1. المقالات
  2. النصر المؤزر للنبى الموقر
  3. الحق الثاني: طاعته فيما أمر ، وفيه أحد عشر مبحثا الجزء الثانى

الحق الثاني: طاعته فيما أمر ، وفيه أحد عشر مبحثا الجزء الثانى

الكاتب : ماجد بن سليمان الرسى
657 2020/07/05 2024/04/23

وقد بلغ عمر رضي الله عنه أن رجلاً يصوم الدهر ، فأتاه فَعَلاه بالدِّرَّة وجعل يقول: كُلْ يا دهري. وقد سار التابعون على طريقة الصحابة في اتباعهم لأمر النبي ﷺ ، فقد قال الزهري: مِـن الله الرسالة ، وعلى الرسول ﷺ البلاغ ، وعلينا التسليم. وقال سهل بن عبد الله التستري: أصولنا ستة أشياء: التمسك بكتاب الله تعالى ، والاقتداء بســنة رســول الله ﷺ ، وأكل الحــلال ، وكــف الأذى ، واجتــناب الآثام ، والتوبة ، وأداء الحقوق. وقال: من كان اقتداؤه بالنبي ﷺ لم يكن في قلبه اختيار لشيء من الأشياء ، ولا يجول قلبه سوى ما أحب الله ورسوله ﷺ. وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي[1] رحمه الله في «العقيدة الطحاوية»: (ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام) ، أي لا يثبت العبد على دين الإسلام إلا بالتسليم

لنصوص الوحيين والانقياد إليها وعدم الاعتراض عليها بالرأي أو العقل أو القياس[2]. 11. والأسباب المعينة على الطاعة كثيرة ، 

وأهمها ثلاثة: الأول: 

اللجوء والتضرع إلى الله عز وجل بأن يعينه على طاعة النبي ﷺ ، وإظهار الافتقار له في ذلك. من أعظم الأسباب المعينة للعبد على اتباع ما جاء به نبينا محمد ﷺ ؛ لجوء العبد إلى ربه وتضرعه بين يديه وإظهار الافتقار والحاجة إليه ، بأن يهديه إلى الصراط المستقيم ، ويعينه على العمل ، وهذا هو دعاء المسلم في صلاته دائما ، ﴿إهدنا الصراط المستقيم﴾ ، ومن اشتبه عليه الحق أو أشكل عليه فهمه ، فلا يتفرد بفَهمٍ خاص ، بل عليه أن يدع ُربه أن يهديه للحق ، كما كان يفعل النبي ﷺ ،

فعن عائشة رضي الله عنها قالت:

كان [3]إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بيـن عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدنـي لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم[4]. وكان من دعائه أيضاً: اللهم انفعني بما علمتني ، وعلِّمني ما ينفعني ، وزدني علماً[5].

الثاني:

 تدبر آيات القرآن الكريم قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي[6] في تفسيره لقوله تعالى ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾[7] أي: فهلا يتدبر هؤلاء المعرضون لكتاب الله ، ويتأملونه حق التأمل ، فإنهم 

لو تدبروه لدلهم على كل خير ، ولحذرهم من كل شر ، ولملأ قلوبهم من الإيمان وأفئدتهم من الإيقان ، ولأوصلهم إلى المطالب العالية والمواهب الغالية ، ولبين لهم الطريق الموصـلة إلى الله وإلى جنته ومكملاتها ومفسداتها ، والطريق الموصلة إلى العذاب ، وبأي شيء يُحذر ، ولعرّفهم بربهم وأسمائه وصفاته وإحسانه ، ولشوقهم إلى الثواب الجزيل ، ورهبهم من العقاب الوبيل. ﴿أم على قلوب أقفالها﴾ أي: قد أغلق ما فيها من الإعراض والغفلة والإعتراض ، وأقفلت فلا يدخلها خير أبداً ، هذا هو الواقع. الثالث: صحبة طلبة العلم والعلماء وحضور مجالسهم والاستفادة من دروسهم العلمية  صحبة أهل السنة والجماعة المتمسكين بما كان عليه رسول الله ﷺ وصحابته من أعظم الأسباب التي تعين على الاتباع والاستمساك بالحق ، وذلك لأن الصاحب ساحب للمرء وقائد ، فالخليل يحمل صاحبه على ما هو عليه ، فإن كان صاحب سنة واتِّباع ؛ حَـمَله على ذلك ، وإن كان صاحب بدعة وفسوق حمله على ذلك ،

