1. المقالات
  2. من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
  3. إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا

إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا

الكاتب : الدكتور محمد بكر إسماعيل
2301 2019/12/24 2024/12/18

 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا: فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ".
الرضا والكراهة في حق الله تعالى معناهما: الأمر والنهي أو المثوبة والعقوبة فكأنه يقول: افعلوا كذا فإنه يرضيني فأثيبكم عليه، ولا تفعلوا كذا فإنه يعضبني فأعقابكم عليه.
 
واعلم أن صفات الله تعالى من باب الأفعال لا من باب الانفعال، فيجب أن تؤول هذه الصفات بما يناسب ذاته العلية من التنزيه عن المماثلة.
 
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا" أي على وجه الخصوص، وإلا فإن الله يرضى لنا ما فيه سعادتنا في الدنيا والآخرة وهو كثير لا يحصى، فالإيمان بضع وسبعون شعبة، تحت كل شعبة من الخصال ما لا يعد ولا يستقصى.
 
وقد كان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر العدد ليحفظ، وهو منهج تعليمي حكيم.
 
وهذه الفقرة تنبيه لما سيذكر لكي تستعد النفوس لذكره.
 
وأول هذه الثلاثة: عبادة الله عز وجل، ومعناها طاعته فيما أمر به ونهى عنه، والانقاد إليه والتسليم له في الأمر كله، والخضوع لعظمته وإظهار التمسكن والافتقار إليه في جميع الأحوال.
 
والثانية: عدم الإشراك به وذلك بأن يكون العبد مخلصاً إخلاصاً تاماً في عبادته مبتغياً بها وجهه الكريم.
 
وهذا ما يسمى بالتوحيد الخالص، وهو التوحيد الذي لا يرضى الله به بديلاً، ولا يقبل عملاً من الأعمال إلا به، وقد جاء في الحديث الصحيح: "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ مِنْ الأعمال إِلَّا مَا كَانَ خَالصاً لوجهه الكريم".
 
فالإخلاص عليه مدار صحة الأعمال وقبولها.
 
قال جلا وعلا: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (سورة البينة: 5) أي دين الفطرة القويمة التي لا تشوبها شائبة شرك على الإطلاق.
 
وقد سبق أن تكلمنا عن الشرك وخطره في وصية سابقة، بل تكلمنا عنه في أكثر من وصية فلا نعيد الكلام فيه هنا.
 
والثالثة: الاعتصام بحبل الله – عز وجل – أي التمسك بكتابه العزيز وسنة نبيه المطهرة تحقيقاً لقوله تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (سورة آل عمران: 103).
 
وفي هذه الآية يبين الله لنا أن الاتحاد ضرورة عالمية، بمعنى أن المسلمين جميعاً ينبغي أن يكونوا يداً واحدة على عدوهم وصفاً واحداً في جميع الميادين.
 
وهذا لا يتم لهم إلا إذا التفوا حول كتاب الله عز وجل، فهو حبل الله المتين وصراطه المستقيم، وهو كتاب الهداية ومنهج الحياة، ولن يستطيع المسلمون أن يجمعوا كلمتهم ويوحدوا صفوفه إلا إذا تدبروا هذا الكتاب وفقهوا معانيه ومراميه، وعملوا بما فيه على قدر طاقتهم البشرية؛ فبه يكون الاعتصام من الزلل والوقاية من الضلال.
 
"مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَلم عِلمه سبق، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ فَقد هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".
 
إن الوحدة الإسلامية طريق طويل شاق ولكنه ضرورة حياة وصراط دين.
 
والعمل للوحدة الإسلامية شرف عريق ومجد خالد إذ ما صحبه إيمان بالله، وثقة في فضله، وتجاوب وجداني حول الكتاب والسنة، ووعي كامل بمتطلبات العصر ومقتضياته، وفهم الحياة على النحو الذي هي عليه من إيجابيات وسلبيات.
 
والهدى كل الهدى في الاعتصام بالله على النحو الذي أمر به في قوله جل وعلا: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (سورة الحشر: 7).
 
والاعتصام بالله هو الاعتماد عليه في جميع الأمور، والرضا بقضائه وقدره والاستعانة به في تحقيق المطالب، والعياذ به من ش ما خلق.
 
قال تعالى: { وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (سورة آل عمران: 101).
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ" معناه: لا يرضى لكم أن تخوضوا فيما لا يعنيكم وتكثروا من اللغو الذي يضر ولا ينفع أو اللغط الذي يوقعكم في الغلط والخلط بين ما ينفع وما لا ينفع، فهذا هو معنى القيل والقال.
 
والغافل عن ذكر الله هو الذي يشغل نفسه بتتبع عورات الناس والخوض في أعراضهم واغتيابهم، والسعي بينهم بالنميمة ونحو ذلك مما يفعله السفهاء من الناس.
 
