1. المقالات
  2. النصر المؤزر للنبى الموقر
  3. الحق الثاني: طاعته فيما أمر ، وفيه أحد عشر مبحثا

الحق الثاني: طاعته فيما أمر ، وفيه أحد عشر مبحثا

الكاتب : ماجد بن سليمان الرسى
968 2020/07/01 2020/07/05
  1. الحق الثاني: طاعته فيما أمر ، وفيه أحد عشر مبحثا
  • 1 .قَرن الله تعالى طاعته بطاعـة رسوله ﷺ ، وأعلمَ خلقَه بأن من أطاع الرسول فقد أطاعه

    ، فقال تعالى

    ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً﴾

    [1]

    إنما جاء بهذا الدين من عند الله عز وجل ، فالرسول ﷺ إنما هو مبلغ عن الله ولم يأت بشيء من عند نفسه ،

    قال تعالى لنبيه

    ]قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي[

    الآية

    ،

    وقال

    ]قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير[

    ، فهذه الآية تدل دلالة واضحة على أن النبي ﷺ تبرأ من أن يقول بتحريم شيء لم يحرمه الله عز وجل أصلا ، فقال ]قل لا أجد فيما أوحي إلي[.
  • وقد أمر الله تعالى بطاعة الرسول ﷺ في ثلاث وثلاثين موضعا من القرآن [2  2]،

    منها قوله تعالى

    )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا( ،

    وقوله تعالى

    ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾

    [3]

    ]قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين[

    [4]

    ، وقوله تعالى

    ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون[

    [5]

، وقوله تعالى

}يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم{.

قال ابن القيم رحمه الله في هذه الآية:

أمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله ، وأعاد الفعل إعلاماً بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عرضِ ما أَمر به على الكتاب ، بل إذا أَمر وجبت طاعته مطلقاً ، سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه ، فإنه أوتي الكتاب ومثله ومعه.

ولم يأمر[6] بطاعة أولي الأمر استقلالا ، بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول ، إيذاناً بأنهم إنما يُطاعُون تبعاً لطاعة الرسول ، فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته ، ومن أمر منهم بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة ،

كما صح عنه  أنه قال:

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.وقال: إنما الطاعة في المعروف.[8] انتهى

[7] .[9]

3 .وأمر عند التنازع بالرد إلى الله والرسول ، أي الكتاب والسنة ،

فقال

﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً﴾

[10].

4 .وتواترت النصوص النبوية في الحث على اتباعه وطاعته ، والاهتداء بهديه والاستنان بسنته ، وتعظيم أمره ونهيه ،

ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال:

كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قال ابن القيم رحمه الله: إن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول ﷺ هو الرد إليه نفسه في حياته ، وإلى سنته بعد وفاته.[11] قالوا: يا رسول الله ، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى.[12] وعنه أن رسول الله ﷺ قال: من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله.[13]  المراجع

وقال: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم[14].

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : والذي نفسي بيده ، لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرَد على الله كشِراد[15] البعير. قال: يا رسول الله ، ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى[16].

قال ابن حبان بعده: طاعة رسول الله ﷺ هي الانقياد لسنته ، مع رفض قولِ كل من قال شيئاً في دين الله جل وعلا بخلاف سنته ، دون الاحتيال في دفع السنن بالتأويلات المضمحلة والمخترعات الداحضة.[17]

وقال ﷺ :

فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ... الحديث.

[18]

ففي هذا الحديث نرى أن النبي ﷺ أمر بالجِـد في لزوم السنة ، فِـعلَ من أمسك الشيء بين أضراسه ، التي هي في مؤخر الفم ، وعض عليه منعاً من أن يُــنتزع ، وذلك أشد ما يكون من التمسك بالشيء ، إذ كان ما يُـمسكه بأسنانه التي بمقاديم فمه أقرب تناولاً وأسهل انتزاعا.

وقد علَّم النبي ﷺ أصحابه أن يجيبوه إذا ناداهم ولو كان أحدهم في صلاة ، مما يدل على عِظـم أمـر إجـابة أمـر النبي ﷺ ،

فعن أبي سعيد بن المعــلى قال:

كنــت أصلي في المسجد ، فدعاني رسول الله ﷺ فلم أجبه ، فقلت: يا رسول الله ، إني كنت أصلي. فقال ألم يقل الله )استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم(.

