البحث
وإذا زارته إحداهن قام معها يشيعها حتى ولو كان معتكفاً:
فعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت فانقلبت، فقام معي؛ ليقلبني، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم؛ أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"على رسلكما إنها صفية بنت حيي"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا".
فتأمل كيف قام معها من المعتكف؛ ليرجعها إلى البيت، ليحميها ويرعاها، مع أن المعتكف لا يخرج من المسجد إلا لضرورة.
أبيــاتنـا بالحـب نبنيهــا زوجاتنا قد نورت فيها
بالبـر والتقـوى نعمرها وبسنــة المختــار نجييها
هذا رســول الله قدوتنـا تكفيــك سـنـتــه وتكفيهــا
يبــدي محبتـه لزوجتـه وسـواه يستعـلي فيخفيهـا
بـدعابـة منه يضاحكها وبأجمـل الأسمــا يناديهـا
قبل الخروج دنا يقبلها ذكرى لها فمـه على فيها
مــا مد يوماً كفه بأذى بل تلك نبع الخير يجريها
لقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته الطاهرات حياة سعيدة طيبة؛ إذا كانت تطبيقاً عملياً دقيقاً لقوله تعالى:
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ }
[النساء: 19]
فلا عجب بعد ذلك أن نرى النبي صلى الله عليه يتحدث عن حياته الزوجية بقوله صلى الله عليه وسلم:
"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"
وقال صلى الله عليه وسلم:
"أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً"
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام أنه ضرب امرأة أو حقرها، فعن عائشة رضي الله عنها قال: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله"
وأين هذا من حال بعض الرجال اليوم، تجد الرجل تمتد يده إلى زوجته، ويضربها إما على وجهها، أو رأسها، أو ظهرها، وربما استخدم عصاً، أو حذاء، أو غير ذلك، لأتفه الأسباب.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تضربوا إماء الله"، فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرن النساء على أزواجهن [أي: نشزن عليهم واجترأن]، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم"
"أي: أن الرجال الذين يضربون نساءهم ليسوا بخياركم، بل خياركم لا يضربون نساءهم ويتحملونهن"
ولذا قالت العرب: "لا يكرمهن إلا كريم، ولا يهينهن إلا لئيم، يغلبن الكرام، ويغلبهن اللئام".
وقد أوصى صلى الله عليه وسلم بالرفق بالنساء، فقال:
"استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً"
"في هذا الحديث: الحث على الرفق بالنساء واحتمالهن، وملاطفة النساء والإحسان إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمالهن.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"إن المرأة خلقت من ضلع، وإنك ترد إقامة الضلع تكسرها، فدارها تعش بها"
فمن الواجب على الرجل أن يصبر عليها، ويتحمل ما يصدر منها.
وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يكرر هذه الوصية كلما حانت الفرصة.
ففي خطبة حجة الوداع أفر لها جانباً من خطبته العظيمة حيث قال:
"ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم [أي: أسيرات]، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك..."
وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر وصيته بالنساء؛ لما يعلمه من حالهن التي قد لا يقدر على تحملها بعض الرجال الذين لا يملكون أنفسهم عند الغضب؛ فيحمله عوج المرأة على أن يفارقها فيتفرق شمله، وتتشتت أسرته وأهله.
ولذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج في حديث آخر إلى ما فيه صلاح أحوالهم مع أسرهم فقال: "لا يفرك – أي: لا يبغض – مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقاً، رضي منها آخر".
"أي: ينبغي أن لا يبغضها؛ لأنه إن وجد فيها خلقاً يكره؛ وجد فيها خلقاً مرضياً، بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة، أو جميلة، او عفيفة، أو رفيقة به، أو نحو ذلك".
وهكذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حسن العشرة مع زوجاته، دائم البشر، حريصاً على إدخال السرور إلى نفوسهن، يجلس إليهن، ويأكل معهن، ويحادثهن، ويمازحهن، ويشاورهن ويستمع إليهن، ويواسيهن، ويطمئن عليهن، ويتغاضى عن تقصيرهن وأخطائهن.