والقيل والقال أنواع:
نوع يتعلق، فيذكر المعلم ما قيل وما يقال في كذا وكذا من المسائل العلمية، فهذا النوع لا يكرهه الله عز وجل؛ لأنه ضرورة يحتمها البحث العلمي.
 
ونوع يتعلق بأعمال البر وصنائع المعروف والدعوة إلى الإصلاح بالوعظ والإرشاد، فهذا النوع أيضاً محمود يباركه الله – عز وجل – ويثبت عليه، وهو داخل في النوع الأول أو هو في الطريق إليه، فإن الداعية إلى الخير يحتاج في ذلك إلى أن يقول: (قيل وقال).
 
ونوع يكون من لهو الحديث أو لغط الكلام لا يضر ولا ينفع، وهذا ينبغي على المؤمن أن ينزه لسانه عنه احترازاً مما قد يأتي به من دواعي الشر ودوافعه.
 
ونوع يضر ولا ينفع، وهذا يكون على حساب الضرر الذي يتأتى منه، فيعظم الجرم كلما عظم الضرر، فيكون حراماً إن أوقع في الحرام، ويكون مكروهاً إن أوقع فيما يقاربه من الشبهات.
 
وقد قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ".
 
فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ" يتناوله بعمومه هذه الأنواع الأربعة ويكون الحكم فيها على النحو الذي بيناه.
 
والكراهة في اللغة تطلق على ما حكم الله بتحريمه، كما يدل عليه قوله تعالى بعد أن نهى عن كثير من الكبائر: { كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا } (سورة الإسراء: 38) أي محرماً تحريماً قاطعاً.
 
ولكنه عند الفقهاء له إصطلاح خاص، وهو ما لا يعاقب المكلف على فعله ويثاب على تركه.
 
ولا مانع أن نحمل ما جاء في هذه الوصية على المعنيين باعتبارين مختلفين.
 
ولا شك أن من قل كلامه حمدت عاقبته، ومن كثر لغظه كثر غلطه، ومن تكلم فيما لا يعنيه وقع فيما لا يرضيه، وأن قلة الكلام دليل على عقل الرجل، وكثرته دليل على سفهه أو حماقته.
والمسلم الحق من يشغل نفسه بذكر الله، ولا يضيع لحظة من عمره فيما لا ينفع.
 
وقد جاء في الأثر أن لسان المؤمن وراء قلبه لا يتكلم الكلمة إلا إذا عقل معناها وعرف مرماها.
 
ولسان الفاسق أمام قلبه، يلقي بالكلمة ولا يدري أين وقعت وماذا فعلت به وبمن سمعها.
 
فرب كلمة نابية يقولها المرء من غير قصد فيقف منها إخوانه موقف الأسف والاعتذار، ويقف بها بين يدي الله موقف الهوان والصغار.
 
وما كان أغناه عن ذلك لو اتبع تعاليم دينه القويم فكف لسانه عن القيل والقال بقدر الإمكان.
 
وقد قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"
 
وما أحسن قول الشافعي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في هذا المقام:
 
إن شئت أن تحيـــا سليـما مــن الأذى          وحظك موفور وعرضك صينُ
لسانــك لا تـــذكر بــه عورة امريء          فكلك عــورات وللنــاس ألســنُ
وعينـــك إن بـــدت إليــك مـــعايــباً           فصنها وقل يا عين للناس أعيـنُ
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى           وفارق ولكـن بالتــي هي أحسـنُ
وأما كثرة السؤال فمكروه إذا لم يترتب عليه فائدة؛ لأن تركه حينئذ أولى، والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
 
وخير الناس من يترك ما لا ينفعه في دينه ودنياه؛ لأن التعلق به نوع من السفه.
 
ولكن هل الكراهة تعم كل سؤال يلح المرء فيه على المسئول؟ أم هناك قيود وحدود؟
الجواب: نعم هناك قيود وحدود؛ فالعام يخصص بأدنى قرينة كما يقول علماء الأصول.
 
والمتبادر إلى الذهن بادئ ذي بدء أن المراد بكثرة السؤال هنا كثرة الإلحاح في طلب المعونة من الأغنياء والسادة والكبرياء؛ فإن كثرة السؤال حينئذ تكون مذلة للسائل يريق بها ماء وجهه، ويضيع بها دينه أيضاً، ولا يكون من أولئك الذين أثنى الله عليهم بقوله: { يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا } (سورة البقرة: 273).
 
وقد مضى القول في ذل السؤال في وصية من الوصايا فلا نعيده هنا.
 
ويضاف إلى ذلك: الإلحاح في السؤال عن الأخبار التي لا تعني في شيء والتي لا يضر الجهل بها حتى ولو كانت من باب العلم بالشيء؛ لأن المطلوب شرعاً هو العلم النافع.
 