[19]

5. وقد أخبر الله تعالى أن جميع الرسل أمروا أقوامهم بطاعتهم

﴿وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله﴾

[20]

  ، ومن هذا قول نوح لقومه أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون [21]، وهكذا قال غيره من الرسل. 

6. وطاعة الرسول سيسأل عنها الإنسان يوم القيامة

﴿ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين﴾.

[22]

فإن كان مطيعا للرسول فهذا ثوابه:

﴿ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما﴾ ،

[23] 

وقال تعالى

﴿ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم﴾

[24] .

وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:

إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: (يا قوم ، إني رأيت الجيش بعينيَّ ، وإني أنا النذير العُريان [25] ، فالنجاء[26] ) ، فأطاعه طائفة من قومه ، فأدلجوا[27]  فانطلقوا على مهلهم فنَجَوا ، وكذَبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مَـثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ، ومَـثل من عصاني وكذَّب بما جئت به من الحق[28]. 

وإن كان عاصيا لرسوله ندم وعض على يديه ،

﴿ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتـىٰ ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا﴾.

[29]

  • 6] . وطاعة الرسول ﷺ تكون باتباع ما جاء في سنته ، بالتأسي به في أقواله وأفعاله وأحواله ، فإن الأصل في أفعال النبي ﷺ وأقواله أنها للاتباع والتأسي ،

    قال الله تعالى

    ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً﴾

    [30].

  • واتباع النبي ﷺ وطاعته دليل على محبة الله تعالى ،

    يدل ذلك قول الله تعالى

    ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾

    [31]

    ، قال ابن تيمية رحمه الله: ومما ينبغي التفطن له

    أن الله سبـحانه قال في كتابه

    ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله﴾

    ، قال طائفة من السلف: ادعى قوم على عهد النبي ﷺ أنهم يحبون الله فأنـزل الله هذه الآية ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ الآية ، فبين سبحانه أن محبته توجب

قال ابن كثير رحـمه الله: هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله ﷺ في أقواله وأفعاله وأحواله ، ولهذا أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي ﷺ يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظار الفرج من ربه عز وجل.[32]

ومن هذا قوله ﷺ :

صلوا كما رأيتموني أصلي.

[33]

وقوله ﷺ :

لتأخذوا عني مناسككم

.[34]

وقال الحســن البصري رحمه الله: ليس الإيمان بالتــــمني والتحــلي ، ولكنه ما وقر في القلوب ، وصدقته الأعمال.[35]

  • 8] . واتباع النبي ﷺ وطاعته دليل على محبة الله تعالى ،

    يدل ذلك قول الله تعالى

    ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾

    [36] ،

    قال ابن تيمية رحمه الله: ومما ينبغي التفطن له أن الله سبـحانه

    قال في كتابه

    ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله﴾

    ، قال طائفة من السلف: ادعى قوم على عهد النبي ﷺ أنهم يحبون الله

    فأنـزل الله هذه الآية

    ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾

    الآية

    ، فبين سبحانه أن محبته توجباتباع الرسول ﷺ ، وأن اتباع الرسول ﷺ يوجب محبة الله للعبد ، وهذه محبة امتحن الله بها أهل دعوى محبة الله ، فإن هذا الباب تكثر فيه الدعاوى والاشتباه.[37]
    وقال ابن كثير رحمه الله: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية ، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله ،

    كما ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال:

    (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)

    [38] ،

    ولهذا قال

    ]إن كنتم تحبون الله فاتبــعوني يحببــكم الله[

    ، أي يحصــل لكم فوق ما طلبتــم من محبتــكم إياه وهو محبته إياكم ، وهو أعظم من الأول ، كــما قال بعض العلــماء الحــكماء: (ليس الشأن أن تُحِـب ، إنما الشأن أن تُحَـب). وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله ، فابتلاهم الله بهذه [39]الآية[40] انتهى كلامه. ثم زاد الأمر تأكيدا وبيانا بأن أعقـب آية اختبار المحبة بآية الأمر بطاعته وطاعة نبيه ﷺ ، فقال ]قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين[. وقال ابن القيم رحمه الله: ﴿يحببكم الله﴾ إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها وفائدتها ، فدليلها وعلامتها اتباع الرسول ، وفائدتها وثمرتها محبة المرسِـل لكم ، فما لم تحصل المتابعة فليست محبتكم له حاصلة ، ومحبته لكم منتفية.[41]

