البحث
اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا
تحت قسم :
من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
1781
2019/11/12
2024/11/15
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: "اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"
قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا".
كان النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يعني عناية فائقة بتسوية الصفوف في الصلاة لأن الصلاة في جماعة دليل على ائتلاف القلوب وتآخيها على الإيمان، فكلما كانت الصفوف متساوية كالبنيان المرصوص كانت القلوب أشد اتفاقاً وائتلافاً على المودة والرحمة والإخلاص.
فالصلاة عماد الدين وركنه الركين، وهي برهان صحة الإيمان وسلامة اليقين، فكان الاجتماع عليها خير اجتماع عرفه المسلمون؛ لأنه يشبه اجتماع الملائكة الذين يصفون أنفسهم للصلاة في السماء.
وكلما اعتدلنا في القيام إليها وحاذينا المناكب والأكتاف، ولم نختلف بعد التسوية إلى تمام الصلاة – كنا أقرب إلى الملائكة وأشد شبهاً بهم.
وفي ذلك – أيضاً – دليل على أن القلوب غير مشغولة بشيء آخر أثناء الصلاة؛ لأن الشيطان يشغل قلب المسلم حين يدخل في الصلاة بما يصرفه عنها كلاً أو بعضاً فيضطرب حاله في الصلاة فيتقدم حيناً ويتأخر حيناً.
وربما جاءه الشيطان من الطريق الذي يحبه ويرضاه فيشير إليه أن يقدم فلاناً لأنه تأخر، ويؤخر فلاناً لأنه تقدم، ويلصق قدمه بقدم الذي عن يمينه تارة، والذي عن شماله تارة حتى لا يفتح فرجه للشيطان – في نظره – فإذا بالشيطان قد عشش في قلبه فأنساه ذكر ربه فأتى من الحركات ما يبطل صلاته وهو لا يشعر، أو يمنع قبولها لفوات الخشوع فيها، والخشوع روح الصلاة – كما تعلم – والفلاح منوط به كما دل عليه قوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } (سورة المؤمنون: 1-2).
وهذا الذي يقدم إنساناً ويؤخر آخر، ويلصق قدمه بقدم هذا وذاك – يكون سبباً في مضايقتهم وإحراجهم وذهاب الخشوع من قلوبهم.
إنهم ليسوا في حاجة إلى من يقدمهم أو يؤخرهم بعد أن دخلوا في الصلاة، فإن كانوا خاشعين فهم يثبتون في مواضعهم ولا يخرجون عن الصف الذي أقيموا فيه خطوة واحدة.
وإن فقدوا الخشوع فلن يستطيع أحد أن يردهم إلى ما كانوا عليه عند دخولهم في الصلاة؛ لأن قلوبهم قد اختلفت وذهبت مع الشيطان كل مذهب.
ومن هذا يتبين لنا لماذا كان النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يعني بتسوية الصفوف فيمسح الأكتاف ويجعلها متساوية تماماً. ولا يخفى ما في ذلك من المبالغة في مرضاة الله تعالى، والتنبيه على وجوب التعاون على البر والتقوى الذي لا يتحقق إلا بوحدة الصفوف وائتلاف القلوب.
وكم في أفعال النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – من إشارات لطيفة لم يفهمها الكثير من الناس، فيوفق الله الراسخين في العلم إلى استنباطها من أعماق الألفاظ والمعاني التي يرويها المحدثون لنا بدقة وأمانة.
ولننظر بعد هذا إلى ما في الحديث من الأحكام والعظات والعبر، حتى تجمع قلوبنا على العمل بما فيه من الإرشاد والتوجيه.
فقوله: "اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا" قول مدعم بالفعل، فقد كان يقول هذا وهو يمسح مناكبهم، مع أن مسح المناكب كان كافياً في الأمر بالتساوي. فجاء القول مؤكداً للفعل ومدعماً له.
والاستواء هو التراص في نسق واحد. بحيث تكون الأقدام متوازية والأكتاف متلاصقة.
والاختلاف ضد الاستواء، وهو يؤدي إلى اختلاف القلوب، أي تشتتها في أمور أخرى غير الصلاة.
فالتساوي في الصفوف يمنع من تفرقها؛ وذلك لأن تلاصق الأجسام لا ينسى المصلي أنه يصلي، ولكن إذا تقدم أو تأخر اختلف قلبه عن سائر قلوب المصلين فضاعت منه معالم الطريق إلى الله، وشرد ذهنه في أمور الدنيا فيبدو له أنه معهم وليس معهم، ويراه الناس يصلي وهو في الحقيقة لا يصلي.
إن تساوي الصفوف في الصلاة معناه: تساوي القلوب في طلب العفو والمغفرة والرحمة.
