البحث
لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوّ
تحت قسم :
من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
1689
2019/08/04
2024/11/17
عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ:
"أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ".
الإسلام دين سلم وسلام، ينبذ العدوان بجميع صوره ولا يكره أحداً على اعتناقه، ولا يدعوا إلا لفضيلة، ولا يأمر إلا بخير، ولا ينهى إلا عن شر.
يقول الله عز وجل: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } (سورة البقرة: 190).
ويقول جل شأنه: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } (سورة البقرة: 194)
وتؤكد كل الدلائل على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، ولم يكن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقاتل إلا إذا قوتل، فما كان يوماً مهاجما قوماً إلا إذا رأى منهم بادرة عدوان.
وكان إذا لقى العدو دعاه إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن أبى أن يدخل في الإسلام دعاه إلى الصلح ودفع الجزية من أجل حمايته وبقائه في أرضه متمتعاً بالسلام في ظل الإسلام.
فإن أبى إلا القتال قاتله بكل قوة وهو يتمنى من أعماق قلبه ألا يقاتله ولكنه كان يخضع لأمر الله تبارك وتعالى ويرضى بقضائه وقدره فيرد العدوان وينتظر النصر.
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } (سورة البقرة: 216).
ولهذا أوصى النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أصحابه بهذه الوصية فقال: "لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ" أي لا تتمنوا أن تقاتلوا، وقد حذف إحدى التائين تخفيفياً، وفي رواية "لا تتمنوا" بإثبات التائين.
"وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ" فهي خير لكم من أن تلقوا عدوكم فيصيبكم منهم مضرة ولكن اخضعوا لأمر الله فيكم، فقاتلوا حيث لا تجدون مفراً من القتال.
وهذا منتهى العدل ومبلغ البر بأصحابه وبالعدو أيضاً.
وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا" أي اثبتوا ولا تفرقوا فإن في الثبات النصر، وفي الفرار الهزيمة، واصمدوا في القتال واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة، وارهبوا عدو الله بسيوفكم وتحملوا ما تلاقونه من الشدائد في قتالهم، واحتسبوا أجورهم على الله تعالى، كل هذه المعاني تنضوي تحت لواء الصبر؛ فهو القوة الضاربة في ميادين القتال.
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (سورة آل عمران: 200).
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} (سورة الأنفال: 15).
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (سورة الأنفال: 45).
والآيات في هذا المعنى كثيرة والأحاديث أكثر.
وقوله: "وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ" معناه أن من مات شهيداً سيلقى الجنة فور استشهاده، كأنه ليس بينه وبينها إلا كظل سيفه فإن وقع سيفه من يده وقع هو في الجنة.
وهذا كناية يفصح عنها قوله تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } (سورة آل عمران: 169).
وقوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (سورة التوبة: 111).
وقد جاء في صحيح مسلم: أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوى إلى قناديل مُعلقة تحت العرش، فاطلع عليهم ربك اطلاعة، فقال: ماذا تبغون؟، فقالوا: يا ربنا، وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحد من خلقك؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا، فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلى الدنيا، فنقاتل في سبيلك، حتى نقتل فيك مرة أخرى – لما يرون من ثواب الشهادة – فيقول الرب جل جلاله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون
نسأل الله لنا ولكم الجنة.