    وقال أيضا: ثباتها إنما يكون بمتابعة الرسول في أعماله وأقواله وأخلاقه ، فبحسب هذا الاتباع يكون منشأ هذه المحبة وثباتها وقوتها ، وبحسب نقصانها يكون نقصانها ، كما تقدم أن هذا الاتباع يوجب المحبة والمحبوبية معا ولا يتم الأمر إلا بهما ، فليس الشأن في أن تحب الله ، بل الشأن في أن يحبك الله ، ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهرا وباطنا ، وصدَّقته خبرا ، وأطعته أمرا ، وأجبته دعوة ، وآثرته طوعا ، وفَنِيــْتَ عن حُكمِ غيره بحكمه ، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته ، وعن طاعة غيره بطاعته ، وإن لم يكن ذلك فلا تَــتَــعَــنَّ ، وارجع من حيث شئت فالتمس نورا ، فلست على شيء[42].

  • (وهذه المنزلة والمكانة لأتباع الرسول ﷺ نابعة من كون هذا الاتباع إنـما هو في الـحقيقة إتباع لله ، إذ الرسول إنما جاء بهذا الدين من عند الله عز وجل ، فهو شرع الله ودينه الذي أوحاه لرسوله ﷺ ليبلغه للعباد ، فالرسول إنما هو مبلغ عن الله ، ولم يأت بشيء من عند نفسه ،

    قال تعالى

    ﴿قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي﴾ الآية)

    [43].[44]


    9. وطاعة الرسول ﷺ فيها حياة الأرواح ،

    قال تعالى

    ﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه﴾

    [45].

    قال ابن القيم رحمه الله: الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله ، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له ، وإن كانت حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات. فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله وللرسول ظاهرا وباطنا ، فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا ، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان ، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول ﷺ ، فإن كل ما دعا إليه ففيه الحياة ، فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة ، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول ﷺ .[46] ثم أعقب الله تعالى أمره بالاستجابة للرسول بالتحذير من عدم الاستجابة أو التثاقل عنها ،

    فقال ﴿واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه﴾

    ، قال ابن القيم رحمه الله: إنكم إن تثــــاقلتم عن الاستــجابة وأبــطأتم عنها فلا تأمنوا أن يحول الله بينكم وبين قلوبكم ، فلا يمكنكم بعد ذلك من الاستجابة ، عقوبة لــــكم بعد وضــوح الحــق واستبانته ،

    فيكون كقوله

    ]ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة[

    ،

    وقوله

    ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم[

    ،

    وقوله

    ]فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل[

    ، ففي الآية تحذير عن ترك الاستجابة بالقلب وإن استجاب بالجوارح.
    10. وقد بلغ السلف رحمهم الله – وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم - الغاية في طاعة النبي ﷺ ، فقد كانوا يدورون مع النصوص حيث دارت ، ويحكمون على الرجل بأنه على الطريق ما كان على الأثر ، فهذا أبو بكر رضي الله عنه قال: لست تاركا شيئا كان رسول الله ﷺ يعمل به إلا عملت به ، فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ.[47] ولله در الفاروق عمر رضي الله عنه حين قال: ... لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله ﷺ .[48]

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

    لما أنزلت عﷺلى رسول الله   ]للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ به اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ[[49]، قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ  ، قال: فأتوا رسول الله ﷺ  ثم بركوا على الرُّكَب فقالوا: أي رسول الله ، كلِّـفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله ﷺ  : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟  بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا إليك المصير.

    قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. فلما اقترأها القوم ذلَّت بها ألسنتُهُم ،

    فأنزل الله في إثرها

    ]آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيْر[.

    فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى ،

    فأنزل الله عز وجل

    ]لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسَاً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ * رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا[.


