البحث
بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا - الدخان
تحت قسم :
من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
1632
2019/11/28
2024/11/15
العلامة الثانية من علامات قرب الساعة: "الدخان" الوارد ذكره في قوله تعالى:{ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ } (سورة الدخان: 10-12).
وقد اختلف المفسرون في هذا الدخان الذي يحمل في طياته العذاب على قولين:
وجمهور المفسرين على أنه كان ضرباً من العذاب أخذ الله به المشركين، استجابة لدعوة يقال إن النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – دعا بها على مضر، فقال: "اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ".
وقد اشتد القحط وعم الجدب، حتى أكلوا الجيف والعلهز. قالوا: وكان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان، وكان يحدث الرجل صاحبه ولا يراه لكثرة الدخان.. ثم إنهم جاءوا إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستشفعين، فشفع لهم، وكشف الله الضر عنهم... فما زادهم ذلك إلا طغياناً وكفراً.
ورأى القلة من المفسرين أن هذا الدخان الذي يغشى الناس هو ما يطلع على الناس يوم القيامة من أهوالها ومرجفاتها...
ودليل الجمهور مستمد من الآيات نفسها، فقوله تعالى: { إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ } (سورة الدخان: 15) يفيد أن كشف العذاب في الدنيا وليس هو ما يفجأ الناس قبل يوم القيامة؛ إذ لا يقبل الله إيمان من آمن بعد طلوع الشمس من مغربها، أو ظهور الدجال، ولا يرفع العذال عن أحد يومئذ، وهذا يفيد أن الكشف هو لعذاب وقع بالفعل لأهل مكة، كما سيأتي بيانه بعد سطور.
وقوله تعالى: { يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ } (سوة الدخان: 16) وعيد من الله سبحانه وتعالى لهؤلاء المشركين الذين نقضوا ما عاهدوا الله عليه، بأن يؤمنوا إذا كشف الضر عنهم، فلما كشف عنهم الضر عادوا إلى ما نهوا عنه.
وهذا يعني أن الفعل الذي وقع الوعيد عليه كان في الدنيا؛ لأنه لا وعيد على ما يقع من الناس في الآخرة.
ودليلهم من السنة ما رواه البخاري عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري عن الأعمش، ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في كندة، قال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذه المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا فأتينا ابن مسعود، قال: وكان متكئاً، فغضب فجلس فقال: يا أيها الناس، من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، قال الله تعالى لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } (سورة ص: 86 )، إن قريشاً أبطأوا عن الإسلام فدعا عليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هُلِكُوا فِيها، أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، يَرىَ الرَّجُل مَا بَيِن السمَاء وَالأرض كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمد، جِئْت تَأمر بِصلة الرحم، وَقَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ".
فقرأ هذه الآية: { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ } إلى قوله : { إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ } أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء، ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله: { يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ } فذلك يوم بدر { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } (سورة الفرقان: 77) فذلك يوم بدر، و {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } (سورة الروم: 1-4) والروم قد مضى فقد مضت الأربع.
وقد أخرجه البخاري أيضاً ومسلم من حديث الأعمش ومنصور به نحوه.
وفي رواية: "فقد مضى القمر، والدخان، والروم، واللزام".
وقد ساقه البخاري من طرق كثيرة بألفاظ متعددة.
وقد يسأل سائل فيقول: كيف يقع عذاب على هؤلاء المشركين، وقد وعد الله سبحانه وتعالى النبي الكريم ألا يعذب قومه وهو فيهم، كما يقول الله تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (سورة الأنفال: 33) فكيف هذا؟.
والجواب – والله أعلم – : أن هذا العذاب الذي لقيه المشركون من قحط أو قتل – ليس هو العذاب الذي كان يؤخذ به أقوام الرسل من قبل، والذي كان بلاءٌ شاملاً يستأصل القوم، ويأتي على كل شيء، فلا تبقى منهم باقية، كما حل بقوم نوح، وعاد، وثمود، وأصحاب مدين، وقوم لوط... وإنما هذا العذاب الذي نزل بالمشركين – لم يكن إلا وجههً من وجوه الحياة التي كانوا يتقلبون فيها، فإذا نزل بهم قحط فقد عرفوا هذا القحط من قبل وذاقوا العذاب منه، وإن أصيبوا في أنفسهم في معركة من المعارك كيوم بدر، فما أكثر المعارك التي أريقت فيها دماؤهم وأزهقت أرواحهم، ولكن الذي يجعل لهذا العذاب الذي ينزل بالمشركين طمعاً جديداً، هو أنه يأتي من الله بدعاء النبي عليهم، وذلك فيما أصابهم من قحط، أو على يد أصحابه يوم بدر، فهذا بدر، فهذا هو الذي يجعل لهذا العذاب حساباً خاصاً عندهم، وأثراً مضاعفاً في نفوسهم.
وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ } (سورة التوبة: 52).
فالنبي والمسلمون معه إنما يتربص بهم وينتظر أن يحل بهم عذاب من عند الله، وهو هذا القحط الذي حل بهم، أو أن يحل بهم عذاب بأيدي المؤمنين، وهو ما أصابهم على أيدي المسلمين من خزي وهوان في ميادين القتال، حتى لقد انتهى الأمر بدخول المسلمين عليهم مكة واستسلامهم للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإسلامهم لله رب العالمين.
ومن جهة أخرى فإن هؤلاء المشركين قد دخلوا جميعاً في الإسلام ولم يمت منهم على الكفر إلا أعداد قليلة بالنسبة لمجموعهم، سواء من مات منهم في ميدان القتال بأيدي المسلمين، أو من مات حتف أنفه.
وهذا من شأنه ألا يوقع حكماً عاماً على هؤلاء المشركين بالعذاب الأليم يوم القيامة، وذلك لأنهم سيصبحون عما قليل في عداد المؤمنين بالله.
وعلى هذا فإن ما يتهددهم به القرآن من عذاب هو العذاب الدنيوي، الذي يرونه رأى العين، والذي يكون فيه عبرة وعظة، تفتح لهم الطريق إلى الإيمان بالله، كما يقول الله سبحانه عن غزوة بدر: { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ } (سورة آل عمران: 13).