1. المقالات
  2. النصر المؤزر للنبى الموقر
  3. ملحق فوائد منثورة في موضوع دلائل النبوة الجزء الاول

ملحق فوائد منثورة في موضوع دلائل النبوة الجزء الاول

الكاتب : ماجد بن سليمان الرسي
1981 2020/04/30 2020/06/24

فوائد منثورة في موضوع دلائل النبوة
هذه فوائد متنوعة في موضوع دلائل النبوة ، أضعها بين يدي القارىء الكريم ، نفع الله بها. 
كلمة جامعة في دلائل نبوة محمد ﷺ
قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله في تفسير

قوله تعالى :

)إنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا ونذيرا(

[1]


ذَكَر تعالى بعضَ آية موجزة مختصرة جامعة للآيات الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم وصحة ما جاء به، فقال )إنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا ونذيرا(، فهذا مشتمل على الآيات التي جاء بها, وهي ترجع إلى ثلاثة أمور: 
الأول: في نفس إرساله, والثاني: في سيرته وهديه ودَلِّــــهِ [2]، والثالث: في معرفة ما جاء به من القرآن والسنة. 
فالأول والثاني قد دخلا في قوله ) إِنَّا أَرْسَلْنَاك(، والثالث دخل في قوله ) بِالْحَقِّ (.
وبيان الأمر الأول وهو - نفس إرساله - أنه قد عُلِم حالة أهل الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من عبادة الأوثان والنيران والصُّلبان, وتبديلهم للأديان, حتى كانوا في ظلمة من الكفر قد عمتهم وشملتهم, إلا بقايا من أهل الكتاب قد انقرضوا قُـــبَــــيل البعثة. 
وقد عُلِم أن الله تعالى لم يخلق خلقه سدى, ولم يتركهم هملا, لأنه حكيم عليم, قدير رحيم، فمن حكمته ورحمته بعباده أن أرسل إليهم هذا الرسول العظيم, يأمرهم بعبادة الرحمـٰن وحده لا شريك له, فبِمجرد رسالته يعرف العاقل صدقه, وهو آية كبيرة على أنه رسول الله.
وأما الثاني؛ فمن عَرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة تامة, وعرف سيرته وهديه قبل البعثة, ونشوءه على أكمل الخصال, ثم من بعد ذلك قد ازدادت مكارمه وأخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين, فمن عرفها, وسبر أحواله؛ عرف أنها لا تكون إلا أخلاق الأنبياء الكاملين, لأنه تعالى جعل الأوصاف أكبر دليل على معرفة أصحابها وصدقهم وكذبهم.

وأما الثالث فهو معرفة ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الشرع العظيم, والقرآن الكريم, المشتمل على الإخبارات الصادقة, والأوامر الحسنة, والنهي عن كل قبيح, والمعجزات الباهرة.
فجميع الآيات تدخل في هذه الثلاثة. 
انتهى كلامه رحمه الله.
أنواع دلائل النبوة بحسب استمراريتها أو انقضائها
يمكن تقسيم دلائل النبوة التي أيد الله بها نبيهﷺبحسب استمراريتها أو انقضائها إلى ثلاثة أنواع:
الأول: آيات حصلت وانقضت في عهد النبيﷺإذ كان حيا ، كانبعاث الماء من بين أصابعه ، وإشباع العدد الكثير من الطعام القليل ، وحادثة انشقاق القمر ، وتسليم الحجر عليه لما أشار إليه ، وحنين الجذع إليه.
الثاني: آية خالدة ، منذ بعث النبيﷺإلى قيام الساعة ، وهي القرآن الكريم وسنته المطهرة ، وهو أعظم الأدلة على نبوتهﷺ، وسيأتي تفصيل الكلام في ذلك قريبا إن شاء الله. 
الثالث: آيات تأتي تبعا مع مرور الزمن وتنقضي ، وهي ما أخبر به النبيﷺمن الغيبيات ، كوقوع بعض الحروب ، وكعلامات الساعة الصغرى والكبرى ، وما يحدث بعد قيام الساعة إلى استقرار الناس في منازلهم ، في الجنة أو في النار.
قال ابن تيمية رحمه الله: 
والآيات نوعان: منها ما مضى وصار معلوما بالخبر ، كمعجزات موسى وعيسى ، ومنها ما هو باق إلى اليوم ، كالقرآن الذي هو من أعلام نبوة محمدﷺ، وكالعلم والإيمان الذي في أتباعه ، فإنه من أعلام نبوته ، وكشريعته التي أتى بها ، فإنها أيضا من أعلام نبوته ، ووقوع ما أخبر بوقوعه