    قال[50]: نعم.

    ]رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا[.

    قال: نعم.

    ]رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ[.

    قال: نعم.

    ]وَاعفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ[

    . قال: نعم.[51] قال ابن أبي العــز الحنــفي[52] رحمه الله: فالــواجب كمال التسليم للرسول ﷺ  ، والانقياد لأمره ، وتلقي خبره بالقبول والتصديق ، دون أن يعارضه بـخيال باطل يسميه معقولاً ، أو يحمله شبهة أو شكاً ، أو يقدم عليه آراء الرجال ، وزبالة أذهانهم ، فيوحده ﷺ  بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما نُــوَحِّد المرْسِل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل.[53] 

    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النَّبِي ﷺ :

    إن الله تعالى حـــــــــرم الخمر ، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع.قال: فاستقبل الناس بما كان عندهم منها في طريق المدينة ، فسفكوها.

    وعن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ أمر مناديا فنادى في الناس:


    (إن الله ورسوله ينهيانِكم عن لحوم الحمر الأهلية) ؛ فأُكفئت القدورُ وإنها لتفور باللحم.

    وعن عائشة رضي الله عنها قالت:

    يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل ، لما أنزل الله ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ شققن مُروطِهن فاختمرن بها. وفي رواية: أخذن أُزُرَهن فشققنها من قِـــبَل الحواشي فاختمرن بها.

    وعن أبي سعيد الـخدري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ  أرسل إلى رجل من الأنصار

    ، فجاء ورأسه يقطر ، فقال النبي ﷺ : لعلنا أعجلناك؟ قال: نعم. فهذا كان في حال جماعه مع أهله ، فلما دعاه ﷺ  استجاب له ولم ينتظر الإنزال ، فذهب واغتسل وسارع لنداء النبي ﷺ  له.

    وفي قصة الإفك ، لما قال مسطح ما قاله في عائشة ؛ حلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحاً بنافعةٍ أبداً ،

    فأنزل الله عز وجل

    ]ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين[

    ، يعني مِسطحاً ،

    إلى قوله

    ]ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، والله غفور رحيم[.

    فلما نزلت قال أبو بكر: بلى والله يا ربنا ، إنا لنحب أن تغفرَ لنا ، وعاد له بما كان يصنع.

    وقال ابن عباس رضي الله عنهما:

    استأذن الحُـر لعيينة بن حصن ليدخل على عمر ، فأذِنَ له عمر ، فلما دخل قال: هَـيْ يا ابن الخطاب ، فوالله ما تعطينا الــجزْل ، ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر حتى همَّ به.فقال له الحُـر: يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى قال لنبيه ﷺ  )خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين[ ، وإن هذا من الجاهلين.
    والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه [54]، وكان وقَّافاً عند كتاب الله.

    وقال ابن مسعود رضي الله عنه:

    شهِدت من المقداد بن الأسود مشهدا لَأن أكون صاحبه أحب إلي مما عُدِل به ، أتى النبي ﷺ وهو يدعو على المشركين ، فقال: لا نقول كما قال قوم موسى )اذهب أنت وربك فقاتلا( ، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك ، فرأيت النبي ﷺ أشرق وجهه وسره ، يعني قوله[55].

    وعن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:

    سمعت رسول الله ﷺ  : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنَّكم إليها. قال: فقال بلال بن عبد الله بن عمر: والله لنمنعُهن[56]. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سباً سيئاً ، ما سمعته سبه مثله قط ، وقال: أُخبرك عن رسول الله ﷺ  ، وتقول: والله لنمنعهن؟!

    وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يخذِف

    ، فقال له: لا تخذِف[57] ، فإن رسول الله ﷺ  نهى عن الخذْف ، أو كان يكره الخذف ، وقال: (إنه لا يُصاد به صيد ، ولا يُـنكأ به عدو ، ولكنها قد تكسرُ السِّن ، وتَـفْقأُ العين).  ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له: أحدثك عن رسول الله ﷺ  أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف؟! لا أكلمك كذا وكذا[58].

