1. المقالات
  2. النصر المؤزر للنبى الموقر
  3. ملحق فوائد منثورة في موضوع دلائل النبوة الجزء الثانى

ملحق فوائد منثورة في موضوع دلائل النبوة الجزء الثانى

الكاتب : ماجد بن سليمان الرسي
848 2020/04/30 2020/06/24

آيات الأنبياء لا تُنال باختيارهم أو باختيار أقوامهم
آيات الأنبياء لا تنزل باختيارهم أو باختيار أقوامهم ، بل تنزل بحسب اختيار الله تعالى وحكمته وعدله ومشيئته ورحمته ، وليست بحسب اقتراح الناس ،

كما قال تعالى

]وقالوا لولا نزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين[

[1].


واقتراح الآيات على الأنبياء قد أنكره الله تعالى في القرآن العظيم في غير ما آية ، وقد بين الحق تبارك وتعالى سبب الإنكار في أمرين:
الأول: أنهم لو آمنوا بتلك الآية لكان إيمانهم اضطراريا ، في حين أن العبرة إنما هي بالإيمان الاختياري وليس بالإيمان الاضطراري.
الثاني: أنهم مع هذا الإيمان الاضطراري إن لم يؤمنوا بعد نزول الآية فسيُنزِل الله عليهم العذاب بمقتضى سنته التشريعية.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في تفسير قوله تعالى ﴿وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾:
ذَكَر في هذه الآية الكريمة أنه قادر على تنزيل الآية التي اقترحها الكفار على رسوله ، وبيَّـن في موضع آخر أن حكمة عدم إنزالها أنها لو أُنزِلت ولم يؤمنوا بها لنزل بهم العذاب العاجل كما وقع بقوم صالح لما اقترحوا عليه إخراج ناقة عُشَراء[2] وبْراء [3]جوفاء[4] من صخرة صمّاء [5]، فأخرجها الله لهم منها بقدرته ومشيئته ، فعقروها ﴿وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا﴾ ، فأهلكهم الله دفعة واحدة بعذاب استئصال

وذلك في قوله

﴿وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذَّب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا﴾

[6].

انتهى [7].

وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» في تفسير قوله تعالى من سورة الشعراء ﴿إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين﴾: أي لو نشاء لأنزلنا آية تضطرهم إلى الإيمان قهرا ، ولكن لا نفعل ذلك ، لأنا لا نريد من أحد إلا الإيمان الإختياري. انتهى.
وقال ابن سعدي رحمه الله في تفسير الآية نفسها: لا حاجة إلى ذلك[8] ولا مصلحة فيه ، فإنه إذ ذاك الوقت يكون الإيمان غير نافع ، وإنما الإيمان النافع الإيمان بالغيب. انتهى.
قلت: وقد اقترح المشركون على النبي ﷺ آيات كثيرة فلم يجبهم الله لما اقترحوه ، لأنه ليس لأحد أن يملي على الله ما يريده من الآيات ، قال تعالى في سورة الإسراء ﴿وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا * أو تُسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا﴾ ، قال إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري رحمه الله في «تفسيره»:
يقول تعالى ذكره لنبيه مـحمد ﷺ : قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك ، القائلين لك هذه الأقوال ، تنزيها لله عما يصفونه به ، وتعظيما له من أن يُؤتى به وملائكته ، أو يكون لي سبيل إلى شيء مما تسألونيه ﴿هل كنت إلا بشرا رسولا﴾ ، يقول: هل أنا إلا عبد من عبيده من بني آدم ، فكيف أقدر أن أفعل ما سألتموني من هذه الأمور ، وإنما يقدر عليها خالقي وخالقكم ، وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم ، والذي سألتموني أن أفعله بيد الله الذي أنا وأنتم عبيد له ؛ لايقدر على ذلك غيره. انتهى.

