/03
المقال مترجم الى : English Español
الحديث السابع والعشرون: (أتشفع في حد من حدود الله)

روى الشيخان واللفظ لمسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ! فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَطَبَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا. ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ، وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

المعاني: 

أَهَمَّهُمْ: أصابهم الهم واستعظموا أمر قطع يد قرشية من بني مخزوم، وهم من أشرف بيوت قريش.

حِبُّ رَسُولِ اللهِ: محبوب رسول الله، لأنه ابن زيد بن حارثة الذي كان يدعى زيد بن محمد قبل إبطال التبني، فكأنه بمنزلة ولد ولده، وأمه أم أيمن مُربية رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أمه آمنة بنت وهب.

فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ: تغير لون وجهه من شدة الغضب.

حَدٍّ: له معنيان: الأول هو الشيء الذي بيَّن الله تحريمه وتحليله، وأمر أن لا يتعداه، والثاني هو العقوبة التي جعلها الله لمن تعدى أمره.

الْعَشِيُّ: الوقت بين الظهر والمغرب.

فَاخْتَطَبَ: خطب خطبة، ولكن مع مبالغة في الموعظة والتخويف.

الفوائد ( 37 فائدة) 

الفوائد العقائدية: 

1. وجوب التحاكم إلى شريعة رب العالمين في جميع مناحي الحياة، وأنه لا يمكن استبدالها بأي قوانين بديلة من وضع البشر، ففي إحدى روايات الحديث أن قريشاً أرادت أن تفدي تلك المرأة بأربعين أوقية من الذهب، فلم يقبل منهم رسول الله ذلك.

2. قد ينقص إيمان المرء حتى توسوس إليه نفسه ويقع بعمل شنيع كالسرقة فيتوب الله عليه.

3. "استغفر لي يا رسول الله" فيه جواز التوسل إلى الله عز وجل بطلب الدعاء من العبد الصالح الحي الحاضر.

4. الحدود والتوبة تسقط ما قبلها في الدنيا ولا يؤاخذ صاحبها في الآخرة، ومن لم يحد أو لم يتب في الدنيا فهو في مشيئة الله يوم القيامة، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.

فوائد في الشفاعة الدنيوية: 

1. هي انضمام فرد لآخر في المطالبة له بحق أو دفع ظلم وقع عليه، وهي نوع من التعاون على البر والتقوى، وهي من حقوق المسلم على أخيه.

2. الشفاعة مستحبة لقوله تعالى:

(من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها)

(النساء: 85)

ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء".

3. لا يجوز الشفاعة في إبطال حق أو إحقاق باطل، لقوله تعالى:

(ومن يشفع شفاعة سيئةً يكن له كفلٌ منها)

(النساء: 85)

، ولما ورد في حديثنا من نهي أسامة بن زيد عن ذلك.

4. الحدود في الحقوق العامة للشرع أو ما يُعرف بالجرائم المجتمعية كالسرقة والزنا - والتي تؤثر في حال وقوعها على المجتمع بأسره - إذا رفعت إلى القاضي أو الحاكم، فلا مجال للشفاعة أو العفو عنها، أما قبل رفعها فيجوز الستر أو العفو عنها. 

5. تجوز الشفاعة في التعزيرات دون الحدود ما لم يتعلق به حق لآدمي.

6. لا يجوز تقاضي أجر على الشفاعة، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الجاه، والجاه هو المكانة الاجتماعية التي لأجلها تقبل الشفاعة.

7. يُفضَّل أحيانا أن يشفع الشافع بحضرة المشفوع له ليكون أعذر له عنده إذا لم تقبل شفاعته لقوله: "فأُتي بها". 

8. المشفوع عنده ليس ملزما شرعا بقبول الشفاعة، فقد شفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند امرأة لترجع لزوجها بعد فراقهما، فلم تقبل شفاعته، ولم تأثم لذلك، لأنه لم يكن يأمرها أمرا شرعيا ولكن كان ساعيا للإصلاح صلى الله عليه وسلم.

فوائد في الحدود الشرعية: 

1. يجب على الإمام إقامة الحدود الشرعية إذا بلغته. 

2. لا يجب على الإمام تنفيذ إقامة الحد بنفسه، وله أن ينيب عنه من ينفذه.

3. عقوبة قطع اليد موجودة من قبل الإسلام وجاء الإسلام بإقرارها.

4. المحاباة بين الناس على أساس الطبقات والطوائف الاجتماعية في تنفيذ الحدود الشرعية سبب هلاك الأمم. 

5. الحدود كفارات ومطهرات، ولا يؤاخذ صاحبها في الآخرة والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. 

6. البركات والخيرات التي تحل على الأمة بإقامة الحدود يشهد لها الحديث الذي حسنه الألباني من حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

"إقامة حد من حدود الله خير من مطر أربعين ليلة في بلاد الله عز وجل".

الفوائد الفقهية: 

1. جواز الخطبة عند الحاجة. 

2. جواز الصعود على المنبر في غير الجمعة.

3. استحباب تقديم الحمد والثناء على الله عز وجل قبل الشروع في موضوع الخطبة.

4. جواز الحلف من غير استحلاف وهو مستحب لتفخيم أمر مطلوب.

الفوائد العامة: 

1. الغضب في إنكار المنكر. 

2. لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب لنفسه أبدا، وإنما يغضب إذا انتُهكت حرمات الله.

3. العدل أساس الملك.

4. الاعتبار بأحوال من مضى من الأمم السابقة. 

5. ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل ببنته فاطمة، إما لشدة حبه لها، أو لأنه لم يكن وقت الواقعة من بناته حيا سواها، وقيل لأن اسمها يطابق اسم المرأة السارقة.

6. ضرب المثل بكبير القدر والمقام للمبالغة في الزجر.

7. فضل أسامة بن زيد، وشدة محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم له.

8. حداثة السن وقلة الخبرة سبب رئيس في عدم فهم مقاصد الشرع من أحكام وتكاليف، مما ينتج عنه إشكالات لا حصر لها، فأسامة بن زيد رضي الله عنه تصدر للشفاعة لهذه المرأة في حداثة سنه، في حين تأخر عنها أشياخ الصحابة وعلمائهم.

9. عمل أسامة بقول الله تعالى:

(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)

(النساء:64)

عندما طلب الاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

10. عدم تقديم المحبة الفطرية الغريزية على محبة الله وطاعته والانقياد لما أمر به، فرسول الله صلى الله عليه وسلم مع حبه الشديد لأسامة بن زيد لم يقره في مخالفة الشرع، بل زجره بغضب أيضا.

11. احتضان المجتمع المسلم لصاحب الذنب أو المعصية إذا تاب إلى الله عز وجل ومؤازرته على الثبات على طريق الاستقامة، وعدم تذكيره أو معايرته بما كان منه قبل وقوع التوبة.

12. عدم التشهير بذكر اسم المرأة مع أن عائشة رضي الله عنها تعرفها، إذ لا حاجة لمعرفة اسمها والأصل هو الستر على المسلم

13. (وتزوجت) وقوع هذه المرأة في كبيرة السرقة، لا يُخرجها من مواصفات الزوجة الصالحة ذات الدين، إذ أنها تابت إلى الله وحسُنت توبتها

14. فقه عائشة رضي الله عنها حيث عرضت القصة بشكل متوازن، فقد حتمت الأمانة العلمية ذكر الواقعة وتفاصيلها، ثم أتبعت ذلك بذكر توبة المرأة والثناء على دينها.

15. تواضع ورأفة عائشة رضي الله عنها حيث كانت تستقبل المرأة بعد ذلك وترفع حاجاتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.


المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day