كقوله

(لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك )

[3]

،

وقوله

(لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببُصرى )

[4]

، وقد خرجت هذه النار سنة خمس وستين وست مئة ، وشاهد الناس أعناق الإبل ببصرى [5] ، وظهر دينه وملته بالحجة والبرهان واليد والسنان ، ومثل المثلات والعقوبات التي تحيق بأعدائه ، وغير ذلك ، وكنعته الموجود في كتب الأنبياء قبله ، وغير ذلك [6].

تقسيم آخر لدلائل النبوة
يمكن تقسيم دلائل نبوة محمدﷺإلى نوعين ؛ قولية وفعلية ، فالقولية هي القرآن الكريم وما جاء في السنة الشريفة من تشريعات تبهر العقول ، تتضمن الاعتقادات الصحيحة والأحكام التشريعية والأخبار الصادقة والسلوكيات المستقيمة.
والآيات الفعلية هي ما حصل على يده من الأمور الخارقة للعادة ، كانشقاق القمر ، وتكثير الطعام بين يديه ، وبصقه في عين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما اشتكى منها فرجعت سليمة ونحو ذلك.
تنبيه إلى الفرق بين الآية والمعجزة
يحسن هنا التنبيه إلى أن «الآيات» هي التسمية الدقيقة للأمور الخارقة للعادة ، وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله أن لفظ الآية والبَـيِّنة والبُـرهان هو الوارد في الكتاب والسنة ، وذكر جملة من الأمثلة على هذا [7] ، وأما لفظ «المعجزة» فلم يرد في القرآن ، ولا يدل على كون المقصود آية أو دليلا إلا إذا فُـسِّر به ، وإن كان كونها معجزة وخرقا للعادة من لوازم وشروط وصفات كونها بينة وآية[8].
كما يجدر التنبيه إلى أنه ليست كل الآيات التي أيَّد اللهُ بها أنبياءه من قبيل الإعجاز ، وإنما اختُصَّ بذلك الآيات التي وردت في سياق التحدي والإعجاز للخصم ، فالقرآن – مثلا - آية على نبوة محمدﷺوفيه تحدٍّ ، فيكون معجزة ، أما حنين الجذع إليه ، وتسليم الـحَجَر عليه فإنه آية على نبوتهﷺوليس فيه تحدٍّ ، فلا يوصف بأنه معجزة [9].
وقد ذكر القرطبي رحمه الله في مقدمة كتابه «الجامع لأحكام القرآن» ، باب: (نكت في إعجاز القرآن ، وشرائط المعجزة وحقيقتها) خمسة شروط للمعجزة ، فليراجعها من أراد التوسع.

في الآيات التي أوتيها النبيﷺما هو أظهر في الدلالة على نبوته من آيات غيره من الأنبياء
في الآيات التي أوتيها النبيﷺما هو أظهر في الدلالة على نبوته من آيات غيره ، فتفجير الماء بين أصابعه مثلا أبلغ في خرق العادة من تفجير الحـجر لموسى عليه السلام ، لأن جنس الأحجار مما ينفجر منه الماء ، أما الأصابع فليست من جنس ما ينفجر منه الماء ، فصار انفجار الماء من بين أصابعه أبلغ من انفجار الحجر لموسى عليه السلام.
كـذلك فإن عـيسى عليه السـلام أبرأ الأكمه – وهو الذي وُلد أعـمى - مع بــقاء عـينـه في مـقرها ، أما رسول اللهﷺفردَّ العين بعد أن سالت على الخد ، وهذا أعظم من آية عيسى من وجهين: الأولى التئامها بعد سيلانها ، والأخرى رد البصر إليها بعد فقده منها.
قال الشافعي رحمه الله:
حنين الجذع إليه أبلغ  [10]، لأن إحياء الخشبة أبلغ من إحياء الميت.
ولو قيل: (كان لموسى فلْق البحر) عارضناه بفلق القمر ، وذلك أعجب منه ، لأنه آية سماوية.
وإن سُئلت عن انفجار الماء من الحجر عارضناه بانفجار الماء من بين أصابعه ، لأن خروج الماء من الحجر معتاد ، أما خروجه من اللحم والدم فأعجب.
ولو سُئلنا عن تسخير الرياح لسليمان عارضناه بالمعراج [11]. انتهى.
قلت: ومن لطيف دلائل نبوتهﷺأنه نُصِر بالصَّبا ، وهي ريح تهب من جهة المشرق ،

فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيﷺقال:

نُصِرت بالصَّبا وأُهلكت عاد بالدَّبور

[12].[13]

وفي تسخير هذه الريح نكتة ، وهي أنها كانت مُسخَّرة لسليمان عليه السلام تجري بأمره ، أما الصَّبا فإنها مُسخَّرة لنبينا بدون أمره ، بل تأتيه بدون أمر لنُصرته ، وهذا أبلغ في الدلالة على نبوته [14].

دواوين أهل السنة التي عُنيت بحفظ دلائل النبوة
ودلائل نبوة محمدﷺكثيرة ، كلها تدل على صدق نبوته وأنه رسول من عند الله حقا ، وقد حفظ علماء السنة رحمهم الله في القرون المتقدمة تلك الدلائل في كتب مفردة ، ورووها بالأسانيد ، وأشهر تلك الكتب أربعة:
1. «دلائل النبوة» ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ، لأبي بكر البيهقي.
2. «دلائل النبوة» ، للحافظ أبي بكر الفريابي.
3. «دلائل النبوة» ، لأبي القاسم الأصبهاني.
4. «دلائل النبوة» ، لأبي نعيم الأصبهاني.
ثـم جاء علماء متأخرون واختصروا تلك الكتب ، ومن أشهر كتبهم:
5. «أعلام النبوة» ، لعلي بن محمد الماوردي (450 هـ).
6. «دلائل النبوة» ، لعماد الدين ابن كثير ، ويقع في كتاب «البداية والنهاية».
7. «الصحيح المسند من دلائل النبوة» للشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله (1422 هـ).
8. «دلائل النبوة» ، لسعيد باشنفر (يحوي أكثر من 1400 دليل).

 من دلائل نبوة الأنبياء إنجاء أتباعهم وإهلاك مكذبيهم [15]

من دلائل نبوة الأنبياء إنجاء أتباعهم وإهلاك مكذبيهم ، وذلك مثل إغراق الله لجميع هل الأرض إلا نوح ومن آمن معه ، فهذا ليس له في العالم نظير.
وكذلك إهلاك قوم عاد ، وبلدهم إرَم ، وهذه ليس لها نظير في ذلك الوقت ، كما قال تعالى ]التي لم يخلق مثلها في البلاد[ ، أهلكهم الله بالريح ، فصاروا كأعجاز نخل خاوية ، ونجا الله نبيه هود ومن آمن معه.
وكذلك إهلاك ثمود قوم صالح ، أهلكهم الله بالصيحة ، فصُعِقوا فماتوا كلهم ، ونجا الله صالح ومن آمن معه بعد أن أنذرهم ثلاثة أيام.
وكذلك قوم لوط ، أهلكهم الله بتكذيبهم بنبي الله لوط ، ولاستحلالهم للفاحشة ، فرفع الله مدائنهم إلى السماء ثم قلبت بهم ، ثم اتبِعوا بالحجارة من السماء.
وكذلك قوم فرعون ، أغرقهم الله بالماء عن آخرهم.
فالشاهد من هذا كله أن المكذبين بالرسل هؤلاء لم يكن بجنس ما يموت به بنو آدم ، فصار هذا من دلائل نبوتهم.
 [16]من دلائل النبوة ؛ الكعبة
ومن دلائل نبوة الأنبياء - إبراهيم ومن جاء بعده - الكعبة ، فإنها بيت من حجارة بوادٍ غيرِ ذي زرع ، ليس عندها أحد يحفظها من عدو ، ولا عندها بساتين وأمور يرغب الناس فيها ، فليس عندها رغبة ولا رهبة ، ومع هذا فقد حفظها بالهيبة والعظمة ، فكل من يأتيها يأتيها خاضعا ذليلا متواضعا ، في غاية التواضع ، وجعل فيها من الرغبة ما يأتيها الناس من أقطار الأرض محبة وشوقا من غير باعث دنيوي ، وهي على هذه الحال من ألوف السنين ، وهذا مما لا يُعرف في العالم لِـبُـنـيـةٍ [17]غيرها ، والملوك يبنون القصور العظيمة فتبقى مدة ثم تُـهدم ، لا يرغب أحد في بنائها ، ولا يرهبون من خرابها.

