1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. التربية الذاتية للنفس

التربية الذاتية للنفس

الكاتب : صالح أحمد الشامي

التربية الذاتية للنفس

نتناول في هذا الفصل سير التربية للنفس من داخلها، والذي سار في اتجاهين معاً كل منهما يتعاون مع الآخر:

الاتجاه الأول: وغايته الوصول إلى نظافة النفس من رواسب الجاهلية.

الاتجاه الثاني: وغايته تثبيت أركان البناء الخلقي في نفوس القاعدة المختارة.

التخلص من رواسب الجاهلية:

قلنا إن العقيدة هي قوام هذه التربية، ومنذ البدء، ومع النطق بشهادة الحق يصبح التلقي في أمور الحياة كلها - لكل مسلم - عن الرسول الذي شهد له بأنه المبلغ عن الله تعالى.

وينتج عن هذا موقف آخر، هو الحذر من كل ما هو مرتبط بالحياة الجاهلية السابقة. .

وكان لا بد من التخلص من كل الرواسب الجاهلية باعتبارها نتاجاً منبثقاً من الفكر الجاهلي، وبما أن الإسلام دين واقعي فإنه أتاح الوقت الكافي للوصول إلى النظافة المطلوبة. . وكان ذلك طول المرحلة المكية.

لم يكن من الممكن شطب الجاهلية من حياة الناس بجرة قلم، وإن واقعاً اجتماعياً يدين له الناس بكل ما فيه يحتاج إلى الهدوء والأناة لاقتلاع جذوره من داخل النفوس.

ولقد كان من حكمة المنهج في خطته للتخلص من تلك الرواسب أنه سلك للقضاء عليها مسلكين: الأول ويقوم على بيان الخطأ والانحراف فيها. وضرورة الابتعاد عنها، والثاني: هو أن الأوامر الجديدة التي جاءت لتقرر المنهج الأخلاقي في حياة المسلم. كانت تقوم بدورها تلقائياً. . فكل خلق إسلامي، كان يلغي راسبة جاهلية ليقوم مقامها.

ونحن لا نريد أن نقوم إن مكة - وهي مركز الدعوة الأول وبلغتها نزل القرآن - كانت مقراً للسوء. . فذلك أمر يتعارض مع الواقع، فما كان اختيارها مركزاً للدعوة عن عبث، والله أعلم حيث يجعل رسالته، فهي من حيث الوضع الاجتماعي ونظام السيادة فيها. . لعلها المكان الوحيد الذي كان يسمح بنشوء دعوة كدعوة الإسلام (1).

ولكننا نلفت النظر باختصار شديد إلى بعض معالم الواقع الاجتماعي الذي أخذ أبعاده يومئذ في نفوس القوم، ومن ذلك:

- سيطرة الفكر الوثني على العقيدة.

- سيطرة النظام القبلي على الحياة الاجتماعية، وشيخ القبيلة عادة هو أكبر الأفراد سناً إذا توفرت فيه الشروط الأخرى وأهمها كثرة المال. .

ولذلك فالرياسة لا تكون إلا للأغنياء، وقد سجل القرآن ذلك حين اعترض الكافرون على نزول القرآن على الرسول الكريم فقال:

{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍۢ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (2). 

"يقصدون بالقريتين مكة والطائف، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذؤابة قريش، ثم من ذؤابة بني هاشم، وهو في العلية من العرب، كما كان شخصه صلى الله عليه وسلم معروفاً يسمو الخلق في بيئته قبل بعثته، ولكنه لم يكن زعيم قبيلة، ولا رئيس عشيرة في بيئة تعتز بمثل هذه القيم القبلية" (3).

وإن تتمة الآيات الكريمة بعد الآية السابقة تبين بوضوح أن العامل الأول هو الثراء المادي (1).

- والفرد مرتبط ارتباطاً كاملاً بقبيلته. . في الخير والشر.

المراجع

  1. انظر تفصيل هذا البحث في "في ظلال القرآن" 5/ 3142 - 3144.
  2.  سورة الزخرف: الآية 31. 
  3. في ظلال القرآن 5/ 3186.
  4. قال تعالى بعد الآية المذكورة: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ } [الزخرف: 32].


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day