البحث
مكانة المرأة في المجتمع (الجزء الثاني)
مكانة المرأة في المجتمع
يتبين لنا مما سبق أن الإسلام أتاح للفتاة في أمر الزواج ما ليس موجوداً في الأنظمة الأخرى: من حرية الاختيار أولاً، ثم ضمن لها في العقد ما يضمن لها حقوقها وما ترغب به من شروط. .
وبعد هذه المقدمة نعود إلى النص النبوي الكريم.
يشتمل النص على ثلاثة أمور:
- الوصية بالنساء خيراً.
- بيان حقوق كل من الزوج والزوجة.
- بيان متى يسمح للزوج أن يضرب زوجته.
1- أما الوصية بهن خيراً، فذلك ما تكرر منه صلى الله عليه وسلم كثيراً يدلنا على كثرة الأحاديث الواردة في الموضوع، ومن ذلك:
ما رواه أبو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا) (1).
وعن عَائِشَةَ رضي اله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) (2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما مثل حديث عائشة (3).
وهذه الأحاديث وغيرها كثيرة تجعل خير الناس هو الأحسن معاملة لأهله، وتجعل مقياس فضل الرجل هو في معاملته لأهله. وهذه قضية بدهية، فالإنسان الذي لا يحسن معاملة أهله، وهناك من الروابط والدواعي الشيء الكثير الذي يدعوه لذلك، كيف تكون معاملته حسنة مع بقية الناس؟!
والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يجعل نفسه أسوة في هذا الأمر - وكذلك هو في غيره - فيقول:
(وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي). .
وهذا يعني: أن على المسلمين التأسي به صلى الله عليه وسلم فيحسنوا معاملة أهليهم.
2- وأما حقوق الزوج على زوجته: فهي حسن رعاية بيته في غيبته، فلا تدخل بيته من لا يأذن له، ولا تجلس فيه من لا يرغب بدخوله عليه.
وأما حقوق الزوجة على زوجها، فهو حسن معاملتها الذي سبق الحديث عنه، فخي بحكم الأسيرة عنده كما جاء في الحديث:
(فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ)
، ومن حسن المعاملة تلبية حاجتهن في الطعام والكسوة ولك الأمور الأخرى كالدواء، وما هو من ضرورات الحياة واقتصار الحديث على ذكر الطعام والكسوة، لأنهما أهم الضرورات ولا يعني ذلك أن الزوج ليس مطالباً ببقية الحاجات.
3- وأما مسألة ضرب الزوجة فقد وردت في
قوله تعالى:
{وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]
وقبل البدء بالحديث نحب أن نقف أمام هذا الحديث:
روى الإمام مسلم في "صحيحه" أن عبدالله بن عمر ضرب غلاماً له، ثم قال: هل أوجعتك؟ قال: لا، قال: فأنت عتيق.
ثم أخذ عبدالله شيئاً من الأوض فقال: ما لي في عتقه من الأجر ما يزن هذا،
إني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ) (4)
وهذا يعني: أن يضرب الإنسان غيره ليس أمراً يتسامح به، ويعني أن ضرب الزوجة لا يكون إلا عند أمر خطير. وهو ما نصت عليه الآية الكريمة، وبيته صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع.
ونطرح الأسئلة الآتية، لم يضرب الرجل زوجته؟
ألأنها قصرت وتأخرت في الطبخ وإعداد الطعام؟
أم لأنها قصرت في كنس البيت وتنظيفه؟
أم لأن الطعام الذي أعدته كان مالحاً؟
أم لأنها قصرت في غسل ثياب زوجها؟
أم لأنها. . ؟.
ونتساءل، وبناءً على معاملة الرقيق التي فرضها الإسلام وسبق ذكرها:
لو أن أمة رقيقة عند رجل، قصرت في إعداد ما سبق ذكره، هل يجرؤ على ضربها؟
والجواب: إنه لن يفعل، لأن ذلك سيضطره إلى عتقها. . .
فهل الزوجة أو من الخادمة يستطيع أن يضربها ولا يسأل؟
إذن، وكما سبق القول فقضية ضرب الزوجة لا تكون إلا في أمر خطير يهدد بنيان الأسرة.
ويوضحه حديثه صلى الله عليه وسلم في خطبته:
(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ. . ).
ونتساءل ما هي الفاحشة المبينة؟
ويأتي الجواب في حديث جابر الذي نقل لنا فيه خطبة الوداع، وفيها:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) (5).
وهذا ما ذكره حديث ابن الأحوص الذي نحن بصدده، والذي جعل حق الرجل على امرأته أمراً واحداً لم يذكر غيره وهو: (فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ).
إن إدخال الزوجة إلى بيت زوجها من لا يرغب الزوج دخوله، وبخاصة إذا كان رجلاً غريباً. . هو الفاحشة المبينة كما نص عليه حديث جابر ورتب عليه الإذن بالضرب وهو قوله: (أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ. . .).
هذه هي الحالة الوحيدة التي يسمح للزوج فيها بضرب زوجته، لأن هذا الفعل مؤشر على بداية انحراف خلقي، وهو الأمر المخوف.
والآية بسياقها تؤكد هذا المعنى فهي تبدأ بالحديث عن أمر يتخوف منه،
قال تعالى:
{وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ . . .} [النساء: 34]
إن مجرد استشعار الانحراف الخُلقي عند الزوجة وتطلعها إلى رجل آخر يجعل من حق الرجل أن يتبع الخطوات التي ذكرتها الآية. . .
وقد يسأل بعضهم: لماذا هذه الخطوات والأمر خطير، فلماذا لا يكون الضرب مباشرة؟
والجواب: إن بعض الرجال لديهم من الغيرة ما هو متجاوز لحد الاعتدال كما ذكر عن سعد عبادة رضي الله عنه، وقد يكون ظن الرجل في غير محله، فالتمهل والتريث والتثبت أمر مطلوب.
وإذن، فالضرب يكون بعد مرحلتين هما: الوعظ والهجر. . وهذا يعني: أن الريبة غالبة على الظن، فإذا رأى الرجل المصلحة في الضرب وأن ذلك سيصلح الأمور فذلك خير، على أن ذلك ليس واجباً عليه، بل يستطيع مفارقة زودته دون أن يضربها، ويذهب كل منهما في سبيله.
على أن عملية الضرب لها شروط كثيرة، في مقدمتها ما ورد في الحديثين السابقين: أن يكون ضرباً غير مبرح، واكتفى بذكر ما قاله ابن حزم في هذا الموضوع، إذ لا مجال لذكر الشروط الأخرى.
قال ابن حزم: "ضربها بما لا يؤلم، ولا يجرح، ولا يكسر، ولا بعض، فإن ضربها بغير ذلك أقيدت منه، وإنما أباح الشارع الضرب ولم يبح الجراح، ولا كسر العظام، ولا تعفين اللحم،
قال تعالى:
{وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ }
[المائدة: 45]
. فصح أنه إن اعتدى عليها بغير حق القصاص عليه" (6).
هذه هي مسألة ضرب المرأة، إنها محدودة ومحصورة في سلوك واحد لا تتجاوزه إلى غيره.
المراجع
- حديث صحيح، رواه أبو داود (4682) والترمذي (1162).
- حديث صحيح، رواه الترمذي (3895).
- حديث صحيح، رواه ابن ماجه (1977).
- رواه مسلم (1657).
- رواه مسلم (1218).
- المحلى (10/ 41).