البحث
لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ
تحت قسم :
من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
1929
2019/11/26
2024/11/14
عَنْ عَائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
الهجرة في سبيل الله محط أنظار المسلمين ومنتهى بغيتهم في كل زمان ومكان، لا يغفلون عنها بجمع حطام الدنيا والتفاني في طلبها، كما يفعل الكثير ممن تلهيهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله، فهم مهاجرون في سبيل الله دائماً إما بأموالهم وأنفسهم أو بنياتهم.
فالهجرة هجرتان: هجرة بالجسد، وهجرة بالروح. وإن شئت قلت: هجرة بالعمل، وهجرة بالنية.
والهجرة بالجسد هجرتان: هجرة طلب، وهجرة هرب.
والهجرة بالروح هجرتان أيضاً: هجرة من المعاصي إلى الطاعات، وهجرة من الله إليه، إذ لا منجاة منه إلا إليه.
والهجرة بالعمل هجرة بالجسد والروح معاً.
والهجرة بالنية هي المعول عليها في صحة الأعمال وقبولها.
وقد تكلمنا عن الهجرة في سبيل الله بشيء من التفصيل في حديث: "سافروا تربحوا".
وهذا الحديث الذي نحن بصدد شرحه والنظر في مقاصده الشرعية ولطائفه البيانية، يتضمن ثلاثة أصول رئيسية:
الأصل الأول: في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ".
الأصل الثاني: في قوله: "وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ".
والأصل الثالث: في قوله: "وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
وإليك بيان هذه الأصول الثلاثة وما يتعلق بها من أحكام وحكم.
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ" جملة خبرية في اللفظ طلبية في المعنى، أي: لا تهاجروا من مكة بعد أن فتحها الله عليكم ودانت لكم رقاب المشركين وأمنتم على أنفسكم وأموالكم من مكايدهم.
وجاء الأمر بأسلوب الخبر لأمرين متلازمين:
الأول: لحكاية الحال، كأن الأمر بعدم الهجرة واقع فعلاً لا يحتاج إلى تنبيه ولا إلى إرشاد؛ لعدم وجود ما يدعو إليها، ولأن من كان في مكة فإنه يحصل على أصول النعم الدنيوية والأخروية معاً.
وقد ذكرنا في وصية سابقة أن النعم الدنيوية كلها مجموعة في أصلين: هما الأمن والرخاء، وهما متحققان في مكة.
قال جل شأنه: { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ } (سورة قريش: 3-4).
وقال تعالى: { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا } (سورة البقرة: 125).
وقال عز من قائل: { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } (سورة القصص: 57).
والرخاء يتبع الأمن ويمشي في ركابه، والأمن مشتق من الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة.
والمؤمنون في مكة يجدون الخير قادماً عليهم من كل فج عميق؛ تحقيقاً لدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام: { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } (سورة إبراهيم: 37).
وصلاتهم في البيت بمائة ألف صلاة، فهم بالطبع لا يفضلون الخروج منها إلى غيرها، فكان قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ" حكاية حال وإخباراً بما هو واقع. هذا هو الأمر الأول.
وأما الأمر الثاني فهو المقصود بالذات، وكان الأمر الأول توكيداً وتقريراً له على النحو الذي كثر وروده في القرآن.
كقوله تعالى: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } (سورة البقرة: 228).
{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } (سورة البقرة: 233).
{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } (سورة البقرة: 234).
{ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ } (سورة يوسف: 47).
{ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } (سورة الروم: 30).
والمعنى: فليتربصن، وليرضعن، وازرعوا، ولا تبدلوا خلق الله، أي فطرته التي فطركم عليكم.
وهو أسلوب بليغ ينبغي أن يفطن إليه طلاب العلم ويسبروا أغواره.
وهناك تأويل آخر حكاه أهل العلم في معنى هذه الفقرة من الحديث فقالوا: ليس المراد بقوله: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ"النهي عن الهجرة، ولكن المراد – والله أعلم – أنه لا هجرة تعدل الهجرة قبل الفتح.
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } (سورة الحديد: 10).
والتأويلان في نظري صحيحان متلازمان، لا يأباهما النص.
فيكون المعنى: لا هجرة أعظم من الهجرة قبل الفتح، ولا تهاجروا من مكة بعد أن فتحت لكم إلا لضرورة؛ فإن الضرورات تبيح المحظورات.
أما الهجرة قبل الفتح أفضل من الهجرة بعدها فلا نزاع فيه؛ لأنها كانت طلباً لنشر الإسلام وتحقيقاً للموقع الذي ينطلقون منه إلى محاربة الشرك وأهله، وهرباً من الفتنة وهي الكفر والضلال، ولأن المسلمين الذين هاجروا مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا هم الصفوة من أصحابه والخيرة من رجاله.