وعن عطاء بن يسار أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه باع سِقاية[59] من ذهب أو ورِق بأكثر من وزنــــها

، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: سمعت رسول الله ﷺ  ينهى عن مثل هذا ، إلا مثلاً بمثل. فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأساً. فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية ، أنا أخبره عن رسول الله ﷺ  ، ويخبرني عن رأيه ، لا أساكنك بأرض أنت بها. ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له ، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلا بمثل ، وزنا وزن.



المراجع

  1. سورة النساء: 80 .
  2. قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد أمر الله بطاعته في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن ، وقرن طاعته بطاعته ، وقرن بين مخالفته ومخالفته ، كما قرن بين اسمه واسمه ، فلا يذكر الله إلا ذكر معه. «مجموع الفتاوى» (19/103).
    وهكذا قال الآجري في «الشريعة» ، ص 49 .
  3. سورة الحشر: 7 ، وهذه الآية تفـيد أن الله تعالى أوجب في القرآن أخذ كل ما أتى به الرسول r جملة وتفصيلاً.
  4. سورة آل عمران: 32 .
  5. سورة الأنفال: 20 .
  6. أي الله تعالى.
  7. رواه الطبراني في «الكبير» (18/170) عن عمران بن حصين رضي الله عنه.
  8. رواه البخاري (7257) ، ومسلم (1840) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
    ومن الأدلة أيضا حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكرِه إلا أن يؤمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة. رواه البخاري (7144) ، ومسلم (1839) ، واللفظ لمسلم.
  9. «إعلام الموقعين» ، فصل في تحريم الإفتاء في دين الله بالرأي المتضمن لمخالفة النصوص.
  10. سورة النساء: 59 .
  11. «إعلام الموقعين» ، فصل في تحريم الإفتاء في دين الله بالرأي المتضمن لمخالفة النصوص.
  12. رواه البخاري (7280).
  13. رواه البخاري (7137) ، ومسلم (1835) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
  14. رواه البخاري (7288) ، ومسلم (1337) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
  15. أي كما يشرد البعير إذا نفر وذهب عن صاحبه ، والمقصود بالشرود هنا الخروج عن طاعة الله.
  16. رواه ابن حبان (1/196 – 197) ، ورجاله رجال مسلم ، والحديث له شواهد تقويه كحديث أبي هريرة المتقدم ، وحديث أبي هريرة الذي رواه أحمد (2/361) وغيره ، وسنده على شرط الشيخين كما قال الحافظ في «الفتح» ، شرح حديث (7280).
     باختصار من حاشية الشيخ شعيب على الحديث أعلاه.
  17. المرجع السابق.
  18. رواه ابن حبان (1/179) واللفظ له ، وأبو داود (4607) ، وابن ماجه (42) ، والترمذي (2676) ، وأحمد (4/126) ، وغيرهم كثير ، والحديث صححه الألباني رحمه الله.
  19. رواه البخاري (4474).
  20.  سورة النساء: 64 . 
  21. سورة نوح: الآية 3 .
  22. سورة القصص: 65 .
  23. سورة النساء: 69 – 70 .
  24. سورة النساء: 13 .
  25. قال ابن كثير رحمه الله: أي الذي أعجله شدة ما عاين من الشر عن أن يلـبِس عليه شيئا ، بل بادر إلى إنذار قومه قبل ذلك فجاءهم عُريانا مسرعا. «تفسير القرآن العظيم» ، سورة النجم ، آية 57 . 
  26. أي: النجاة ، يحثهم عليها.
  27. الدلجة هي السير بالليل.
  28. رواه البخاري (6482) ومسلم (2283).
  29. سورة الفرقان 27 – 29 .
  30. سورة النساء: 14 .
  31. سورة الأحزاب: 21 .
  32. «تفسير القرآن العظيم» ، تفسير الآية السابقة.
  33. رواه البخاري (631) عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
  34. رواه مسلم (1297) بلفظ: (لتأخذوا مناسككم) ، ورواه البيهقي في «الكبرى» (5/125) بلفظ: خذوا عني مناسككم.
