1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. هل انقطعت الهجرة؟

هل انقطعت الهجرة؟

الكاتب : الشيخ صالح أحمد الشامي

ظلت المدينة فاتحة أبوابها ثماني سنوات تستقبل المهاجرين، حتى إذا فتحت انتهت الهجرة وأمر كل من أسلم أن يبقى في بلده. . 

ولكن هل كان ذلك إنهاء لحكم الهجرة إلى الأبد؟

إن النصوص القرآنية الكثيرة التي وردت بصدد الهجرة ما كانت تعالج أمر الهجرة في تلك المرحلة من الزمن فحسب، ولكنها تعالج حالة قائمة في أمر الدعوة، ولذلك وردت بعض النصوص التي توضح لنا هذا الأمر.

عن عبدالله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستكون هجرة بعد    هجرة. ." (2).

وفي الحديث " لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار" (3).

وعلى هذا فالهجرة ليست مرحلة تاريخية مضت بمضي وقتها ورجالها، وأصبحت صفحة من صفحات التاريخ الماضي، وإنما هي صفحة من صفحات السيرة التي خلدها القرآن وستظل جزءاً من حركة الدعوة إلى الله تعالى.

جاء في الظلال: "ولقد ظل شرط الهجرة قائماً حتى فتح مكة، حين دانت أرض العرب للإسلام ولقيادته، وانتظم الناس في مجتمعه، فلا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أن ذلك إنما كان في جولة الإسلام الأولى التي حكم فيها الأرض ألفاً ومائتي عام تقريباً. . فأما اليوم وقد عادت الأرض إلى الجاهلية. . تبدأ جولة جديدة أخرى. . " (1).

وقال في شرح قوله تعالى:

{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّٰهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِىٓ أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلْأَرْضِ ۚ قَالُوٓا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ . .} (2).

"ويمضي هذا الحكم إلى آخر الزمان، متجاوزاً تلك الحالة الخاصة التي كان يواجهها النص في تاريخ معين، وفي بيئة معينة، يمضى حكماً عاماً، يلحق كل مسلم تناله الفتنة في دينه في أية  أرض، وتمسكه أمواله ومصالحه أو قراباته وصداقاته أو إشفاقه من آلام الهجرة ومتاعبها. متى كان 

هناك - في الأرض في أي مكان - دار للإسلام يأمن فيها على دينه ويجهر فيها بعقيدته، ويؤدي فيها  عباداته. . (3).

ونعتقد أيضاً أن قوله صلى الله عليه وسلم: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد. ." ليس حديثاً انتهت مهمته بموت ذلك النجاشي، وإنما هو تسجيل لواقعة جرت ضمن سير الدعوة في ظروف معروفة فإذا وجدت تلك الظروف ووجد المكان الذي يجد فيه المسلم العدل ويأمن فيه على دينه وتطبيق شعائره فإن من المستحسن أن يهاجر إليه. ولا نقول يجب لأن الهجرة إلى الحبشة لم تكن واجبة.

نخلص من هذا إلى أن الهجرة بشكلها العام معلم من معالم الحركة في السيرة امتدت ما يزيد عن خمسة عشر عاماً من عمر الدعوة التي استمرت ثلاثة وعشرين عاماً.



المراجع

  1. فتح الباري 7/ 229.
  2.  رواه أبو داود برقم 2482 وهو عند الإمام أحمد أيضاً. 
  3. أخرجه أبو نعيم وأبو حاتم وابن حبان والنسائي، وقال أبو زرعة: حديث صحيح متقن رواه الأثبات.
  4.  [عن حياة الصحابة للكاندهلوي 1/ 367].
  5. في ظلال القرآن 3/ 1560.
  6. سورة النساء: الآية 97.
  7. في ظلال القرآن 2/ 745.


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day