فالحاصل أن الشأن في باب الإيمان بدلائل النبوة ليس الإيمان بالآيات الاقتراحية أو الاضطرارية التي يقترحها الناس على أنبيائهم ، بل الشأن في الإيمان بما أنزل الله على رسوله من الآيات التي ساقها على يده بحسب اختيار الله وحكمته.
اشتراك بعض الأنبياء في بعض الآيات واختصاصهم ببعض
الأنبياء قد يختصون ببعض الآيات ، وقد يشتركون ببعض ، فمن الآيات الخاصة آية القرآن لمحمد ، والتوراة لموسى ، والإنجيل لعيسى ، عليهم الصلاة والسلام.
ومن الآيات ما يشترك فيه كلهم ، كالإخبار عن الله بما أخبرهم به من الغيبيات.
ومن الآيات ما يشترك فيه بعضهم دون بعض كإحياء الموتى ، والعلاج من الأمراض ، فيكون لنبي نظير آية نبي ، فإن إحياء الموتى مشترك بينه وبين وموسىﷺ، قال الله تعالى في سياق قصة بني إسرائيل لما قال لهم موسى ]فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى[.
وإحياء الموتى مشترك بينه وبين نبي الله إلياس عليه السلام [9].
ومع هذا فقد يجعل الله لنبي في آية معينة ما ليس عند غيره مع اشتراكهما في نفس الآية ، قال ابن تيمية رحمه الله:
وأهل الكتاب عندهم في كتبهم أن غير المسيح أحيا الله على يديه الموتى ، وموسى بن عمران من جملة آياته العصا التي انقلبت فصارت ثعبانا مبينا حتى بلعت الحبال والعِصِي التي للسحرة ، وكان غير مرة يلقيها فتصير ثعبانا ثم يمسكها فتعود عصا.
ومعلوم أن هذه آية لم تكن لغيره ، وهي أعظم من إحياء الموتى ، فإن الإنسان كانت فيه الحياة ، فإذا عاش فقد عاد إلى مثل حاله الأول ، والله تعالى يحيي الموتى بإقامتهم من قبورهم ، وقد أحيا غير واحد من الموتى في الدنيا ، وأما انقلاب خشبة تصير حيوانا ثم تعود خشبة مرة بعد مرة وتبتلع الحبال والعصي فهذا أعجب من حياة الميت.

وأيضا فالله قد أخبر أنه أحيا من الموتى على يد موسى وغيره من أنبياء بني إسرائيل أعظم ممن أحياهم على يد المسيح ،

قال تعالى

]وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون[

[10]

، وقال تعالى

{فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى}

[11]

، وقال تعالى

]ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم[.

[12]

وأيضا فموسى عليه الصلاة والسلام كان يُخرج يده بيضاء من غير سوء ، وهذا أعظم من إبراء أثر البرص الذي فعله المسيح عليه السلام ، فإن البرص مرض معتاد ، وإنما العَجَب الإبراء منه ، وأما بياض اليد من غير برص ثم عودها إلى حالها الأول ، ففيه أمران عجيبان لا يُعرف لهما نظير.
وأيضا فموسى فلق الله له البحر حتى عبر فيه بنو إسرائيل وغرِق فيه فرعون وجنوده ، وهذا أمر باهر فيه من عظمة هذه الآية ومن إهلاك الله لعدو موسى ما لم يكن مثله للمسيح.
وأيضا فموسى كان الله يُطعمهم على يده المن والسلوى مع كثرة بني إسرائيل ، ويفجر لهم بضربه للحجر كل يوم اثني عشر عينا يكفيهم ، وهذا أعظم من إنزال المسيح عليه السلام للمائدة ، ومن قلب الماء خمرا ونحو ذلك مما يحكى عنه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وكان لموسى في عدوه من القمل والضفادع والدم وسائر الآيات ما لم يكن مثله للمسيح.
انتهى كلامه رحمه الله [13].
قلت: وهذا من دلائل تفضيل بعض الأنبياء على بعض أنْ آتى بعضهم من دلائل النبوة ما لم يؤتِ غيره ، قال تعالى ]ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض[.