قال رسول الله ﷺ :

الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل

[8].

عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:

مثل الجليس الصالح والسوء كحامل الـمسك ونافخ الكير[9] ، فحامل المسك إما أن يُـحذِيك [10]، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة[11].

ولذا استفاضت أقوال السلف في الحث على صحبة أهل الاتباع والسنة وترك صحبة سواهم ، ومما يدل على تأثير الصحبة ما قاله يوسف بن أسباط: كان أبي قدرياً ، وأخْوالي روافض ، فأنقذني الله بسفيان. وعن أيوب قال: إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة. وعن ابن شوذب قال: إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك أن يواخي صاحب سنة يحمله عليها. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ : إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ، فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا. ومن أقوال السلف في ذلك:  عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أغد عالماً أو متعلماً أو مستمعاً ، ولا تكن الرابع فتهلك. وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: لا يزال الناس بـخير ما بــــقي الأول حتى يتعلم الآخر ، فإذا هلك الأول قبل أن يتعلم الآخر هلك الناس. فائدة: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وحق الله تعالى في الطاعة ستة أمور ؛ وهي الإخلاص في العــــــمل ، والنصيحة لله فيه ، ومتابعة الرسول فيه ، وشهود مشهد الإحسان فيه ، وشهود منة الله عليه ، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله.

وانظر للفائدة أيضا ما قاله الشنقيطي رحمه الله في هذا الباب في كتابه «أضواء البيان» ، تفسير سورة محمد ، تفسير

قوله تعالى

]أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها{

، من عند قوله: (والحاصل أن نصوص الكتاب والسنة التي لا تُـحصى واردة بإلزام جميع المكلفين بالعمل بالكتاب وسنة رسوله ﷺ ) إلى قوله: (بل أدلة الكتاب والسنة دالة على وجوب تدبر الوحي وتفهمه وتعلمه والعمل به بكل ما عُلِمَ منه علما صحيحا ، قليلا كان أو كثيرا).

المراجع

  1. هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الحجري المصري الطحاوي الحنفي ، مات سنة 321 . انظر «السير» (15/27).
  2. وانظر شرح ابن أبي العز لعبارة الطحاوي رحمهما الله.
  3. أي النبي ﷺ .
  4. رواه مسلم (770).
  5. رواه الترمذي (3599) وابن ماجه (3833) ، وصححه الألباني رحمه الله.
  6. هو الشيخ العلامة المفسر الفقيه عبد الرحمـٰن بن ناصر السعدي ، من فحول علماء نجد ، استوطن بلدة عنيزة من مدن القصيم ، ولد عام 1307 وتوفي عام 1376 هجري ، تتلمذ على يده عدد من الطلبة صاروا فيما بعد من علماء المسلمين ، كالشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل ، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمـٰن البسام ، والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وغيرهم ، رحمهم الله. 
  7. انظر ترجمته في كتاب «علماء نجد خلال ثمانية قرون» ، للشيخ عبد الله بن عبد الرحمـٰن البسام رحمه الله.
  8. سورة محمد: 24 .
  9. رواه أبو داود (4833) والترمذي (2378) ، وصححه الألباني رحمه الله.
  10. نافخ الكير هو الحدَّاد.يُحذيك أي يعطيك. انظر «النهاية».
  11. رواه البخاري (5534) ومسلم (2628).




المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day