البحث
عمل أهل الصفة
عمل أهل الصفة:
لا نستطيع أن نقول: ما هو عملهم؟ بمعنى المهنة أو الصنعة أو العمل الذي يكون سبباً لمورد رزقهم. لأن الصفة كانت مكان إقامة مؤقتة، فإذا وجد الواحد منهم عملاً او مأوى خارجها. .غادره ولم يستمر فيها.
قال أبو نعيم: كان عدد أهل الصفة يختلف بحسب اختلاف الحال، فربما اجتمعوا فكثروا، وربما تفرقوا إما لغزو، أو سفر، أو استغناء فقلوا (1).
وقال ابن تيمية: لم يكن جميع أهل الصفة يجتمعون في وقت واحد بل منهم من يتأهل، أو ينتقل إلى مكان آخر يتيسر له. . فهي مأوى فقراء المهاجرين، فمن تأهل منهم أو سافر أو خرج غازياً خرج منها (2).
وإذن فمن وجد غنى بعمل أو زواج أو غير ذلك خرج منها. .
ولذا يحسن أن نطرح السؤال بشكل آخر، فنقول: كيف كانوا يقضون وقتهم؟ وفي الإجابة عليه نقول:
إن غالب الذين يستقرون في الصفة مؤقتاً، هم من المهاجرين الجدد، وبعضهم ربما كان جديداً على الإسلام، فكان بحاجة إلى تعلم القرآن وأحكام الشرع، ولذا كان جل وقتهم بين تدارس للقرآن، أو تعلم له يقوم بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أو من يوكل إليه ذلك، كما كان صلى الله عليه وسلم يجلس إليهم ويذكرهم ويعظهم ويرفع من همتهم، كل ذلك قد وردت به النصوص:
عن عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَوْسًا أَخْبَرَهُ قَالَ: (إِنَّا لَقُعُودٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُصُّ عَلَيْنَا وَيُذَكِّرُنَا. .) (1).
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجهني يقَول: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً، وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ (2)، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ (3) فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ (4) فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُحِبُّ ذَلِكَ قَالَ أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ") (5).
وفي حديث فضالة بْنَ عُبَيْدٍ السابق: . . فَإِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ - أي أهل الصفَة - فقال: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَأَحْبَبْتُمْ لَوْ أَنَّكُمْ تَزْدَادُونَ حَاجَةً وَفَاقَةً" (6).
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: (عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْكِتَابَةَ وَالْقُرْآنَ) (7).
وهكذا كانوا يقضون وقتهم. . فإذا حضرت سرية أو غزوة خرجوا فيها أو خرج القادر منهم إلى الجهاد. .
قال الإمام الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: {لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ. .} (1): نزلت في فقراء المهاجرين. وهم أصحاب الصفة. . وكانوا ملازمين المسجد ويتعلمون القرآن، ويخرجون في كل غزوة.
ولما كان مكوث أهل الصفة فيها مكوثاً اضطرارياً، وكان جل الإنفاق عليهم من باب الصدقات، فإنه لا يسمح لأحدهم أن يدخر مالاً ولو قليلاً، بل عليه أن ينفقه على نفسه وزملائه، أو أن يغادر الصفة إذا كان هذا المال كافياً للاستغناء عن الإقامة في الصفة. . وهذا ما يوضح لنا النصين التاليين:
عن علي رضي الله عنه قال: (مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَتَرَكَ دِينَارَيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيَّتَانِ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) (2).
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ دِينَارًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَهُ كَيَّةٌ" ثُمَّ تُوُفِّيَ آخَرُ فَتَرَكَ دِينَارَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيَّتَانِ) (3).
المراجع
- فتح الباري 11/ 287 - 288.
- الفتاوى 11/ 41 و 81.
- المسند 4/ 8.
- اسم موضع قرب المدينة.
- اسم واد بالمدينة.
- الكوماء من الإبل: العظيمة السنام،
- رواه أحمد في المسند 4/ 154 ومسلم برقم 803.
- المسند 6/ 18 والترمذي في الزهد باب 39 برقم 2473 وقال: حديث حسن صحيح.
- المسند 5/ 315.