البحث
صلح الحديبية
في صلح الحديبية:
أخذت البيعة بعد احتجاز عثمان رضي الله عنه من قبل قريش، وقد تهيأت الأنفس للقنال على الرغم من أن أكثر الناس محرمون وليس معهم من أدوات القتال إلا السيوف.
ثم كان الصلح. . وكان الشرط الثاني قاسياً في حق المؤمنين. وقام عمر بدور فعال. . ولو استطاع أن يلغي هذا الصلح ليقاتل هؤلاء المشركين لفعل.
قال عمر فأتيت نبي الله فقلت: ألست نبي الله حقاً؟ قال: "بلى"، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى"، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: "إني رسول الله ولست أعصيه. .".
ولم يكن هذا شأن عمر وحده، بل هو شأن عامة المسلمين، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أصحابه بالنحر والحلق. . حتى قال ذلك ثلاث مرات فلم يقم أحد. . ثم كان أن قام صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك. . وتبعه الناس. .
لقد كانوا من شدة صدمة الصلح وكأنهم لم يسمعوا. .
إنه الاستشعار لعزة الإيمان واسترخاص للأنفس والأموال في سبيل ذلك. .
وفي غزوة مؤتة:
كان عدد جيش المسلمين ثلاثة آلاف. . ولما كانوا على مقربة من مكان اللقاء بلغهم أن عدد أعدائهم يزيد على مائة ألف. .
ومكثوا ليلتين يفكرون. . ثم قال عبدالله بن رواحة: يا قوم، والله إن التي تكرهون، للتي خرجتم تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة.
فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة. .
وفي غزوة تبوك:
التي سمي جيشها: جيش العسرة. . فقد دعي المؤمنون إلى الإنفاق وأنفقوا. .
ومع كل ما بذل من نفقات. . فإنها لم تستوعب تجهيز الراغبين في المشاركة في الجهاد وتخلف أناس عن المشاركة لهذا السبب.
وقد أدى حزن بعض هؤلاء إلى البكاء. وقد نص القرآن على ذلك فقال تعالى:
{وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} (1).
وذهب واثلة بن الأسقع ينادي: ألا من يحمل رجلاً له سهمه؟. . والتقى بشيخ من الأنصار فقال: لنا سهمه على أن نحمله عقبة. وطعامه معنا. . وخرج مع الخارجين.
وأبطأ بأبي ذر بعيره، فأخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً. .
تلك نماذج تبين لنا مدى ما وصلت إليه الرغبة في الجهاد لدى المسلمين، والحرص على المشاركة فيه، وما ذاك إلا من آثار التوجيه القرآني الكريم والتأسي صلى الله عليه وسلم.
درس من حنين:
كان الخط العام في لقاء المسلمين مع أعدائهم، أن يكون عدد المسلمين هو الأقل، ويكون عدوهم أكثر عدداً وعدة. .
إلا ما كان في غزوة حنين بعد فتح مكة. . فقد كان عدد جيش المسلمين على الضعف من عدد عدوهم، وكانوا كاملي العدة. . ولكنهم انهزموا في أول اللقاء ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة نداء عمه العباس بعض أصحاب الشجرة فقاتل بهم فانتصر.
إنه درس في القيمة العددية والاعتماد عليها. وقد سجل القرآن هذا الدرس في آياته الخالدة فقال:
{لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍۢ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَٰفِرِينَ} (1).
كان هذا الدرس ضرورياً لاستكمال التربية الجهادية من جميع جوانبها في ميدان المعركة. حتى تظل القواعد ثابتة في الاعتماد على الله والتوكل عليه، وإعداد العدة تنفيذاً لأوامره سبحانه وتعالى. .
المراجع
- سورة التوبة: الآية 92.
- سورة التوبة: الآيتان 25 - 26.