البحث
صلابة الإيمان
لقد استطاعت تلك القلوب أن ترتقي إلى هذا الأفق العالي، ذلك أنها كانت تتعامل مع الوحي غضاً، فتسمع كلمات الله تعالى تبين لها أجر الساعين إلى رضوانه. . وتبين لها ذلك النعيم الذي لا يزول.
"إن صورة الآخرة في هذا الدين بلغت غايتها من السعة والعمق والوضوح [في القرآن المكي]. . حتى بات عالم الآخرة في حس الأمة المسلمة أثبت وأوضح وأعمق من عالم الدنيا الذي يعيشونه فعلاً. ." (1).
إن هذه الحقيقة تفسر لنا تلك الصلابة التي تكسرت عليها عنجهية قريش. . فقد ماتت سمية أم عمار تحت التعذيب، ومات ياسر زوجها كذلك، لم يتراجعا عن إيمانهما كما كان مطلوباً منهما ذلك، إن الموت في هذه الحالة يعني أن إرادة المقهور المعذب أكبر من قوة وإرادة الطاغية الذي يقوم على فتنته، وإن قوة هذا المؤمن، وهو مجرد من كل سلاح، أكبر من قوة ذاك الطاغية على الرغم من امتلاكه لكل الأسلحة.
وهذه جارية لبني المؤمل تعلن إسلامها، وهي امرأة رقيقة، فهي ضعيفة في المفهوم الجاهلي من جهات عدة. . لأنها امرأة. . ولأنها أمة. . ولأنها. . وكان عمر بن الخطاب يعذبها لتترك إسلامها - وهو يومئذ مشرك - وهو يضربها حتى إذا مل قال: إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا ملالة. . (2).
ونتساءل من الأقوى. . المرأة التي صبرت على البلاء والتعذيب حتى مل عمر، أم عمر وهو يومئذ فتى قريش ورجلها؟
إنها صلابة الإيمان.
ولقد كانت هذه الصلابة دافعاً للتأمل من قبل المشركين، إن هذا الصبر الذي تحلى به هؤلاء المؤمنون، وهذا الثبات على المنهج. . كان يدخل إلى نفوس المشركين - من حيث لا يشعرون - بالإعجاب والإكبار. الأمر الذي يدعوهم إلى النظر في هذا القيم التي يؤمن بها هؤلاء ويموتون في سبيلها.
نعم لقد استطاع الرعيل الأول من المؤمنين أن يكونوا القاعدة الصلبة التي قام عليها المجتمع الإسلامي فيما بعد. وما ذاك إلا بفضل تلك التربية الإيمانية التي كان الرسول الكريم ينشئهم عليها.
المراجع
- في ظلال القرآن 3/ 1408.
- سيرة ابن هشام 1/ 319.