وكذلك ما بُـنِي للعبادات قد يتغير حاله على طول الزمان ، وقد يستولي العدو عليه كما استولى على بيت المقدس ، والكعبة لها خاصة ليست لغيرها ...

وكذلك ما فعله الله بأصحاب الفيل لما قصدوا تخريبها ، قصَدها جيش عظيم ومعهم الفيل ، فهرب أهلها منهم ، فبرك الفيل ، وامتنع من المسير إلى جهتها ، وإذا وجَّهوه إلى غير جهتها توجه ، ثم جاءهم من البحر طير أبابيل ، أي جماعات في تفرقة ، فوجا بعد فوج ، رمَوا عليهم حصى هلكوا به كلهم ، فهذا مما لم يوجد نظيره في العالم.

حكمة الله في اختيار الآيات

من حكمة الله تعالى أن جعل الله كبريات المعجزات من جنس ما برز فيه أهل العصر الذي بعث فيه ذلك الرسول , ففي عصر موسى عليه الصلاة والسلام اشتهر قومه بالسحر , فكانت آية موسى من جنس ما ترقَّـــوا فيه , لكنها زادت عليه , فكانت حقيقة لا خيالاً .

وفي عصر عيسى عليه الصلاة والسلام كان علم الطب مترقياً إلى حد كبير , فجاءت آيته من جنس ما برزوا فيه وزيادة , فإن الطب في وقته لا يستطيع مداواة العمى والبرص , فجعل الله على يد نبيه عيسى عليه الصلاة والسلام الشفاء من هذين المرضين.

وكذلك الأمر بالنسبه لنبينا محمدﷺ، فقد ترقى الناس في عصره في جانب الفصاحة , فكتبت المعلقات الفصيحة ونظمت القوافي البليغة , فجاء القرآن معجزاً لهم على أن يأتوا بمثله , ثم أعجزهم أن يأتوا بسورة مثله , فلم يستطيعوا أن يأتوا ولا بآية واحدة , فالحمد لله على ظهور الحجة.





 

المراجع

  1. سورة البقرة: 119 .
  2. الـدَّلُّ هو الهدي والسمت والسكينة والوقار وحسن السيرة والطريقة واستقامة المنظر والهيئة. انظر «النهاية» مادة: دلل.
  3. رواه البخاري (2928) ومسلم (2912) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، واللفظ للبخاري.
  4. رواه البخاري (7118) ومسلم (2902) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
  5. انظر «البداية والنهاية» ، أحداث سنة 654 هـ .
  6. «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (5/420-421).
  7. انظر (القصص: 32) ، و (النساء: 174) ، و (الإسراء: 111) ، و (الأنعام: 124) ، و (الشعراء: 145) ، و (الأعراف: 73) ، و (آل عمران: 49) ، (الأنعام: 5 ، 25) ، وغيرها.
  8. انظر كتاب «النبوات» (828) ، و«الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح» (5/412-419).
  9. انظر «الجواب الصحيح» (5/412-419).
  10. أي أبلغ من إحياء الميت ، كما سيأتي في كلامه.
  11. رواه الفخر الرازي في كتابه «مناقب الشافعي» من طريق البيهقي عن الشافعي.
    نقلا من حاشية كتاب «آداب الشافعي ومناقبه» لابن أبي حاتم الرازي ، ص 62 ، تحقيق عبد الغني عبد الخالق ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

  12. الدبور ريح تقابل الصِّـبا ، أي تأتي من جهة المغرب ، انظر شرح الحديث في «فتح الباري».
  13. رواه البخاري (1035) ومسلم (900) عن ابن عباس رضي الله عنه.
  14. انظر «فتح القدير» للمناوي (6/283) ، الناشر: دار الفكر ، ط 2 ، سنة 1391 هجري.
  15. تم نقل هذه الفائدة من كتاب «النبوات» (498) لابن تيمية رحمه الله.
  16. تم نقل هذه الفائدة من كتاب «النبوات» (510 - 512) ، باختصار وتصرف يسير.
  17. يعني: بناء.


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day