والعلم النافع هو ما أفاد المرء في دينه ودنياه.
 
وقد قال الإمام الشاطبي في الموافقات:
 
العلوم ثلاثة: علم هو من أصل العلم، وعلم هو من ملحه، وعلم لا هو من أصله ولا هو من ملحه... إلى آخر ما قال في إحدى مقدماته الثلاثة عشر من الجزء الأول.
 
فالعلم الذي هو من أصل العلم هو الذي تتوقف عليه صحة الأعمال وقبولها.
 
والعلم الذي هو من ملحه هو ما ينفع في أوقات دون أوقات، وما يجد فيه المرء تسلية ومواساة.
والعلم الذي ليس من أصل العلم ولا من ملحه كالسؤال عن حكمة تقبيل الحجر الأسود، ورمي الجمار، والمبيت بمنى، وغير ذلك من الأمور التعبدية التي يكون من الخير الجهل بحكمتها؛ لأن الجهل بحكمتها يعمق الشعور بالطاعة والخضوع لمن أمر بذلك.
 
والعلم بالحكمة منها يقلل من مدى إظهار العبودية حتماً.
 
فالسؤال الذي لا جدوى منه مكروه كراهة تنزيه، أو كراهة تحريم، أو منهي عنه. كل ذلك بحسب نوع السؤال على النحو الذي بيناه في القيل والقال.
 
وقد كره النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثرة السؤال وعابه في أحاديث كثيرة قد مضى بعضها كقوله: "إِنَّمَا أَهْلَكَ مِنْ كَانَ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ".
 
وقد قال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } (سورة المائدة: 101).
 
وخير الناس من بذل ما لديه بسخاء وعف عما في أيدي الناس، واقتصر من السؤال على ما نفع.
وأما إضاعة المال فهو نوع من الإسراف المذموم والتبذير المشئوم.
 
وهو من الكبائر كما هو معلوم من قوله تعالى { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (سورة الأعراف: 31).
 
وقوله جل وعلا { وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا } (سورة الإسراء: 26-27).
 
والمال نعمة من أعظم النعم يحفظ ماء الوجه، ويعين صاحبه على أمور الدين والدنيا، ويدفع عنه غوائل الفقر والمسغبة، ويجعل من أصحاب اليد العليا إذا ما أنفق منه في سبيل الله – عز وجل -.
 
فإضاعته إذن من أكبر الجرائم لا يقدم عليها إلا سفيه، ولما كان السفهاء لا يحسنون التصرف في أموالهم أمر الله العقلاء أن يحجروا عليهم فيها؛ لأنها لم تعد أموالهم بالمعنى المعروف عند الناس، فهو قاصر عن الملكية بسبب قصوره عن التصرف السليم.
 
قال الله عز وجل { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا } (سورة النساء: 5).
 
فانظر كيف أسند الله الأموال للمخاطبين دون السفهاء لإشعارهم أنها ملك للجميع على الحقيقة؛ لأن المال مال الله عز وجل ونحن خلفاؤه فيه على أنفسنا وعلى المعوزين من الفقراء والمساكين وغيرهم.
 
فعندما يملكها من يسيء التصرف فيها نتدخل لمنعه، لأن الضرر لا يقع عليه وحده ولكن يقع على من له حق في هذا المال إن عاجلاً أو آجلاً، كالورثة ومن يعولهم، بل إن هذا المال قد يتعدى الورثة إلى غيرهم ممن يعملون فيه ويتعيشون منه.
 
ومن هنا كانت إضاعة المال من الأمور التي يبغضها الله عز وجل.
 
لكن هل يقال لمن أسرف في الخير مسرفاً مضيعاً للمال؟
 
الجواب: لا. لأنه حينئذ يكون قد نزل عن ماله لوجه الله تعالى ابتغاء مرضاته فكيف يسمى مسرفاً؟ اللهم إلا إذا كان يعول صغاراً فإنه ينبغي أن يراعي حقهم فيدخر لهم ما يكفيهم حتى لا يضيعهم.
 
فقد قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حين أراد أن يتصرف بماله كله: لأن تَذِرْ أَوْلَادَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ".
نعم إن من أنفق ماله كله في سبيل الله لا يكون مبذراً ولا مسرفاً بالشرط الذي ذكرناه.
 
يقال إن رجلاً من الصالحين كان ينفق الكثير والكثير من ماله، فقال له رجل من الأخيار: لا خير في السرف، فقال له: ولا سرف في الخير. فأفحمه.
 
نعم. إنه لا سرف في الخير؛ لأن المسرف في الخير لا يسمى مضيعاً للمال – كما أشرنا- .
وخلاصة القول أن التوحيد الخالص هو أصل الأصول، وأن المسلمين لن تتحقق وحدتهم إلا إذا التفوا حول كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واشتغلوا بما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
وعلى الله قصد السبيل.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day