فمن نَدَّ عن الصف فقد فوت على نفسه هذه الروح الإيمانية المنبعثة من تلاصق الأجسام، واتباعهم للإمام في القيام والقعود والركوع والسجود.
وقد قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ".
أي لا تتم صلاة الجماعة على النحو الأمثل إلا بذلك، ولا يحصل ثواب الجماعة إلا لمن انتظم في الصف من أول الصلاة إلى آخرها.
ونحن نعلم من خلال الأحاديث الصحيحة المشهورة أن صلاة الجماعة تعدل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة.
وقد هدد النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – من يخالف الصف في أول الصلاة أو في أثنائها ولا يعود إليه إذا أحس بذلك فقال – عليه الصلاة والسلام: "لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ".
والمراد بمخالفة الوجه: الخصومة والقطيعة؛ فإن الأخيار تتلاقى وجوهكم على الحب والإخاء، بخلاف الأشرار فإن وجوههم لا تتلاقى إلا على العداوة والبغضاء.
وهكذا يكون حال المؤمنون في الجنة وحال المجرمين في النار، ويبعث كل امريء على ما مات عليه.
وتسوية الصفوف ليس معناها التراص فقط، بل معناه إتمامها بحيث لا يبنى صف إلا بعد أن يتم الآخر.
فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة أن النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: "أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله: وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصَّفُّوف الْأَوَّلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ".
ولكن ماذا يفعل من يجد الصفوف تامة؟ هل يقف وحده؟ أم ينوي ثم يأخذ واحداً من الصف؟
أقول: يكره له أن يصلي خلف الصف إذا كان هناك صف ناقص ولا تبطل صلاته، فإذا لم يكن هناك صف صلى منفرداً خلف الإمام.
لما روى البخاري أن أبا بكرة – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – دخل المسجد ونبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع، فركع دون الصف، فقال النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ".
ومعنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكرة: "وَلَا تَعُدْ" – بفتح التاء وضم العين – لا تعد إلى السعي الشديد والركوع دون الصف ثم المشي إليه وأنت راكع.
ويؤيده حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا أحدكم أتى الصلاة، فلا يركع دون الصف، حتى يأخذ مكانه من الصف".
وروى الحديث بلفظ "لَا تَعُدْ" بضم التاء وكسر العين – من الإعادة، أي: لا إعادة عليك.
وقد قال بعض الفقهاء: لا يقف في الصف وحده ولكن يأخذ رجلاً من الصف يقف معه.
والأصح أنه لا يفعل ذلك وهو مذهب مالك؛ لأننا أمرنا بسد الفرج لا بفتحها.
وقد جاء في المدونة أن مالكاً – رحمه الله – قال: من صلى خلف الصفوف وحده فصلاته تامة مجزئة ولا يجذب إليه أحداً، ومن جذب أحداً ليقيمه معه، فلا يتبعه. أ هـ.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الوصية العظيمة: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى" معناه: ليكن في مقربة مني في الصف الأول من كان ذا حلم – بكسر الحاء – وهو التثبت والأناة، وذا نُهية، أي: ذا عقل تنتهي إليه المعاني فيفقهها بدقة وتثبت، فالنهي جمع نُهية، وقيل هو مفرد فيقال للعقل نهي؛ لأنه ينتهي بصاحبه إلى الأمر الذي أريد منه.
ولكن لماذا أمر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك؟
أقول – والله أعلم – أمر بذلك لكي يعقلوا عنه ما يرونه وما يسمعونه منه، ولكي يستخلف واحداً منهم في الصلاة إذا خرج منها لعذر، ولكي يفتحوا عليه إذا طلب الفتح، بمعنى أنه لو تقف في القراءة قرأ عليه واحد منهم الآية التي أُنسيها فيواصل القراءة إلى آخرها.
هذا ولا يخفى ما في الصف الأول من الفضل، والفضل إنما يكون لأهل الفضل، فأولوا الأحلام والنهي أولى به من غيرهم.
وقد قالت عائشة – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ" وقد تقدم شرح هذا الحديث.
وليس معنى ذلك أن في الصلاة محاباة. كلا، لكن الأمر كما ذكرت لك أيها القارئ الكريم.
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الصف الأول منها ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا".
وربما وجد النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر الناس يستبقون إلى الصف الأول ويحرمون منه أولى الأحلام والنهي، وهم أولو الفضل والعلم، فلم يرد النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحرج هؤلاء المستبقين بتهيهم عن الاستباق، ولم يرد في الوقت نفسه أن يحرم أولي الأحلام والنهي عن حقهم في التقدم على من سواهم. ولا يعرف الفضل إلا أهله.
