1. المقالات
  2. أربعون حديثاً في الخيرية
  3. خيرية اجتناب الفتن

خيرية اجتناب الفتن

الكاتب : محمد بن إبراهيم الهزاع
409 2021/01/25 2021/07/08

"خيرية اجتناب الفتن"

عن أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ" (1).

بين هذا الحديث الشريف عظم خطر الفتن والحث على تجنبها والهرب منها، ومن التسبب في شيء من أسبابها والبعد عنها، فإن شرها وفتنتها يكن على حسب التعلق بها.

- قوله " "سَتَكُونُ فِتَنٌ" المقصود بالفتنة هنا في هذا الحديث: ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك حيث لا يعلم الحق من الباطل (1). 

- قوله: "الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ" وفي رواية عند مسلم "النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْيَقْظَانِ وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ" (3) فيكون المعنى إذاً: أي القاعد في زمانها عنها، والمراد بالقائم الذي لا يستشرفها.

- وقوله: "وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي" والمراد بالماشي: من يمشي في أسبابه لأمر سواها، فربما يقع بسبب مشيه في أمر يكرهه. قال ابن التين نقلاً عن الداودي: (أن المراد من يكون مباشراً لها في الأحوال كلها، يعني أن بعضهم في ذلك أشد من بعض، فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سبباً لإثارتها، ثم من يكون قائماً بأسبابها وهو الماشي، ثم من يكون مباشراً لها وهو القائم، ثم من يكن مع 

النظارة ولا يقاتل وهو القاعد، ثم من يكون مجتنباً لها ولا يباشر ولا ينظر وهو المضطجع اليقظان، ثم من لا يقع منه شيء من ذلك ولكنه راض وهو النائم والمراد بالأفضلية في هذه الخيرية من يكون أقل شراً ممن فوقه على التفصيل المذكور) (1).

- قوله: "وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا" أي: تطلع لها بأن يتصدى ويتعرض لها ولا يُعرض عنها.

قوله: "تَسْتَشْرِفْهُ" أي: تهلكه بأن يُشرف منها على الهلاك.

يقال: استشرفت الشيء علوته وأشرفت عليه، يريد من انتصب لها انتصبت له، ومن أعرض عنها أعرضت عنه، وحاصله أن من طلع فيها بشخصه قابلته بشرها.

ويحتمل أن يكون المراد: من خاطر فيها بنفسه أهلكته، كقول القائل: من غالبها غلبته (2).

- قوله: "مَلْجَأً" أي: يلتجئ إليه من شرها.

- قوله: "مَعَاذًا" أي: ليعتزل فيه ليسلم من الفتنة.

وقد جاء تفسير هذا المعاذ والملجأ عند مسلم من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - ولفظه: "فَإِذَا نَزَلَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ - ذكر الغنم والأرض-" قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ؟ قَالَ: "يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اسْتَطَاعَ" (1).

وقد اختلف العلماء في حكم الدخول في القتال بين المسلمين: منهم من حمل عدم الدخول في القتال بين المسلمين، وعلى المسلم أن يلزم بيته أو يتحول عن بلد  الفتن. أما إذا هجم عليه شيء من ذلك، فإنه يكف يده ولو قتل، ومنهم من قال: يدافع عن نفسه وعن ماله وهو معذور إن قَتل أو قُتل.

أما إذا تحاربت طائفتان من المسلمين وجب على كل قادر الأخذ على يد المخطئ ونصر المصيب والقيام معه بمقاتلة الباغين، كما قال تعالى:

{فَقَٰتِلُوا ٱلَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِىٓءَ إِلَىٰٓ أَمْرِ ٱللَّهِ ۚ } [الحجرات: 6] الآية

، وهذا هو قول الجمهور (2).

قال الطبري: (والصواب أن يقال: إن الفتنة أصلها الابتلاء، وإنكار المنكر واجب على كل من قدر عليه، فمن أعان المحق أصاب ومن أعان المخطئ أخطأ، وإن أشكل الأمر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها) (3).

وقال بعض العلماء: إن الأحاديث وردت في حق ناس مخصوصين، وأن النهي مخصوص بمن خوطب بذلك.

وقيل: إن أحاديث النهي مخصوصة بآخر الزمان، حيث التحقيق أن المقاتلة إنما هي في طلب   الملك (1). ويؤيد هذا الرأي ما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: "أَيَّامَ الْهَرْجِ" قُلْتُ وَمَتَى؟ قَالَ: "حِينَ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسه" (2).

المراجع

  1. رواه البخاري، برقم (3406) ومسلم برقم (2886). 
  2. ابن حجر، فتح الباري، (13/ 34). ومن أراد البحث في معنى الفتنة وما يقصد بها فليرجع إلى فتح الباري (13/ 5).
  3.  رواه مسلم برقم (2886).
  4. ابن حجر، فتح الباري (13/ 34).
  5. ابن حجر، فتح الباري (13/ 31)
  6. رواه مسلم برقم (2887).
  7. انظر: ابن حجر، فتح الباري (13/ 34) ما بعدها بتصرف.
  8. ابن حجر، فتح الباري، (13/ 35)
  9. المرجع السابق.
  10. رواه أبو داود برقم (4258).

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day