ولذلك كان نفي الاستواء في الآية بين المهاجرين قبل والمهاجرين بعد منصباً على الأشخاص لا على أعمالهم، فالكل قد قاتل وأنفق.
ومعنى الآية كما قال الرازي: "لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ، وَمَنْ أَنْفَقَ بَعد الْفَتْحِ"، كما قال تعالى: { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } (سورة الحجر: 20). إلا أنه حذف لوضوح الحال.
والمراد بهذا الفتح فتح مكة؛ لأن إطلاق لفظ الفتح في المتعارف ينصرف إليه.
وقد جعل علماء التوحيد هذه الآية دليلاً على فضل من سبق إلى الإسلام وأنفق وجاهد مع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الفتح؛ وذلك لأنهم نصروا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم قلة وأعداؤهم كثرة، وتحملوا عبء الدعوة في وقت عصيب.
يدل على ذلك قوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (سورة التوبة: 100).
وقوله عليه الصلاة والسلام: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ". ا هـ.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ" معناه: ولكن الذي آمركم به وأرضاه لكم هو الجهاد في سبيل الله، والتوجه إلى الله، وحده بالأعمال الخالصة من شوائب الشرك والرياء.
والجهاد معناه في اللغة: بذل الجهد في الطلب.
ومعناه في الشرع: بذل الجهد في قتال العدو؛ لإعلاء كلمة الله تعالى.
وقسم العلماء الجهاد إلى قسمين: جهاد النفس، وجهاد العدو.
والحديث عام يشمل القسمين معاً، وهما متلازمان، فلن يستطيع المسلم أن يجاهد عدوه ويحرز النصر من الله عليه إلا إذا جاهد نفسه أولاً، فهذا هو الجهاد مع الله حقاً، ويأتي جهاد العدو تبعاً، ولذلك سماه العلماء: الجهاد الأكبر.
يقول الله عز وجل: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (سورة البنية: 5).
وقال جل وعلا: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (سورة الكهف: 110).
وقال عليه الصلاة والسلام: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى".
والنية تسبق العمل في الحصول على الأجر، فإذا نوى العبد عمل شيء لوجه الله تعالى ولم يوفق إليه، أو سبقه به غيره – فإنه يؤجر على نيته كما لو كان قام به.
فقد روى الشهاب في مسنده أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ".
وعند النسائي من حديث أبي ذر: "مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّيَ مِنْ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ حَتَّى يُصْبِحَ كُتِبَ لَهُ مَا نوَاه".
وفي حديث جابر بن عتبك أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده في سكرات الموت، فقالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيداً قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ"
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا" أي: إذا دعيتم للنفرة، وهي الخروج للقتال فاخرجوا؛ فإن الجهاد باق إلى يوم القيامة، وهو فريضة محكمة تتعين على كل مسلم بالغ عاقل، قادر على القتال أو على تمويل المقاتلين، أو على القيام بمصالحهم ومصالح أولادهم في غيبتهم.
وهو من أفضل الأعمال وأجلها قدراً وأعظمها أجراً.
يقول الله عز وجل: { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (سورة التوبة: 41). أي: اخرجوا للقتال على كل حال في المنشط والمكره، والغنى والفقر، والقوة والضعف.
ويقول جل شأنه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } (سورة الصف: 10-13).
وقال جل وعلا: { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } (سورة النساء: 95-96).
وقد أكد الله هذا الوعد الكريم بقوله جل وعلا: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (سورة التوبة: 111).
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
وروى الترمذي عن معاذ بن جبل أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في حديث طويل: "رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ".
وروى البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ رَجُلاً جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ: "لَا أَجِدُهُ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ؟" قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ!.
وروى البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أيضاً قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ – وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ – كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ".
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا".
وروى البخاري والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي عبس الحارثي قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقول:" وَمَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمه اللَّهُ عَلَى النَّارِ".
وروى أحمد والترمذي عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِعْبٍ فِيهِ عُيَيْنَةٌ مِنْ مَاءٍ عَذْبَةٌ فَأَعْجَبَتْهُ لِطِيبِهَا، فَقَالَ: لَوْاعْتَزَلْتُ النَّاسَ فَأَقَمْتُ فِي هَذَا الشِّعْبِ، وَلَنْ أَفْعَلَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "لَا تَفْعَلْ؛ فَإِنَّ مُقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَامًا، أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ الْجَنَّةَ، اغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ".
وروى أحمد والترمذي والنسائي عن عثمان بن عفان قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقول: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ".
والأحاديث في فضل الجهاد كثيرة جداً قد سبق الحديث عن بعضها، وسيأتيك طرف آخر منها، في مواضع متفرقة.
والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.