وقد قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" مرتين؛ ليتأكد لدينا عظمة الإسلام في تقديم من حقه التقديم من غير تكلف ولا اعتساف.
وليعلم كل امرئ من هو أفضل فيقدمه على نفسه من غير إحراج ولا إبطاء.
فأبو بكر مثلاً وعمر وعثمان وعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم في الصف الأول.
وعبد الرحمن بن عوف وحمزة بن عبد المطلب وبلال بن رباح وعمار بن ياسر في الصف الثاني وهكذا.
ولكن ليس من الضروري أن يراعي هذا على وجه التحديد، ولكن يكفي ألا يتقدم الصغير على الكبير ولا الأُمي على العالم. يفعل ذلك من نفسه من غير أن يأمره أحد بذلك.
ولعل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" مرتين؛ لعلمه أن أصحابه جميعاً سوف يتيح بعضهم لبعض أن يتقدم في الصف الأول توقيراً له وتواضعاً لله عز وجل، فهم أهل الأدب والكمال والحب والوصال والإيثار.
ونحن نرجو أن نقتدي بهم في تواضعهم وتآخيهم وإيثار بعضهم بعضاً في مواطن الخير، ونسلك مسالكهم في الأدب وحسن الخلق.
قال أبو مسعود راوي الحديث بعد سياقه مخاطباً من كان معه: فأنتم اليوم أشد أختلافاً؛ لكي يحفزهم على تسوية الصفوف وسد الفرج، حتى لا يصيبهم ما يصيب المخالفين من اختلاف القلوب وافتراق الوجوه بسبب الخصومات والتعلق بأمور الدنيا.
والصلاة – كما نعلم – إذا أديت على الوجه الأكمل نهت صاحبها عن الفحشاء والمنكر؛ لأنها أكبر الذكر، فمن دام عليها لم يكن من الغافلين، وبالتالي لم يكن للشيطان عليه سبيل.
يقول الله عز وجل: { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } (سورة العنكبوت: 45)
أي: ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، وهو مع الذاكرين ما ذكروه.
ويقول الله عز وجل: { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } (سورة الرعد: 28)
وقد رأيت الكثير من الناس يقومون إلى الصلاة قبل أن يقول المؤذن: "قد قامت الصلاة"، ويستبقون إلى الصف الأول من غير أدب ولا توقير لمن هم أولى منهم بالصف الأول.
ومنهم من يسارع إلى الوقوف خلف الإمام مباشرة وهو لا يحسن قراءة الفاتحة؛ ليحصل – في زعمه – على فضل الصف الأول، وقد فاته ما يحقق له فضل الصف الأول وغيره من الفضائل، وهو الأدب الذي دعا إليه النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث.
والحق أنه لا يحصل أحد على فضل الصف الأول إلا إذا كان قد بكر إليها وجلس في الصف الأول أو الذي يليه.
وأولو الأحلام والنهي هم الذين يأتون إلى الصلاة مبكرين عليهم السكينة والوقار، فيجلسون في الصفوف الأول؛ بحسب ترتيب مجيئتهم؛ لأن عقولهم الرشيدة تدفعهم لذلك وتحملهم على النظام في كل شيء ولا سيما في الصلاة لفرط حبهم لها وشدة حرصهم عليها.
وقد كان أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجلسون حيث انتهى بهم المجلس ولا يتخطون الرقاب، وإذا جلسوا جلسوا صفوفاً، فإذا أقيمت الصلاة قاموا إليها كل في مكانه، إلا أنهم كانوا يفسحون الطريق إلى الصف الأول لمن هم أولى بالتقديم؛ تأدباً معهم وتوقيراً لهم، وتواضعاً لله عز وجل – كما أشرنا من قبل.
وقد حذر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عوام الناس من الفوضى والهياج عند القيام إلى الصلاة والاستباق إلى الصفوف الأولى مع شدة الزحام، فقال: " لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ "ثَلَاثا" وإياكم وهيشات الأسواق".
وهيشات الأسواق: هي الهياج والصخب وارتفاع الأصوات، والمنافسات بالحق أو بالباطل وما إلى ذلك مما هو معروف مشاهد.
والمساجد بيوت الله، وهي أسواق للتجارة مع الله لا مع الناس، وتنزيهها عن هيشات الأسواف واجب، وتعظيمها برهان على سلامة القلوب وصفائها.
يقول الله – عز وجل – : { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } (سورة الحج: 32).
وشعائر الله: أوامره ونواهيه – وتعظيمها يكون بالإخلاص له – جل شأنه – في الطاعة والامتثال، ورعاية حرماته كلها بقدر الطاقة البشرية.
وللمساجد آداب كثيرة ينبغي مراعاتها، قد مر شيء منها وسيأتي بيانها مفصلة في حديث آخر إن شاء الله تعالى.