البحث
وكان ﷺ لا يتهاون معهم فيما يتعلق بأمور التوحيد
فقد قدم وفد ثقيف على رسول الله ﷺ بالمدينة فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يومئذ، وفيهم عثمان بن أبي العاص بن بشر، وهو أصغر الوفد، ويريدون الصلح والقضية حين رأوا أن فتحت مكة وأسلمت عامة العرب فمكث الوفد يختلفون إلى رسول الله ﷺ وهو يدعوهم إلى الإسلام فقال له ابن عبد ياليل: هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى أهلنا وفومنا؟
فقال رسول الله ﷺ:( نعم إن أنتم أقررتم بالإسلام قضيتكم، وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم)
قال ابن عبد ياليل: أرأيت الزنا؟ فإنا قوم نغترب لا بدلنا منه، ولا يصبر أحدنا على العزبة
قال:( هو مما حرم الله على المسلمين،
يقول الله تعالى
(ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا)
قال: أرأيت الربا؟
قال:( الربا حرام)
قال:فإن أموالنا كلها ربا
قال: لكم رءوس أموالكم يقول الله تعالى:( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا إن كنتم مؤمنين)
قال: أفرأيت الخمر؟فإنها عصير أعناقنا، لا بد لنا منها
قال:( فإن الله قد حرمها، ثم تلا رسول الله ﷺ:
( يأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)
فارتفع الفوم،وخلا بعضهم ببعض،فقال ابن عبد ياليل: ويحكم نرجع إلى قومنا بتحريم هذه الخصال الثلاث، والله لا تصبر ثقف عن الخمر أبدا، ولا عن الزنا أبدا
قال سفيان بن عبد الله: أيها الرجل إن يرد الله بها خيرا تصبر عنها، قد كان هؤلاء الذين معه على مثل هذا،قصيروا وتركوا ما كانوا عليه. مع انا نخاف هذا الرجل قد أوطأ الأرض غلبة،ونحن في حصن في ناحية من الأرض،والإسلام حولنا فاش، والله لو قام على حصننا شهر لمتنا جوعا،وما أرى إلا الإسلام، وأنا أخاف يوما مثل يوم مكة! وكان رسول الله ﷺ يرسل إليهم بالطعام، فلا يأكلون منه شيئا حتى يأكل منه رسول الله ﷺ حتى أسلموا .
قالوا: أرأيت الربة ما ترى فيها؟
قال:( هدمها).
قالوا: هيهات لو تعلم الربة أنا أوضاعنا في هدمها قتلت أهلنا.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ويحك يا ابن عبد ياليل، إن الربة حجر لا يدري من عبده ممن لا يعبده.
قال ابن عبد ياليل: إنا لم نأتك يا عمر فأسلموا، وكمل الصلح، فلما كمل الصلح كلموا النبي ﷺ يدع الربة ثلاث سنين لا يهدمها .
فأبى. قالوا:سنتين فأبى. قالوا: سنة فأبى. قالوا: شهرا واحدا.
فأبى أن يوقت لهم وقتا وإنما يريدون بترك الربا لما يخافون من شفائهم والنساء والصبيان، ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها.فسألوا النبي ﷺ أن يعفيهم من هدمها.
قال: رسول اللهﷺ:( سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها) فكاتبته على ذلك، واستأذنته أن يسبقوا رسله إليهم، فلما جاءوا قومهم تلقوهم فسألوهم: ما وراءكم؟ فأظهروا الحزن وأنهم إنما جاءوا من عند رجل فظ غليظ قد ظهر بالسيف، يحكم بما يريد وقد دوخ العرب ،قد حرم الربا و الزنا و الخمر، وأمر بهدم الربة فنفرت ثقيف وقالوا: لا نطيع لهذا أبدا
قال: فتأهبوا للقتال وأعدوا السلاح، ومكثوا على ذلك يومين أو ثلاثة ثم ألتقى الله في قلوبهم الرعب، فرجعوا وأنابوا وقالوا: ارجعوا إليه فشاركه على ذلك و صالحوه عليه.
قالوا: فإنا قد فعلنا ذلك،ووجدناه أتقى الناس، وأوفاهم، وأرحمهم، وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه وفيما قضيناه عليه.
قالوا: فلم قتلتمونا هذا أولا؟
قالوا: أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان فأسلموا ومكثوا أياما ثم قدم عليهم رسل رسول الله ﷺ وقد أمر عليهم خالد بن الوليد، وفيهم المغيرة بن شعبة وقد استكفت ثقيف كلها، الرجال و النساء والبيان، حتى خرج العواتق من الحجال، ولا يرى عامة ثقيف أنها مهدومة ويظنون أنها ممتنعة فقام المغيرة بن شعبة فأخذ الكرزين يعنى المعلول وقال لأصحابه:والله لأضحك لكم من ثقيف فضرب بالمعول ثم سقط، يركض برجله فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة، وفرحوا وقالوا: أبعد الله المغيرة قتلته الربة! وقالوا لأولئك: من شاء منكم فليقترب.
فقام المغيرة فقال يا معشر ثقيف،كانت العرب تقول ما من حي من أحياء العرب أعقل من ثقيف، وما من حي من أحياء العرب أحمق منكم،ويحكم وما اللات والعزى، وما الربة؟ حجر مثل هذا الحجر، لا يدري من عبده ومن لم يعبده ثم إنه ضرب الباب فكسره ثم علا سورها وعلا الرجال معه، فما زالوا يهدمها حجرا حجرا حتى سووها بالأرض وجعل سادنها يقول: ترون إذا انتهى على أساسها يغضب الأساس غضبا يخسف بهم فلما سمع ذلك المغيرة قال لخالد: دعني أحفر أساسها فحفروا حتى أخرجوا ترابها وجمعوا ماءها وبنائها وبهتت عند ذلك ثقيف.
ثم رجعوا إلى رسول الله ﷺ فقسم أموالها من يومه،وحمدوا الله تعالى على إعزاز دينه ونصرة رسوله.
المراجع
- دلائل النبوة للبيهقي[5/386] السيرة النبوية لا بن كثير [4/62] زاد المعاد[3/521]