الفرق بين النبي والساحر
كذَّب المكذبون بآيات الأنبياء ، وادعوا أنها من قبيل السحر ، ولو كان عندهم عقول يعقِلون بها وقلوب يفقهون بها لعلِموا أنها لا يمكن أن تكون من هذا القبيل ، لأن بين الآيات التي جاء بها الأنبياء وبين ما يأتي به السحرة فروقا كثيرة ، أولها أنهﷺأمر بقتل السحرة فكيف يُــــدْعى ساحرا؟!
وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله في كتابه «النبوات» [14] فروقا بين آيات الأنبياء وبين السِّحر والكهانة ، ننقلها هنا باختصار وتصرف:
أولاً: أن النبي صادق فيما يخبر به , لا يكْذِب قط , وأما من خالفهم من السحرة والكهان فلا بُد أن يكذب.
ثانياً: أن الأنبياء لا تأمر إلا بالعدل وعبادة الله وحده ، ولا تفعل إلا ما يوافق ذلك , وهؤلاء المخالفون لا بُد لهم من ارتكاب الظلم ، والعدوان على الخلق ، بارتكاب الشرك وعبادة الشياطين وفعل الفواحش.
ثالثاً: أن العقول والفطر توافق ما أمرت به الأنبياء ، فإن الأنبياء كمَّلوا الفطرة وبصَّروا الخلق ، وتعاليمهم – أي الأنبياء - موافقة للعقول لا تُناقضها ، وأما السحرة والكهان وغيرهم من المخالفين فتعاليمهم وأفعالهم مخالفة للفطرة والعقل والحس ، بل هي مُفسِدةٌ للفطرة والعقل والحس ، فأما إفسادهم للحس والعقل فذلك بتخييل أمور للشخص المسحور خلاف ما هي عليه في الواقع ، ورؤية الشيء خلاف ما هو ، كالذين يرون الجن فيظنون أنهم إنس ، أو يرون شيئا على مثالِ مَا هو عليه وهو في الحقيقة بخلافه.
وأما لإفسادهم للفِطَر فإن الفِطَر ناشئةٌ على التوحيد ، والسحرة أفسدوا الفِطَر بارتكاب الشرك وتذويقه للناس.

رابعاً: أن السحر والكهانة أمور معتادة معروفة لأصحابها ليست خارقة لعاداتهم , وآيات الأنبياء لا تكون إلا لهم ولمن اتبعهم.
خامسا: أن الكهانة والسحر يناله الإنسان بتعلمه وسعيه واكتسابه , بخلاف النبوة فإنه لا ينالها أحد باكتسابه.
سادسا: أن ما تأتي به السحرة والكهان لا يخرج عن كونه مقدوراً للإنس والجن , وآيات الأنبياء لا يقدر على مثلها لا الإنس ولا الجن , لأنها خارقة للعادة ، كما قال تعالى ]قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً[.
سابعا: أن ما تأتي به السحرة والكهان يمكن أن تُعارض بمثلها وأقوى منها , وآيات الأنبياء لا يمكن أحداً أن يعارضها بمثلها ولا بأقوى منها.
ثامنا: أن خوارق غير الأنبياء من السحرة والكهان تُنال بأفعالهم من شرك وفجور ، وكذلك خوارق غير الأنبياء من الأولياء ، فإنها تُنال بسعيه ، من دعاء ونحوه ، كأن يقع في مصيبة فيلجأ إلى الله تعالى ، فيخرق الله له العادة فينجيه منها بأسباب غير عادية.
أما آيات الأنبياء فلا تُنال إلا من الله بغير اختيار من الأنبياء ، بحسب علمه وحكمته وعدله ومشيئته ورحمته ، وليست تجيء بحسب اقتراح الناس ،

كما قال تعالى

]وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية[

[15].[16]

كرامات الأولياء من جملة آيات الأنبياء
الكرامة عند علماء الشريعة أمر خارق للعادة ، يُظهره الله عز وجل على أيدي أوليائه ، وهم القائمون بما أوجب الله ، المنتهون عما حرم الله ،

كما قال تعالى في وصفهم

]ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم  ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون[

[17].