  35. رواه الخطيب البغدادي في «اقتضاء العلم العمل» ، ص 42 – 43 .
  36. سورة آل عمران: 31 ، وقال ابن القيم إن هذه الآية تسمى آية المحبة. «مدارج السالكين» ، منزلة المحبة ، (3/455).
  37. «مجموع الفتاوى» (10/81)..
  38. رواه مسلم (1718) ، ونظيره الحديث الآخر: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) عن عائشة رضي الله عنها ، والمقصود بقوله (أمرنا هذا) يعني الدين.
  39. أخرجه ابن جرير في تفسير الآية ، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1073).
  40. «تفسير القرآن العظيم» ، سورة آل عمران ، آية 31 .
  41. «مدارج السالكين» ، منزلة المحبة ، (3/455).
  42. «مدارج السالكين» ، منزلة المحبة ، (3/484 - 485).
  43. الآية الأخيرة من سورة الكهف.
  44. «حقوق النبي ﷺ » ، ص 179 .
  45. سورة الأنفال: 24 .
  46. «الفوائد» لابن القيم ، ص 140 .
  47. رواه البخاري (3093) ، ومسلم (1759).
  48. رواه أبو داود (1887) وابن ماجه (2952) وأحمد (1/45) ، وقال محققو «المسند»: صحيح لغيره. وقال الألباني:  حسن صحيح.
  49. سورة البقرة: 284 .
  50. أي الله تعالى ، أي قد فعلت وأجبت دعائكم هذا ، تخفيفا من الله على عباده ، وهذا من بركة استسلامهم للأمر الإلـٰهي أن نَسَخَ الآية الأولى بهذه الآية.
  51. رواه مسلم (125).
  52. هو الإمام العلامة صدر الدين ، أبو الحسن ، علي بن علي بن محمد ، الدمشقي ، من علماء المائة الثامنة ، تأثر بشيخ الإسلام وانتصاره على خصومه من أهل البدع ، كان يرى التقيد بالكتاب والسنة وعدم التعصب لمذهب ما ، له الكتاب المعروف «شرح العقيدة الطحاوية» وهو عمدة في عقيدة أهل السنة والجماعة ، وله أيضا رسالة طيبة في الاتباع.
    تعرض رحمه الله لمحنة في دينه بسبب تعليقة على أبيات فيها شرك ، فصبر على تلك المـحنة وسجن وعُزر بسببها ، توفي رحمه الله سنة 792 . انظر ترجمته للمشايخ د. عبد الله التركي وشعيب الأرناؤوط ، و تقع في مقدمة تحقيق كتابه «شرح العقيدة الطحاوية».
  53. «شرح الطحاوية» لابن أبي العز (1/228).
  54. رواه البخاري (4642).
  55. رواه البخاري (3952).
  56. رواه مسلم (442).
  57. الخذف هو رمي الحصا ، بأن تُجعل الحصاة بين سبابتين ويُرمى بها. انظر «النهاية».
  58. رواه البخاري (5479) ومسلم (1954).
  59. السقاية إناء يشرب فيه. انظر «النهاية».
  60. هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الحجري المصري الطحاوي الحنفي ، مات سنة 321 . انظر «السير» (15/27).
  61. وانظر شرح ابن أبي العز لعبارة الطحاوي رحمهما الله.
  62. أي النبي ﷺ .
  63. رواه مسلم (770).
  64. رواه الترمذي (3599) وابن ماجه (3833) ، وصححه الألباني رحمه الله.
  65. هو الشيخ العلامة المفسر الفقيه عبد الرحمـٰن بن ناصر السعدي ، من فحول علماء نجد ، استوطن بلدة عنيزة من مدن القصيم ، ولد عام 1307 وتوفي عام 1376 هجري ، تتلمذ على يده عدد من الطلبة صاروا فيما بعد من علماء المسلمين ، كالشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل ، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمـٰن البسام ، والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وغيرهم ، رحمهم الله.
    انظر ترجمته في كتاب «علماء نجد خلال ثمانية قرون» ، للشيخ عبد الله بن عبد الرحمـٰن البسام رحمه الله.
  66. سورة محمد: 24 .
  67. رواه أبو داود (4833) والترمذي (2378) ، وصححه الألباني رحمه الله.
  68. نافخ الكير هو الحدَّاد.
  69. يُحذيك أي يعطيك. انظر «النهاية».
  70. رواه البخاري (5534) ومسلم (2628).



المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day