والكرامات من جملة آيات الأنبياء ، لأنها لا تحصُل إلا لمن اتبعهم ، ولأنه لولا الأنبياء لما كان الأولياء أولياء ، لأنهم ما صاروا أولياء إلا باتباعهم للنبيﷺ.
ولكن كرامات الأولياء تعتبر من الآيات الصغرى ، أما الآيات الكبرى فخاصة بالأنبياء ، لا يُشاركهم فيها أحد غيرهم ، لا الأولياء ولا غيرهم ، وهي كخلق الطين من الطير ، ونزول الكتب ، وفلق البحر ونحو ذلك.
وعلة عدم المشاركة أن الله فضَّل الأنبياء على غيرهم ، فلا بد أن يمتاز الفاضل بما لا يقدر المفضول على مثله ، إذ لو أتى بمثل ما أتى به الفاضل لكان مثله ، لا دونه [18].
كرامات الأولياء لا يُقصد بها التحدي ، بخلاف آيات الأنبياء
كرامات الأولياء لا يُقصد بها التحدي إطلاقا ، وإنما يُقصد بها الإكرام وتلبية حاجة ذلك الولي ، بخلاف آيات الأنبياء فقد يُقصد بها التحدي وقد يقصد بها تلبية حاجات الناس ، وعلى كل حال ففيها تنويه بكرامة ذلك النبي [19].
تدوين كرامات الأولياء
لا شك أن الكرامات تحصل للأولياء الصادقين ، ولكن لما كان شأنهم إخفاؤها خشية العجب والاغترار بالنفس ؛ فإن الكرامات التي دُوِّنت في الكتب قليلة ، وغير معلوم أكثرها للناس.

وأكثر ما دُوِّن من الكرامات – بحسب علم كاتب هذه الأسطر – كان لأصحاب الصدر الأول ، وكثير منها في غزواتهم بحضرة الجمع الغفير من الناس ، الذين لا يسع إخفاء الكرامة عليهم ، وقد [21]ذكر ابن تيمية جملة منها في كتابه «الفرقان بن أولياء الرحمـٰن وأولياء الشيطان» [20] جملة كثيرة من الكرامات التي حصلت لبعض الصحابة والتابعين ، كما ذكر جملة منها في كتابه «النبوات» ، وأصولها مُـخرَّجة في كتاب «صفة الصفوة» لابن الجوزي ، وكتاب «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» لأبي نعيم الأصفهاني ، وبعضها مخرج في كتب الدلائل والسير ، فليراجعها من أراد الاطلاع.

المراجع

  1. سورة العنكبوت: 50 .
  2. ناقة عُشَراء أي مضى من حملها عشرة أشهر. انظر «مفردات ألفاظ القرآن» للراغب الأصفهاني ، مادة: عشر.
  3. وبراء أي كثيرة الوبَر وهو الصوف. انظر «لسان العرب» ، مادة: وبر.
  4. جوفاء أي عظيمة الجوف ، يشير إلى عِظَم خِلقتها. انظر «لسان العرب» ، مادة: جوف.
  5. صمَّاء أي صلبة مُصمتة ، ومعنى مصمتة ليس فيها ثقوب. انظر «لسان العرب» ، مادة: صمم.
  6. سورة الإسراء: 59 .
  7. «أضواء البيان» ، باختصار يسير.
    وانظر ما قاله ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» في تفسير قوله تعالى من سورة الإسراء ﴿وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذَّب بها الأولون﴾.

  8. أي إلى الإيمان الاضطراري.
  9. انظر ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله في «الجواب الصحيح» وكتاب «النبوات» (823).
  10. سورة البقرة: 55 – 56 .
  11. سورة البقرة: 73 .
  12. سورة البقرة: 243 .
  13. انظر ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله في «الجواب الصحيح» (4/17 – 19).
  14. انظر ص 558 ، 1074 .
  15. سورة الأنعام: 37 .
  16. سورة الأنعام: 37 .
  17. سورة يونس: 62 .
  18. انظر كتاب «النبوات» (501 ، 802 ، 823 ، 866).
  19. انظر كتاب «النبوات» (1084 - 1085).
  20. انظر ص 300 وما بعدها.
  21. انظر ص (138 - 141).


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day